نينار خليفة | تيم الحاج | حباء شحادة | محمد حمص
“الكرد فتحوا الأبواب وطلبوا منا مغادرة المخيم، ثم هربوا”، تلخص فرنسيتان من عائلات تنظيم “الدولة الإسلامية” هربتا من مخيم عين عيسى في ريف الرقة، مجريات يوم الأحد، 13 من تشرين الأول الحالي، الذي وجدتا فيه نفسيهما، فجأة، خارج أسوار المخيم.
تمكنت السيدتان في ذلك اليوم من الخروج برفقة ثماني نساء أخريات يحملن الجنسية الفرنسية، مع 25 من أطفالهن، ليحظين بمساعدة بعض المدنيين في المناطق المجاورة، قبل أن تجد صحيفة “Le Parisien” طريقها إليهما، في اليوم التالي.
اشتكت الهاربتان في لقائهما مع الصحيفة من موقف الحكومة الفرنسية، وامتناعها عن استعادتهما وإخراجهما من المخيم الذي كانت تشرف عليه قوات تابعة لـ “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا، الأمر الذي دفع فرنسا للتحرك، والذهاب إلى العراق لمناقشة الأمر، دون نتائج حول مصير النساء بعد.
“الإدارة الذاتية”، التي هربت قواتها الحامية للمخيم، أرجعت سبب هروب النساء إلى انسحاب حراس المخيم من المقاتلين إلى الحدود لمواجهة القوات التركية و”الجيش الوطني السوري” اللذين كانا يهاجمان المنطقة، وقالت إن منتسبي التنظيم تمكنوا من الفرار، بعد قصف من القوات التركية، ودعم من “الجيش الوطني السوري” في المنطقة.
رواية شكك فيها الأمريكيون، إذ قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عبر حسابه في “تويتر”، في 14 من تشرين الأول الحالي، إن “المقاتلين الكرد في شمالي سوريا ربما يطلقون بالفعل سراح مقاتلي تنظيم الدولة لدفعنا إلى التدخل”.
أما تركيا، التي تخوض عملية عسكرية في المنطقة منذ9 من تشرين الأول الحالي، ضد “قوات سوريا الديمقراطية” فتعهدت بمنع مقاتلي تنظيم “الدولة” من مغادرة شمال شرقي سوريا، كما عرض رئيسها التعاون مع دول المصدر والمنظمات الدولية لإعادة تأهيل العائلات المحتجزة في المخيمات السورية.
ورغم تقاذف ملف أسرى وعوائل تنظيم الدولة في الشمال السوري، لكن مجريات الأحداث في الأيام التالية، غيرت الجهة المتوقع تسلمها زمامه، في ظل تخبط دولي بشأنه، وتقلب رغبة الدول الأوروبية في استعادة مواطنيها من منتسبي التنظيم في سوريا، وعوائلهم.
تفتح عنب بلدي في هذا التحقيق ملف أسرى تنظيم “الدولة الإسلامية” شمال شرقي سوريا، ومصيرهم في ظل العملية العسكرية التركية، والتوافقات الدولية حول مصير المنطقة.
أسرى “داعش”
ملف شائك تتقاذفه أطراف الصراع في سوريا
ما إن بدأت تركيا عمليتها العسكرية في منطقة شرق الفرات في سوريا، في 9 من تشرين الأول الحالي، تحت اسم “نبع السلام”، حتى أخذت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) تعمل على تعزيز المخاوف لدى المجتمع الدولي بشأن أسرى تنظيم “الدولة الإسلامية” الذين تحتجزهم في عدة معسكرات اعتقال شمال شرقي سوريا، مطلقة عدة تصريحات تحذر من إمكانية هروبهم.
ويقبع آلاف الأسرى من مقاتلي التنظيم “الدولة” في سجون “قسد” منذ أن سيطرت على مدينة الرقة ومساحات من ريف دير الزور حيث كان التنظيم ينتشر قبل عام 2017، بينما خصصت “الإدارة الذاتية” في شمالي وشرقي سوريا مخيمات لعوائل الأسرى أصحاب الجنسيات المختلفة.
لجأت “قسد” منذ بداية العملية التركية إلى الدول الأوروبية دون حليفتها واشنطن، لأنها رأت أن الأخيرة أعطت الضوء الأخضر لأنقرة للتوغل في مناطق شرق الفرات برفقة “الجيش الوطني” السوري.
ومع اتساع رقعة المعارك في مناطق مختلفة في شمال شرقي سوريا، أعلنت “قسد” فرار قرابة 800 فرد من عائلات تنظيم “الدولة” من مكان احتجازهم في مخيم عين عيسى بريف الرقة.
لوّحت “قسد” باستخدام ورقة أسرى التنظيم عبر إعلانها، وفتحت الباب لتقاذف الملف بين الأطراف المحلية والإقليمية والدولية المعنية به، بينما أجبر سياق المعركة، والتوافق التركي- الأمريكي، بعض الدول الأوروبية على التحرك لاستعادة مواطنيها من منتسبي التنظيم، بعد رفضهم السابق.
تركيا “تتعهد”
أعطت الولايات المتحدة الأمريكية الضوء الأخضر لتركيا للبدء بعملية “نبع السلام” في منطقة شرق الفرات، بحسب اتهامات “قسد” لواشنطن.
وفيما يخص أسرى التنظيم في المنطقة، قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في تغريدة له على “تويتر”، في 7 من تشرين الأول الحالي، “تركيا وأوروبا وسوريا وإيران والعراق وروسيا والكرد سيكون عليها الآن معرفة الوضع، وما يريدون أن يفعلوه مع مقاتلي داعش الذين تم أسرهم في جوارهم”.
كما أكدت واشنطن أن “تركيا ستكون الآن مسؤولة عن كل مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة الذين اعتقلوا فيها على مدى العامين الماضيين”.
في المقابل، أبدت وزارة الخارجية التركية في بيان نشرته، في 12 من تشرين الأول الحالي، استعدادها للعمل مع المنظمات الدولية والدول التي ينتمي إليها عناصر تنظيم “الدولة” الأجانب، من أجل إعادة تأهيل زوجاتهم وأطفالهم غير المتورطين في جرائم.
وأوضحت وزارة الخارجية التركية، الآلية التي من الممكن أن تتبعها أنقرة في التعامل مع أسرى تنظيم “الدولة”، وأبدت في بيان، نشرته في 12 من تشرين الأول الحالي، استعدادها للعمل مع المنظمات الدولية والدول التي ينتمي إليها عناصر التنظيم، من أجل إعادة تأهيل زوجاتهم وأطفالهم غير المتورطين في جرائم.
وقالت “في هذه المرحلة سنُبقي على عناصر داعش وأسرهم الذين ستتولى تركيا احتجازهم داخل المناطق المحررة من الإرهاب في سوريا”، وفق ما ترجمته عنب بلدي، مؤكدة أن الحل النهائي لمقاتلي تنظيم “الدولة” الموجودين في سوريا هو إعادتهم مع عائلاتهم إلى بلدانهم الأصلية ومحاكمتهم هناك وإعادة تأهيلهم.
ورقة ضغط
يرى الدكتور في الفلسفة السياسية بجامعة باريس، رامي الخليفة، أن ملف أسرى تنظيم “الدولة” انتقل الآن من يد الولايات المتحدة الأمريكية الداعمة لـ “قسد” إلى مضمار جديد، أركانه النظام السوري الذي يسعى للسيطرة على مناطق في شرق الفرات من يد “قسد”، وتركيا التي تشن معركة عسكرية في تلك المنطقة.
وحول الآلية التي يمكن أن تتعامل فيها تركيا مع أسرى التنظيم في حال قبلت الدول الغربية أن تتسلمهم أنقرة، اعتبر الخليفة أن تركيا ستحاول الاستفادة من ملف تنظيم “الدولة” على اعتبار أن التنظيم شركة مساهمة، وفق قوله، لكنه أشار إلى أن تركيا لن تستطيع إجراء محاكمات لهم كما يجري في العراق.
ولفت إلى أنه من المحتمل أن تقبل الدول الأوروبية أن تتدخل روسيا في ملف الأسرى، مع علمها المسبق أن موسكو أيضًا ستستخدم الأسرى كورقة ضغط على الغرب، وفق تعبيره.
الأوروبيون يتحركون
أدى توصل الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا في 17 من تشرين الأول الحالي إلى اتفاق يقضي بانسحاب “قسد”، من المنطقة التي ترغب تركيا في فرض نفوذها ضمنها (32 كيلومترًا جنوب الحدود التركية- السورية في شمال شرقي سوريا)، إلى تغيير في الموقف المتعنت لبعض الدول الأوروبية تجاه استعادة مواطنيها من منتسبي التنظيم، وعوائلهم.
ففي اليوم التالي للاتفاق، تحركت بلجيكا لإجلاء مواطنيها المرتبطين بالتنظيم من معسكرات الاعتقال في شمال شرقي سوريا عبر “المنطقة الآمنة” التي تقوم تركيا بإنشائها على طول الحدود.
وقالت صحيفة “الجارديان” البريطانية، الجمعة 18 من تشرين الأول الحالي، إن مسؤولين بلجيكيين أبلغوا أسر المحتجزين أنهم سيحاولون الاستفادة من وقف إطلاق النار وفق الاتفاق التركي- الأمريكي، لاستعادة مواطنين مرتبطين بالفصيل “الجهادي”.
وبحسب الصحيفة فإن دولًا أوروبية أخرى، بما في ذلك فرنسا وألمانيا، حاولت الاستفادة من وقف إطلاق النار، لاستعادة الأطفال والنساء، في مسار يُعد بداية تحرك لدول أخرى، كبريطانيا.
أطفال “داعش”
مصير مجهول ينتظر توافقًا دوليًا
يعيش الآلاف من عائلات وأطفال تنظيم “الدولة الإسلامية” في مخيمات تفتقد مقومات الرعاية الصحية والاجتماعية، دون أن يملكوا أوراقًا ثبوتية، بسبب رفض دول ذويهم الاعتراف بهم أو حتى استعادتهم.
قُدمت بعض المبادرات الخجولة من قبل بعض حكومات الدول الأجنبية لاستعادة رعاياها من مقاتلي تنظيم “الدولة” الذين يحملون جنسياتها وأسرهم أو حتى استعادة أطفال المقاتلين، ما يفتح جدلًا واسعًا حول مصير هؤلاء الأطفال والعائلات.
ولم تستعد، حتى ساعة إعداد التحقيق، سوى بضع دول بعض مواطنيها من مقاتلي التنظيم أو منتسبيه وعوائلهم، ومنها أوزبكستان وكازاخستان والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبلجيكا وفرنسا وهولندا.
“الأشد ضعفًا في العالم”
يضم مخيم الهول في ريف الحسكة، الكتلة الأكبر من عوائل التنظيم، إذ يوجد فيه نحو 12 ألف امرأة وطفل من نحو 50 دولة في العالم، يتوزعون بين ثمانية آلاف طفل وأربعة آلاف امرأة، وفق المتحدث الرسمي باسم مكتب العلاقات الخارجية في “الإدارة الذاتية”، التي كانت تدير شؤون المخيم، كمال عاكف.
وبلغ عدد الأطفال والنساء الذين سُلّموا حتى الآن إلى دولهم نحو 500، أي إنهم لا يشكلون سوى نسبة 2% من العدد الكلي للموجودين لدى “الإدارة الذاتية”، وفق عاكف، معظمهم من الأيتام ولا تتجاوز أعمارهم عشر سنوات ولديهم حالات إنسانية خاصة.
منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، صنفت أطفال المقاتلين الأجانب في سوريا بأنهم من بين الأطفال الأشد ضعفًا في العالم.
ودعت المنظمة إلى التعامل مع هؤلاء الأطفال بوصفهم ضحايا بشكل أساسي، وليس كمرتكبي انتهاكات، وطالبت بأخذ مصلحة كل طفل بعين الاعتبار عند اتخاذ أي قرار بشأنهم، بما في ذلك إعادتهم إلى أوطانهم وفي المعايير القانونية الدولية.
وحول الإجراءات المتبعة لتسليم الأطفال من المخيم الهول، أكد المتحدث الرسمي باسم مكتب العلاقات الخارجية في “الإدارة الذاتية”، كمال عاكف، أن التواصل يتم عن طريق حكومات البلدان التي تريد تسلّم الأطفال بشكل رسمي، موضحًا أن العملية لا تتم إلا عبر توقيع الطرفين على “وثيقة أجانب” رسمية.
وأضاف أنه بناء على اتصال هذه الحكومات مع دائرة العلاقات الخارجية في “الإدارة الذاتية”، يتم التنسيق بخصوص تسليم حالات معينة لها أوضاع إنسانية، تشمل النساء اللواتي لم ينخرطن بالأعمال القتالية ولا يوجد بحقهنّ أي إجراء أو أدلة تثبت إدانتهن، والأطفال اليتامى ممن تقل أعمارهم عن عشر سنوات.
آليات إعادة “سليمة” للأطفال
يرى مدير منظمة “العدالة من أجل الحياة”، الحقوقي جلال الحمد، في حديثه لعنب بلدي، أن إبقاء هؤلاء الأطفال داخل المخيمات، وتهرّب الدول من مسؤولياتها باستقبال مواطنيها ومحاسبتهم على أساس قوانينها، أو نزع الجنسية عنهم، سيؤثر بشكل كبير على هؤلاء الأطفال وسيجعل منهم مصدر خطر حقيقي في المستقبل.
ودعا الحمد إلى تبني مقاربة واقعية للتعاطي مع هذا الملف المعقّد، تحترم القانون الدولي من جهة وخصوصية الأطفال وحقوقهم من جهة أخرى.
فمن حيث المبدأ، لا يجوز فصل الطفل عن أبويه، وبالأخص والدته، في الأشهر أو السنوات الأولى، التي يكون فيها بحاجة ماسة للرعاية والعناية، وبالتالي فإن هذا الفصل، إن تم، في حال استعادة الدول للأطفال دون أمهاتهم، سيؤثر بشكل كبير عليهم، وفق الحمد.
لكن ومع أهمية الحفاظ على حقوق الأطفال ومراعاة التعامل الإنساني معهم، “يكون من الضروري في هذه الحالات إبعادهم عن المكان الذي نشؤوا فيه على العنف والتطرف، ووضعهم في مساحات آمنة تتيح لهم أن ينشؤوا نشأة طبيعية”.
وأوضح الحمد أنه في كثير من الحالات نجد أن أمهات هؤلاء الأطفال اللاتي انتمين للتنظيم متهمات بارتكاب جرائم، أو بالتحريض عليها والمشاركة فيها، وبالتالي يجب أن يعاقبن وفق قوانين دولهنّ الأصلية، وهو ما يشكل حالات جديدة قد يتعرض فيها الأطفال نتيجة تطبيق القانون على المجرم للظلم.
وأكد مدير منظمة “العدالة من أجل الحياة” ضرورة تأمين الدعم النفسي والحوار لهؤلاء الأطفال وأمهاتهم، في محاولة لاحتواء الكم الكبير من العنف الذي نشؤوا عليه في مناطق الحرب، وهو ما يستدعي بالدرجة الأولى إخراجهم من المخيمات التي يوجدون فيها.
مقاتلو التنظيم وعوائلهم..
في ثلاثين سجن ومخيم شمال شرقي سوريا
جهزت “الإدارة الذاتية” خلال معاركها لطرد تنظيم “الدولة الإسلامية”، مراكز احتجاز مؤقتة لآلاف المقاتلين وعائلاتهم، مع آلاف النازحين من مناطق سيطرة التنظيم، تنوعت أشكالها من مدارس إلى مبانٍ حكومية قديمة وسجون كانت تتبع للنظام السوري.
احتفظت “قسد” بسرية سجونها واكتفت بالترويج لاتباعها “المعايير الإنسانية” في مراكزها ومخيماتها، مشيرة إلى العبء الكبير الذي تمثله الأعداد الكبيرة للمحتجزين، الذين تراوحت تقديرات أعدادهم ما بين 10 إلى 12 ألفًا، بينهم نحو ألفي سجين أجنبي من نحو 50 دولة مختلفة وأربعة آلاف سجين عراقي.
بينما أودعت عائلات التنظيم في عشرة مخيمات، ضمن أوضاع إنسانية متردية، أثارت انتقاد هيئات حقوقية وإنسانية عدة.
عشرون سجنًا لـ “الدواعش”
قدم الجيش الأمريكي، حسبما ذكرت صحيفة “The New York Times” نقلًا عن مسؤولين أمريكيين، نحو 1.6 مليون دولار خلال العام الماضي من المساعدات لزيادة أمن السجون التي تحتجز مقاتلي التنظيم، والتي قدرت أعدادها بسبعة، لم تحدد مواقعها.
في حين ذكرت صحيفة “The Washington Post” أن أعداد السجون تصل إلى 20، متفرقة في أنحاء الشمال الشرقي لسوريا، 15% منها تقع ضمن “المنطقة الآمنة” التي اتفقت تركيا مع الولايات المتحدة على إقامتها عند الحدود السورية.
كانت بعض المراكز التي استُخدمت عبارة عن مدارس قديمة دُعمت جدرانها وزيد تحصينها، مثل المنشآت التي أقيمت في عين العرب وعين عيسى عام 2017، والتي زارها النواب الأمريكيون منتصف عام 2018 للاطلاع على شروط احتجاز السجناء.
وذكرت صحيفة “The New York Times” أن فرق العمليات الخاصة الأمريكية كانت تزور السجون مرات عدة في الأسبوع لتأمينها وللمساعدة على تدريب الحراس.
سجن الحسكة هو أبرز مراكز احتجاز أسرى التنظيم، وهو سجن قديم من عهد النظام السوري، قدمت الولايات المتحدة 750 ألف دولار لتجديده، يضم ألف معتقل، وهو عبارة عن ثلاثة طوابق ممتدة بخمسة اتجاهات، تضم زنازينه 39 سريرًا، كل ثلاثة منها مكدسة فوق بعضها، دُهنت جدرانه باللون الأبيض بعد أن كانت سوداء ووضعت فيه كاميرات للمراقبة.
ونقلت صحيفة “The New York Times” عن مأمور السجن، عدنان علي، في تموز 2018، قوله إنه لا يريد أن يكون سجن الحسكة “مدرسة للإرهابيين”، لذلك منع المساجين من الحصول على مواد دينية معينة ومنعت الصلوات الجماعية.
وأضاف أنه سيعامل المساجين “كبشر” على عكس سجون تنظيم “الدولة” والنظام السوري، وسيسمح لهم بارتداء الملابس العادية وسيحصلون على الكتب وسيشاهدون التلفاز وبإمكان عائلات السجناء السوريين زيارتهم.
ولكن زيارة قناة “CBS” الأمريكية لأحد السجون التي تديرها “قسد”، في شهر أيلول الماضي، عرضت صورة مغايرة عما تحدث عنه مأمور سجن الحسكة، من ازدحام السجناء الذين يرتدون البدلات البرتقالية، في غرف لا تملك وسائل الراحة، ضمن منشأة ذكرت أنها تضم خمسة آلاف سجين، دون أن تحدد موقعها.
مخيمات تنتظر “الفرج”
لم تكن أحوال المخيمات التي تضم عشرات الآلاف من العائلات التي نزحت من مناطق سيطرة التنظيم بأفضل حالًا، ولكن حاجاتها كانت أكثر وضوحًا مع مشاركة ما يزيد على 30 منظمة إنسانية وإغاثية في تلبيتها.
وذكرت صحيفة “The New York Times” أن عدد المخيمات يصل إلى عشرة، أبرزها مخيم الهول، إلى جانب مخيم عين عيسى، الذي يقع جنوب مدينة تل أبيض، التي سيطرت عليها القوات التركية وفصائل “الجيش الوطني” خلال تقدمها في 13 من تشرين الأول، ما سبب فرار 785 من سكانه، الذين تقدر أعدادهم بنحو 13 ألفًا وفق تقديرات مبادرة “REACH” التابعة للأمم المتحدة.
وكان المخيم قد افتتح في 11 من تشرين الثاني 2016 من قبل “قسد”، لاستقبال النازحين من مناطق الرقة في أثناء حملة “غضب الفرات”، التي واجهت خلالها قوات تنظيم “الدولة”.
أما مخيم الروج، في أقصى الشمال الشرقي لسوريا، فأقيم عام 2015 لاستقبال اللاجئين الفارين من المعارك ضد التنظيم في العراق، ويبلغ عدد سكانه 1700، حسب استبيان لمبادرة “REACH” أجري في شهر أيار الماضي.
مخيم الهول
يبعد 60 كيلومترًا عن الحدود التركية شرقي الحسكة، أقيم منتصف التسعينيات ليضم خمسة آلاف لاجئ عراقي، وأعيد افتتاحه منتصف نيسان عام 2016 من قبل “الإدارة الذاتية”.
لم يتجاوز تعداد سكانه عشرة آلاف نهاية عام 2018، إلا أن ذلك العدد تضاعف عدة مرات ليصل إلى 73 ألفًا في ذروته، خلال الأشهر الأربعة التي شهدت المعركة الأخيرة بين قوات التنظيم و”قسد”، للسيطرة على قرية “الباغوز” آخر معاقل التنظيم في سوريا.
جُهز المخيم بداية لاستقبال 41 ألفًا فقط، ما سبب “ضغطًا كبيرًا” على المنظمات الإنسانية العاملة فيه، والبالغ عددها 35، وأدى لخلق أوضاع “مروعة” وشروط “لا إنسانية” فيه حسب شهادة المفوض الأممي باولو بينهيرو، الذي أجرى تحقيقًا حول المخيم بداية شهر أيلول الماضي، في حين أشارت المنظمات الأممية إلى تحسن أحواله تدريجيًا.
يبلغ عدد حراس المخيم 400 من قوات الأمن الداخلي (أسايش)، حسبما قال قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مظلوم كوباني لصحيفة “The Washington Post” الأمريكية في 4 من تشرين الأول الحالي.
وذكرت منظمة “هيومن رايتس وواتش” أن أكثر من 11 ألف امرأة وطفل أجنبي يحتجزون في “الملحق” للمخيم، في ظروف “مروعة”، ضمت “مراحيض فائضة، ومياه مجارٍ متسربة إلى الخيام الممزقة، وسكانًا يشربون مياه الغسيل القذرة من خزانات تحتوي على ديدان”، وبحسب مجموعات الإغاثة ومديري المخيمات، فإن الأطفال يموتون من الإسهال الحاد والأمراض الشبيهة بالإنفلونزا.
ووفق تقرير أصدرته الأمم المتحدة، في 11 من أيلول الماضي، حول أوضاع مخيم “الهول” في ريف الحسكة شمال شرقي سوريا، فإن ما لا يقل عن 390 طفلًا توفوا في المخيم، بسبب سوء التغذية أو لعدم الحصول على الرعاية الصحية اللازمة.
وفشلت دعوات “الإدارة الذاتية” بإقناع الدول التي أتى منها المقاتلون الأجانب باسترجاع مواطنيها، إذ لم يغادره حتى الآن سوى 2640 شخصًا منذ حزيران الماضي، وفقًا لإحصائيات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) من ضمنهم أكثر من 1230 سوريًا و1400 من النساء والأطفال من الدول غير الأوروبية.
سيناريوهات محاكمة أسرى تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا
في الوقت الذي يتفق الجميع على وجوب محاكمة مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” المحتجزين حاليًا في سوريا بتهمة انتمائهم للتنظيم المتطرف، وارتكابهم جرائم بحق المدنيين بما لا يسمح لهم بالإفلات من العقاب، تتعدد السيناريوهات المطروحة لهذه المحاكمات التي يفترض أن تتم وفق القوانين الدولية وأن تكون عادلة وذات مصداقية.
وفي ظل هذا المشهد تظهر دعوات لإنشاء محكمة دولية خاصة بمحاسبة أعضاء تنظيم “الدولة” على غرار محكمة “نورمبرغ” التي أُنشئت بعد الحرب العالمية الثانية لمحاسبة مجرمي الحرب النازيين، أو لتحويل الملف إلى محكمة الجنايات الدولية.
بينما ينادي آخرون بضرورة تولي محاكم محلية في الدول التي ينتمي إليها أعضاء التنظيم، أو في سوريا مهمة محاسبتهم، وهو ما يفتح الباب أمام التساؤلات حول رغبة هذه الدول باسترجاعهم ومحاكمتهم، وماهية السلطة التي ستتولى هذه المحاكمات على الأرض السورية مع تعدد الجهات المسيطرة، ومدى توفر البنية التحتية والأجهزة الأمنية والخبرات القانونية اللازمة لها.
ويُعوّل على هذه المحاكمات بأن تقود نحو تحقيق العدالة للضحايا، مع مراعاة مشاركتهم بشكل فعال في إعداد السجل القضائي للجرائم، بما لا يترك المجال أمام محاكمات فضفاضة يتساوى فيها جميع المنتمين للتنظيم، مهما كانت مشاركتهم وانتهاكاتهم، وهو الأمر الذي سيسهم في إنجاح جهود المحاسبة والمصالحة المجتمعية، ويمهد لإعادة اندماج المنتمين للتنظيم في المجتمعات التي سيعيشون فيها مستقبلًا.
فما وجهة نظر القانون الدولي بمحاكمة مقاتلي “تنظيم الدولة”؟ وما الخيارات المتاحة والسيناريوهات الممكنة التطبيق في ظل الظروف الحالية والتطورات الميدانية؟
أسرى حرب
تشير حقوقية سورية مختصة بالقانون الدولي، ومطلعة على ملف أسرى تنظيم الدولة، إلى أن أسرى تنظيم “الدولة” يُصنفون بموجب القانون الدولي الإنساني كـ “أسرى حرب”، الأمر الذي يوجب نوعًا من الحماية لهم، ويُضفي واجبات على الأطراف المسيطرة على المناطق التي يوجدون فيها.
وتوضح الحقوقية في حديثها لعنب بلدي (رفضت نشر اسمها لأسباب أمنية) أنه في ظل العملية العسكرية التي تقودها تركيا في مناطق شمال شرقي سوريا، حيث يوجد أسرى تنظيم “الدولة”، تزيد التعقيدات القانونية المتعلقة بملف محاسبة مقاتلي التنظيم، إذ باتت تُطرح التساؤلات حول مسؤولية الحكومة التركية في هذا الخصوص، وما قد تقوم به في حال تمكن هؤلاء الأسرى من الفرار، إلى جانب مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية حول هذا الملف.
محاكم محلية
تشير الحقوقية إلى مسؤولية الدول التي ينتمي إليها مقاتلو التنظيم عن محاكمتهم، وهي التي ترفض بالعموم تسلمهم فضلًا عن تهديدها بسحب الجنسية منهم.
وتعد مشكلة استعادة المواطنين الأجانب المنضمين إلى تنظيم “الدولة” قضية شائكة في الدول الغربية التي تتعلل ذلك بمخاوفها الأمنية وصعوبة تحققها مما ارتكبه مواطنوها خلال فترة وجودهم في سوريا.
وقد أثارت العملية العسكرية التركية مخاوف من هروب أسرى التنظيم المحتجزين، أو إعادة تفعيل خلاياه النائمة، وأعربت دول أوروبية عدة عن قلقها البالغ على مصير المقاتلين الأجانب، بينما تدرس فرنسا ودول أخرى إمكانية نقلهم إلى العراق لمحاكمتهم.
ومع تغير خريطة السيطرة بالمناطق التي يوجد فيها أسرى التنظيم، تبرز إشكالية جديدة في ملف محاسبتهم تتمثل ببسط النظام السوري سيطرته على بعض هذه المناطق في إطار الاتفاق الذي أبرمه مع “الإدارة الذاتية” (الكردية)، وهو ما يعني بحسب الحقوقية، إمكانية أن يتولى النظام مسؤولية أسرى التنظيم الموجودين في تلك المناطق.
ذلك الخيار يولد إشكاليات قانونية مشابهة لتلك الموجودة بالفعل في المحاكمات التي تجري بالعراق تحت “قانون الإرهاب” لوجود قانون مماثل له في سوريا.
ومن تلك الإشكاليات تنفيذ عقوبة الإعدام، الأمر الذي يؤدي إلى استبعاد أي تعاون أو تنسيق مع النظام من قبل الدول التي ترفض عقوبة الإعدام، التي يوجد لديها مواطنون ضمن أسرى التنظيم.
محاكم تتبع لـ “الإدارة الذاتية”
وحول خيار أن تجري هذه المحاكمات في محكمة داخل سوريا يرى مدير “البرنامج السوري للتطوير القانوني”، إبراهيم العلبي، أن هذا الاحتمال يكتنفه قانونيًا علامات استفهام، إذ يوجد نوع من الغموض تجاه إنشاء فصائل مسلحة مثل “وحدات حماية الشعب” (الكردية) لمحاكم، إذ إن ذلك سيطرح استفسارات حول شرعية هذه المحكمة إذا لم تكن تابعة للحكومة أو لم يتم إنشاؤها بطريقة “رسمية” دون أن يوجد تفسير واضح في القانون لكلمة “رسمية”.
ويلفت إلى سابقة جديدة لمحكمة في السويد أقرت بأحقية إنشاء محاكم من قبل الفصائل المسلحة، ولكن الموضوع لا يزال يكتنفه الغموض.
أما المحاكم التي تتبع لحكومة النظام السوري فهي الأقرب ما تكون إلى القانونية بحسب العلبي، إلى جانب اختصاص محاكم الدول التي تتبع لها جنسيات المقاتلين وذلك في حال رغبتها بمحاكمتهم، مبينًا أن ذلك يعتمد على وجود اتفاقية بين سوريا والدول الأوروبية لتسليم مطلوبين أو تسليم مجرمين، وهو أمر محدود أو غير موجود، وحتى إن وجد فهو معطل حاليًا.
المحاسبة عبر الآلية الدولية
يُضاف إلى السيناريوهات السابقة إمكانية المحاسبة عن طريق “الآلية الدولية المحايدة المستقلة”، التي تمتلك اختصاصًا بجمع وحفظ الأدلة وتحضير الملفات المتعلقة بالجرائم الخطيرة المرتكبة في سوريا، وهو ما يتضمن الانتهاكات التي ارتكبها عناصر تنظيم “الدولة”.
وأنشئت “الآلية الدولية المحايدة المستقلة” للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية للمسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة، وذلك بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول 2016، متجاوزة بذلك الطريق المسدود لمجلس الأمن، ما يجعلها فريدة بين آليات المحاسبة.
وتعمل الآلية على جمع وحفظ الأدلة الموجودة حول الانتهاكات في سوريا، على أمل أن تستخدم الأدلة في محكمة ملائمة.
ولدى الآلية فريق من المحققين والمحامين وموظفي إدارة المعلومات والأدلة والمحللين.
محاكم دولية
أما فيما يخص إجراء محاكمات دولية لأسرى التنظيم، توضح الحقوقية أنه ليس لدى “محكمة الجنايات الدولية” اختصاص بمحاكمة هؤلاء الأسرى، لكنها من الممكن أن تمتلك اختصاص “تحقيق”.
وتلفت إلى وجود دعوات أممية لتشكيل محكمة دولية مختصة بمحاكمة مقاتلي التنظيم على غرار محكمة “نورمبرغ” التي حاكمت النازيين، وفي هذه الحالة تكون المحكمة مختصة فقط بمحاكمة أسرى التنظيم المشتبه بارتكابهم أخطر الجرائم التي تُصنّف كـ “جرائم حرب”، و”جرائم ضد الإنسانية”، و”جريمة الإبادة الجماعية”.
وفي هذه الحالة تظهر مشكلة تتعلق بالحصول على الأدلة وصعوبة إثبات تورط المشبته بهم، وهي أحد الأسباب التي تمنع الدول الأوروبية من محاكمة مرتكبي هذه الجرائم في بلدانهم.
“محكمة الجنايات الدولية”
هي أول هيئة قضائية مستقلة أُسست عام 2002 بموجب نظام روما الأساسي الموقع عام 1998، باعتبارها أول محكمة قادرة على محاكمة أفراد متهمين بارتكاب “جرائم حرب”، و”جرائم ضد الإنسانية”، و”إبادة جماعية” حول العالم.
يصل عدد الدول الموقعة على قانون إنشاء المحكمة إلى 121 دولة حتى عام 2012، وتواجه انتقادات حادة من كبرى دول العالم، ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين والهند التي رفضت التوقيع على نظام روما الأساسي أو انسحبت منه لاحقًا.
لا سلطة لمحكمة فوق أخرى
يستبعد مدير “البرنامج السوري للتطوير القانوني”، إبراهيم العلبي، وجود إمكانية لمحاسبة أسرى التنظيم في محاكم دولية حاليًا، نظرًا لعدم وجود محكمة دولية خاصة بتنظيم “الدولة”، ولكون “محكمة الجنايات الدولية” لا تملك الاختصاص.
ويؤكد العلبي وجود محاولة من قبل بعض الأطراف لإقناع المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية، بأن يحاكم الأشخاص الذين ينتمون لتنظيم “الدولة” ممن تعود جنسياتهم لدول موقعة على ميثاق “روما” المؤسس للمحكمة، إذ لا توجد صلاحية للمحكمة إلا إذا كانت الدولة عضوًا في هذا الميثاق، ولكن المحكمة رفضت البت في هذا الموضوع، معتبرة أنه انتقائي بشكل كبير، وأن عملها محصور بمحاكمة كبار المجرمين.
وأشار العلبي إلى أنه وفقًا للقانون الدولي لا يوجد ما يعطي سلطة لمحكمة فوق محكمة أخرى، إذ يكون لكل محكمة اختصاصها المعين، سواء كانت محاكم محلية في سوريا، أو في الدول التي يحمل مقاتلو التنظيم جنسيتها، أو محاكم دولية. وبالتالي، فإن خياري المحاكمات المحلية أو في دول المصدر هما الأكثر إمكانية للتحقق حاليًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :