لماذا يأتي الشخص إلى هذه الدولة إذا لم يكن موافقًا تمامًا على هذه الثقافة

  • 2019/10/20
  • 12:00 ص
منصور العمري

منصور العمري

منصور العمري

“لماذا يأتي الشخص إلى هذه الدولة إذا لم يكن موافقًا تمامًا على هذه الثقافة”، “إذا قال الشخص إن الثقافة الألمانية بالنسبة لي هي لحم الخنزير والكحول والتدخين ولا أريد أن أختلط لذلك. إن كان هذا هو تعريف هذه الثقافة لهذا الشخص فربما عليه أن يتساءل، أريد الاستمرار بالعيش هنا أم لا”.

هذه ليست كلمات شخص معادٍ للاجئين أو زعيم حزب عنصري، بل هي كلمات سيراب غولير، وزيرة الدولة لشؤون الاندماج في ولاية شمال الراين فستفالن، في إحدى حلقات برنامج جعفر توك على قناة “دويتشه فيله” الألمانية بعنوان “هل نجح المهاجرون اللاجئون العرب بالاندماج في ألمانيا“.

في الحقيقة لم يقل اللاجئ ما أشارت إليه الوزيرة بل قال إنه لا يستطيع تناول لحم الخنزير والكحول حسب ثقافته، وهو حق مكفول له بجميع القوانين الدولية والمحلية.

يكثر الجدل والحديث عن الاندماج بين السوريين وفي إعلام دول اللجوء.

إن كان المقصود بالاندماج احترام سيادة القانون في دولة اللجوء فهو واجب على اللاجئين ومواطني الدولة على حد سواء.

أما إن كان الاندماج هو تغيير الأفكار والعادات والتقاليد بما يتماشى مع المجتمع المضيف، فهذا الأمر لا يجوز فرضه بل يمكن حدوثه باختيار وقناعة اللاجئ البحتة، ولا يجب اتخاذه مدخلًا لتبرير معاداة اللاجئين ووصمهم بعدم قدرتهم على الاندماج أو الفشل.

اتفاقية اللاجئين لعام 1951 في بندها الثالث تنص على وجوب عدم التمييز ضد اللاجئ، وفي بندها الرابع: “منح ذات الرعاية الممنوحة لمواطنيها على صعيد حرية ممارسة شعائرهم الدينية وحرية توفير التربية الدينية لأولادهم”.

لا يعني هذا أنه يمكن للأهالي ممارسة العنف ضد أطفالهم مثلًا باعتبارها عادات وتقاليد، فهو مخالف للقوانين في ألمانيا.

حتى إتقان لغة دولة اللجوء بالنسبة للاجئين من غير الأطفال أو غير المتعلمين أو الأميين، أو الكبار في السن، قد يكون مستحيلًا. بالمقابل تعلم لغة دول اللجوء بالتأكيد سيفسح مجالًا أوسع للاجئ في كل مناحي الحياة بما فيها العمل والعلاقات الاجتماعية.

يمكن التوعية والتشجيع وتوفير الموارد المعرفية اللازمة ومحاولة الترغيب في الاندماج، لكن لا يجوز إجبار الناس على ممارسة ثقافة الآخر.

منطق وزيرة الاندماج الألمانية يدل على جهل شديد بظروف اللاجئين الذين استطاعوا الفرار من المقتلة في سوريا. وكأن الوزيرة تطلب من السوري المعرض للموت تحت التعذيب أو تحت البرميل، أن يفكر إن كان “موافقًا تمامًا” على الثقافة الألمانية ويتخذ قراره قبل أن يصل البرميل إلى رأسه، وإن لم يوافق فلا بأس، ليسحقه البرميل ويحول عائلته إلى أشلاء.

عدا عن أن جعفر، مقدم البرنامج، بطيشه الذي يعتقد أنه يسهم بنشر صورة نمطية مخصصة للعرب والمسلمين، باعتبارهم ضد المثلية وهو ما لا يتفق مع الثقافة الألمانية، بينما الحقائق تشير إلى أن هذه العدائية منتشرة في المجتمع الألماني وغيره من المجتمعات بشكل واسع. وبحديثه عن أمثلة لا يمكن أن تعبر عن السوريين أو شريحة كبيرة من اللاجئين المسلمين والعرب، حين طرح ختان البنات. طبعًا مع التفريق بين الموقف الشخصي الداخلي، والتصريحات التحريضية والعنف المرفوضين بطبيعة الحال حسب القوانين، وتبعًا للحقوق.

بالمختصر لا يجب فرض ولا حتى قشة اجتماعية أو ثقافية على اللاجئ بالقوة أو بالتهديد. القوانين وفقط القوانين هي ما يجب فرضه.  ولا يجب توجيه أي لوم للاجئ الذي لا يريد أن يشرب الكحول أو يأكل لحم الخنزير حفاظًا على ثقافته. ألمانيا فتحت الأبواب للاجئين دون شروط ثقافية، بل حماية لهم.

ألمانيا رابع أكبر مصدر للسلاح في العالم، وهي من صدرت مواد كيماوية لنظام الأسد الأب الذي استخدمها الابن في قتل السوريين فيما بعد. فوق ذلك رفضت ميركل السماح للإعلام بالكشف عن الشركات المصدرة لأسباب “تتعلق بالأمن القومي”.

لا أنتقد هنا أفكار المشاركين كضيوف لأنهم ليسوا خبراء بل أصحاب تجارب وتبقى تصريحاتهم في إطار حرية التعبير، ولكن بالتأكيد التعامل مع مسؤولة حكومية لا يندرج في هذا الإطار، فتصريحات المسؤول لا تعبر عن شخصه فقط بل عن نهجه في عمله الحكومي الذي يجب أن يلتزم بالقوانين، ويراعي الأخلاق، ويخضع للمراقبة والمحاسبة الفورية.

عندما يكون هناك برميل ساقط فوق رأسك ليس لديك الوقت الكافي كي تدرس الثقافة الألمانية أو ثقافة دولة أخرى، وتتخذ قرارًا بالموافقة عليها تمامًا ثم تقنع عائلتك بالثقافة الألمانية، ثم تتجهون نحو ألمانيا في آلة الزمن، خاصة أن دول العرب والمسلمين بمعظمها ترفض استقبال السوريين، أو تنكل بهم حين لجوئهم إليها.

لو أردنا النظر في الأسباب التي أدت إلى موجة الفرار من سوريا الأسد، فهناك عدة عوامل، من بينها أن ألمانيا كانت جزءًا من المنظومة الدولية التي قبلت بشار الأسد رئيسًا رغم علمها كيف استولى على الحكم، وكيف استمر في اضطهاد شعبه وتجويعه وإذلاله، وقمع أبسط حرياته، وسرقة موارده، ما جعل أمنية سوريين كثر مغادرة هذه المزرعة إلى أي مكان تتوفر فيه الشروط الدنيا لحياة الكريمة، وأصبح طموح شبابها الهرب من مكب النفايات الذي يسميه المستفيدون من النظام وطنًا.

إن كان مترجم “دويتشه فيله” دقيقًا بترجمة ما قالته الوزيرة، فيجب توقيف هذه الوزيرة عن مهامها فورًا ومراجعة أنشطتها الحكومية، وفي الوقت ذاته يجب إخضاعها لدورة اندماج لفهم اللاجئين وأسباب قدومهم إلى ألمانيا، ولرفع سوية فهمها لالتزامات وطنها بالمعاهدات الدولية، كي تتمكن من القيام بمهامها كوزيرة، أو يمكنها الاستقالة وبالتالي لا يجب أن يُفرض عليها الاندماج والتوعية إن لم ترغب بذلك.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي