عنب بلدي – يامن مغربي
يشتكي لبنان من عدد اللاجئين السوريين على أراضيه، ويستخدم الساسة ورقة اللاجئين لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، ولكن بين اللاجئين والساسة في لبنان يوجد لاجئون آخرون يزورون بيروت، باعتبارها فرصة أخيرة يمكنهم فيها لقاء أهلهم، مع استحالة زيارتهم سوريا.
عشرات اللاجئين، من مصر وتركيا وأوروبا، يسعون للقاء أحبتهم في بيروت، يسرقون لحظات فرح قليلة، في حياتهم شديدة التعقيد، لكن العملية ليست سهلة، فبين التكاليف المادية المرتفعة والمخاوف الأمنية والحوادث العنصرية، تمضي رحلة الزوار السوريين في شوارع بيروت.
سوريا ممنوعة.. بيروت خيمتنا
“لا أستطيع العودة إلى سوريا، فأنا مطلوب للخدمة العسكرية”، يقول أيمن (32 عامًا) لعنب بلدي، وهو صحفي سوري يقيم في اسطنبول، وخرج من سوريا قبل خمسة أعوام.
اختار أيمن العاصمة اللبنانية للقاء أهله كونها المكان الأقرب للعائلة، رغم الشروط المعقدة للدخول.
ويوضح الصحفي، لعنب بلدي، أن عدم وجود شرط الفيزا والقرب الجغرافي يجعل بيروت هي الخيار المفضل، وربما الوحيد، للقاء أهله.
خيار يتطابق مع الظروف التي عاشها أحمد غضبان (30 عامًا)، والتي جعلته يختار بيروت للقاء خطيبته بعد انقطاع دام ثلاث سنوات، بسبب مخاوفه الأمنية من الاعتقال في حال عاد إلى سوريا.
تكاليف مرتفعة
تتراوح تكاليف الرحلة إلى بيروت من اسطنبول بين 700 وأربعة آلاف دولار، تحدد هذه المبالغ شروط عدة تتعلق بالفندق الذي يتم حجزه وسعر تذاكر الطيران، ووقت الزيارة في حال تزامنت مع الموسم السياحي أو موسم العطلات.
بلغت تكلفة الرحلة بالنسبة لأحمد غضبان بين ثلاثة وأربعة آلاف دولار أمريكي، بين حجوزات الفنادق والطيران والمصاريف اليومية، بالإضافة إلى تكاليف وصول خطيبته من سوريا إلى بيروت.
بينما بلغت تكلفة الرحلة بالنسبة إلى أيمن 700 دولار، لمدة 48 ساعة فقط.
أهلًا بكم في مطار بيروت
في جميع مطارات العالم يتم الترحيب بالسياح بأفضل طريقة ممكنة، إلا أن مطار “رفيق الحريري الدولي” في العاصمة اللبنانية يعد استثناءً في وجه السوريين القادمين إليه من وجهات سفر مختلفة، ومهما كان نوع الإقامة التي يحملها المواطن السوري في بلدان اللجوء، فإن جواز السفر الأزرق ذا علامة النسر الذهبية الممهور بـ “الجمهورية العربية السورية” يعني تدقيقًا أكبر من قبل موظفي أجهزة الأمن، بحسب تعبير أحمد غضبان.
تعرض أحمد للتوقيف لمدة سبع ساعات في مطار بيروت، ويوضح لعنب بلدي، “في البداية كان هناك رجال بلباس الشرطة مسؤولون عن استجوابي، قبل وصول رجال بلباس مدني، علمت فيما بعد من بعض الأصدقاء السوريين واللبنانيين أنهم عناصر تابعون لـ(حزب الله) اللبناني”.
قال المحققون لأحمد إنه تحقيق أمني، وتم تصويره بمقاطع فيديو في أثناء التحقيق، بالإضافة إلى الصور الفوتوغرافية، ليتم الإفراج عنه بعدها إلى بيروت، ورغم عدم تعرضه لأي حوادث أمنية في المدينة، كان هذا الهاجس مخيمًا على مشاعره طوال فترة الزيارة.
لم يتعرض أيمن لما تعرض له أحمد في المطار، لكنه تحدث عن مضايقات أخرى تمثلت بأسئلة كثيرة بطريقة الاستجواب تتعلق بسبب القدوم إلى لبنان، ومدة الإقامة، وهل سيتوجه إلى سوريا، بالإضافة إلى ما يصفه أيمن بـ “مزاجية الموظفين”، إذ طلب منه الجلوس في غرفة الانتظار لمدة تزيد على الساعة، رغم “سلامة” كل الأوراق التي قدمها للموظفين، بحسب تعبيره.
في النهاية لم يسمح لأيمن بالمكوث سوى لثلاثة أيام، رغم أن حجزه الفندقي لمدة أسبوع كامل.
ولا تتوقف المضايقات على القادمين من الدول المختلفة، فحتى القادمون من سوريا الراغبون بلقاء أقاربهم وأولادهم في بيروت، يتعرضون للمضايقات نفسها على المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان.
ويروي أيمن ما تعرضت له والدته، في أثناء عبورها إلى لبنان للقاء ولدها، “كان حجز والدتي الفندقي لمدة أسبوع، وأعطيت 48 ساعة فقط، وتم إتلاف أول ورقة مراجعة من قبل عنصر الأمن اللبناني، وطلب من والدتي العودة إلى سوريا”.
بعد التوسل إلى رجال الأمن، طُلب من والدة أيمن إحضار ورقة دخول جديدة، ما اضطرها للعودة إلى الحدود السورية وتسجيل الدخول والخروج مرة أخرى، بعد دفع عشرة آلاف ليرة سورية.
رحّلت سلطات مطار “رفيق الحريري” في 26 من نيسان الماضي، مواطنين سوريين زاروا بيروت، مع إجبارهم على توقيع استمارات “عودة طوعية إلى الوطن”، رغم إعراب المرحّلين عن مخاوفهم من تعرضهم للاعتقال والتعذيب من قبل السلطات السورية فور وصولهم، بحسب ما ذكرت منظمة “هيومين رايتس ووتش”، عبر موقعها الرسمي في 24 من أيار الماضي.
عنصرية.. رائحة النظام في الأجواء
بعد عبور المطار والمعابر الحدودية، لا تنتهي فعليًا المشاكل التي قد يتعرض لها زوار بيروت، فالمشاكل العنصرية التي من الممكن أن يتعرض لها السوريون لا تعد، بدءًا من سائق التكسي إلى المطاعم وغيرها، عدا عن ممارسات بعض وسائل الإعلام تجاه اللاجئين، وتصريحات بعض وزراء الحكومة اللبنانية، وعلى رأسهم وزير الخارجية جبران باسيل، الذي يدعو مرارًا بشكل صريح لإعادة اللاجئين إلى سوريا.
وفي حين لم يتعرض أحمد لحوادث عنصرية، وهو ما يعتبره حظًا كبيرًا، إلا أن المخاوف الأمنية استمرت حتى لحظة مغادرته العاصمة اللبنانية عائدًا إلى تركيا، شعور عاشه أيمن أيضًا، الذي يقول إن هذه الرحلة كانت واحدة من “أسوأ” الرحلات التي قام بها.
يختتم أحمد غضبان حديثه بالقول، “كانت لدي مخاوف أمنية، أستطيع القول إنه منذ وصولي إلى بيروت، كان لدي ارتياب كبير، كنت أشم رائحة النظام في العاصمة اللبنانية حتى مغادرتي إياها”.