الدور السياسي للمرأة السورية.. تهميش مقصود أم اعتبارات سياسية؟

camera iconلقاء بين الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني ومبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسون، مع المجلس الاستشاري النسائي- 14 من آذار 2019 (بعئة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا تويتر)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – ميس حمد

لم يكن خفيًا تفاؤل المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، بتشكيل اللجنة الدستورية السورية، خلال كلمته في مؤتمر صحفي في الأمم المتحدة بتاريخ  2 من تشرين الأول الحالي.

بموازاة تفاؤل بيدرسون، غلب على خطابه الاهتمام بمشاركة النساء في اللجنة الدستورية السورية، الذي انعكس في إعطائهن حق التمثيل على طاولة القرار السياسي، بنسبة حضور 30% من ضمن 150 عضوًا.

وتضم القائمة النهائية للجنة الدستورية 150 اسمًا، مقسمة بالتساوي على القوائم الثلاث، وللنساء ستة مقاعد في قائمة هيئة التفاوض، و19 مقعدًا في قائمة المجتمع المدني، و12 مقعدًا في قائمة النظام السوري.

بمقابل التمثيل القوي في اللجنة الدستورية، يشهد تمثيل المرأة على أرض الواقع تراجعًا في المجالس المحلية والتنسيقيات.

تسلط عنب بلدي في هذا التقرير الضوء على تراجع التمثيل النسائي في ميدان السياسة السوري، وفي قائمة المعارضة السورية ضمن اللجنة الدستورية، وبدائله.

التمثيل النسائي في تراجع

في استطلاع أجراه مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” لمعرفة رأي المجالس المحلية العاملة في مناطق سيطرة فصائل المعارضة، شمل نحو 105 مجالس موزعة بين دمشق وريفها وحلب وإدلب ودرعا والقنيطرة وحمص وحماة واللاذقية من أصل 427 مجلسًا محليًا، تبين أن نسبة تمثيل الإناث في المجالس المحلية بلغت 2% فقط.

وحول ذلك تقول بسمة قضماني، المديرة التنفيذية لمبادرة “الإصلاح العربي”، وعضو قائمة المعارضة في اللجنة الدستورية، في حديث لعنب بلدي، “لا أعتقد أن تراجع تمثيل المرأة في المجالس المحلية مقصود من المدنيين، إنما يعود ذلك إلى عسكرة الوضع إلى أقصى الحدود ووجود تيارات متطرفة ومعادية لوجود المرأة في الشأن العام، وهو ما لاحظناه في كل المناطق منها ريف دمشق وإدلب”.

وأضافت، “تمثيل المرأة في المجالس المحلية غير المسيسة كان ظاهرة مشجعة، وشكل لها شعبية وشرعية، وهو ما أعتبره شكلًا من أشكال التطور الإيجابي غير المخطط له، وهو ربما أفضل سيناريو لتطور وجود المرأة”.

بالعودة إلى الوراء، في عام 2012 تضمن المجلس المحلي لمدينة إدلب في عضويته، آنذاك، نحو خمس نساء، وانخفض إلى ثلاث من أصل 23 عضوًا عام 2013، وفي مقابلة سابقة لعنب بلدي مع مديرة المكتب القانوني للمجلس المحلي في كفرنبل، فاطمة الخلف، أكدت أن امرأتين تعملان في المجلس فقط من أصل 13 عضوًا.

وبينت الخلف أن صعوبات كثيرة تواجه عمل المرأة في المجالس المحلية، أبرزها آلية التفكير التقليدية والمضادة للديمقراطية (عبر تمثيل العائلات والمحاباة) التي تحكم بعض مجالس إدلب.

وهو ما أشارت إليه عضو “الهيئة العليا للمفاوضات” والعضو في لجنة المجتمع المدني المشاركة في اللجنة الدستورية سميرة المبيض، خلال حديثها لعنب بلدي، حول تراجع نسبة تمثيل المرأة.

وأرجعت المبيض غياب تمثيل المرأة في الميدان السياسي إلى “الثقافة المجتمعية التي تكرس النموذج الأبوي في المجتمع، الذي يفترض تقييد مراكز السلطة بيد الذكور، وتقييد حضور المرأة في النطاق الأسري الضيق دون السياسي”.

كما تحدثت المبيض عن أثر “التحول التدريجي للحراك الثوري من طابع مدني مرحب بمشاركة المرأة، إلى طابع عسكري وديني همش دور المرأة، وصولًا إلى الغياب الكامل لها”.

“الفاعلون” في السياسة “أسوأ”!

تؤيد المبيض أن حصر عمل المرأة خلال الثورة في نطاق العمل الإغاثي والإنساني، هو سبب تأخر الوصول إلى حل سياسي في سوريا، نتيجة غياب منهجية تفكير النساء السوريات، وتحويلهن إلى أدوات “زينة” في الاجتماعات  السياسية، حسب وصفها.

وتُرجع المبيض تردد النساء السوريات في دخول مضمار العمل السياسي، إلى عامل اجتماعي، وهو “الانحدار القيمي الكبير الذي يسود الوسط السوري العام وعدم وجود حامل نسوي حقيقي داعم لدور المرأة وليس مهاجمًا لها، وهو ما قلص من دورها”.

المعارضون للنظام من الرجال أسهموا أيضًا في تهميش دور المرأة سياسيًا، من وجهة نظر المبيض، معتبرة أنه “لا توجد حتى الآن قناعة ذاتية لدى السوريين الفاعلين في الشأن السياسي، بأهمية دور المرأة، فلا يؤخذ به فعليًا”.

وتتابع، “فضلًا عن هيمنة التيارات الأيديولوجية على عمل المعارضة، الإسلامية منها والشيوعية، والتي لديها قوالب محددة للنساء تحاول تقييد دورهنّ ضمنه، وبالتالي فإن فكر النساء السوريات المستقل المتحرر من هذه القيود بقي غائبًا”.

بسمة قضماني، الدكتورة في الدراسات السياسية، توافق رأي المبيض، إذ ترى أن انخفاض نسبة التمثيل النسائي في الميدان السياسي يعود إلى امتناعهن عن المشاركة، و”هيمنة الفكر الذكوري”، الأمر الذي يُشعر المرأة بالوحدة لأن الأعداد قليلة، ويصبح تعامل الرجال مع المرأة غير مدرك لدورها، “وهو ما يتطلب قوة معنويات وصبرًا وقدرة على التحمل” حسب تعبيرها.

دور المرأة من وجهة نظر أكاديمية

وثقت دراسة بعنوان “المشاركة السياسية للمرأة السورية بين المتن والهامش” أولى خطوات المرأة في الثورة السورية بدءًا من التظاهرات وقيادتها النسائية، مثل الممثلة فدوى سليمان، ومشاركة بعضهن في مكاتب التنسيقيات، وصولًا إلى انشقاق بعضهن عن النظام السوري، فضلًا عن توثيق شهادات المعتقلات من السوريات.

وتابعت الدراسة التي أعدتها الباحثة السورية لمى قنوت، في توثيق أعداد مشاركات النساء في مجالس التنسيقيات، التي وصلت نسبة تمثيل النساء في بعضها إلى 50%، كتنسيقية داريا وغيرها من تنسيقيات ريف دمشق وإدلب، قبل أن يبدأ تمثيل المرأة بالتراجع.

وذكرت الدراسة ما حصل في كواليس اجتماعات مؤتمر “أصدقاء سوريا” الذي عُقد في 24 من شباط 2012، ونقلت عن عضو سابقة في “المجلس الوطني السوري” قولها إن عدد أعضاء الوفد السوري الذين دخلوا إلى القاعة وصل إلى  نحو 30 رجلًا، لكن النساء بقين خارج القاعة، إلى أن أدخلن بعد تساؤل مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية، آنذاك، هيلاري كلينتون، عن سبب غياب التمثيل النسائي عن تشكيلة المجلس.

وتذكر بسمة قضماني التي كانت حاضرة خلال تلك الحادثة، أن “هيلاري كلينتون كانت منزعجة من قلة التمثيل النسوي، وكنت المرأة الوحيدة ضمن 11 عضوًا في المكتب التنفيذي المسؤول عن اللقاء مع كبار المسؤولين”.

وفي 13 من أيلول الماضي، طرح مجموعة من القضاة والقانونيين دراسة لما قيل إنها “وثيقة دستورية” لإقامة جمهورية سوريا الاتحادية، تضمنت ورقة فكرية، وورقة اقتصادية، حددت نسبة تمثيل المرأة في المفاصل السياسية للدولة بنسبة 30%.

وجعلت تلك الدراسة مكانًا للمرأة في سلك الشرطة والجيش، بشكل اتهمه البعض أنه مشابه لتجربة المجالس الكردية التي لاقت استعطافًا من الرأي العام الغربي.

إن فشلت اللجنة؟

في ردها على سؤال طرحته عنب بلدي حول إمكانية إيجاد حل بديل في حال لم يتم تمثيل النساء كما يجب، في اللجنة الدستورية، أو عدم ضمان حق المرأة في الدستور، تقول قضماني إن ذلك “سيضع المرأة بالتأكيد في وضع هامشي”.

وتشدد قضماني على ضرورة المطالبة بما التزمت به المعارضة، بأن يكون تمثيل النساء على الأقل 30%، مشيرة إلى أن هذه الإرادة لم يتم احترامها حتى الآن، حتى في تشكيل الفئة المعارضة في اللجنة الدستورية.

وتتساءل قضماني، “هل سنجد في المجتمع السوري من يقف معنا لنصل إلى 75% من الأصوات لضمان حقوقنا في اللجنة الدستورية؟ أشك في ذلك. نحن بحاجة لخوض معركة ربما تكون معركة داخلية في اللجنة ومعركة دبلوماسية دولية لتضمين حقوقنا كنساء في الدستور”.

وتنوه قضماني إلى أن تدخل الدول و”الأمم المتحدة”، “غير مشروع أو مقبول في أي مجال إلا إذا كان متعلقًا بحقوق المرأة، عندها سنرحب وسنستعين به”، داعية إلى تعويض نقص عدد النساء في اللجنة الدستورية عبر الظهور الإعلامي، والتواصل مع النساء على الأرض في الداخل السوري ومخيمات اللجوء لرفع صوت المرأة.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة