الحبل السُّري.. شريط قابل لقراءة مختلفة
نبيل محمد
لم يأتِ الفيلم السوري “الحبل السُّري” للمخرج الليث حجو، من حيث الفكرة بجديد مفاجئ، هي قصة الولادة في الحصار، أو على الحاجز، تلك القصة التي واكبت كل حروب الأرض، وتلك الدقائق التي عاشتها آلاف النساء في كل حصار، وعلى مشارف مئات الحواجز العسكرية، واضعين أطفالهن في العراء، وقاطعين الحبل السري بأيديهن أحيانًا. منهنّ من كُتبت لهنَّ الحياة، ومنهن من متن دون أن يروي أحد سيرهن. في فيلم الليث حجو الأخير، الذي لاقى حملات لمنع عرضه في مدينة اسطنبول التركية، واحتجاجات على عرضه في مهرجان مالمو السينمائي في السويد، كون الفيلم صُوّر على أنقاض مدينة الزبداني بعد أن دخلتها قوات النظام السوري وميليشيا حزب الله اللبناني.
يبدو الفيلم مرنًا إلى درجة كبيرة في عين القارئ، ويمكن قراءته بزيفه الذي من المفترض أنه بني عليه، كونه صُوّر تحت إشراف مؤسسات النظام ومخابراته قبل كل شيء، ومن قبل كوادر عرفت بتأييدها لنظام الأسد، بل واحتفت به مؤسسات رسمية سورية أيضًا، إلا أنه يُقرأ أيضًا بحقيقة بيّنة لا تشوبها شائبة بعيدًا عن كل هذا الزيف، خاصة من قبَل مُشاهد لا يعرف خلفية المخرج أو تفاصيل تصوير الفيلم، بإمكانك ببساطة كمُشاهد أن ترى قصة سينمائية قصيرة نظيفة، لعائلة مكونة من شاب وزوجته الحامل، يرصدان قناصًا تابعًا للنظام السوري أو لإحدى ميليشياته في مدخل بيتهما، فيضطران للحصول على الخبز عبر حبال تربط نوافذهم بنوافذ بيوت الجيران، يتنقّل الخبز عبر تلك الحبال، ليصل مثقوبًا برصاصة إلى بيت الأسرة التي كاد يخلو مطبخها من الغذاء تقريبًا، تحين ساعة ولادة الزوجة بينما لا يقبل القناص إيقاف مهمته برصد الشرع المواجه للبيت والسماح للشاب بأخذ زوجته إلى جارته القابلة لتتم ولادتها، فيعمل على توليد زوجته بيديه وقطع الحبل السري بيده وربطه برباط حذائه، متبعًا تعلميات القابلة التي تصيح من أمام بيتها بالتعليمات التي يجب على الشاب اتباعها في أثناء التوليد.
تلد المرأة وترسل البرتقال هدية لجيرانها عبر الحبال، احتفالًا بحياة جديدة ولدت تحت الحصار. يمكن للفيلم بسلاسة أن يعطيك هذا المعنى بكل تفاصيله. حيث لا تظهر هوية القناص، تلك النقطة الأساسية التي أغفلها المخرج، ربما من باب عدم تصنيف فيلمه في قائمة أفلام الدعاية السياسية التي ينتجها النظام السوري بكثافة مؤخرًا، إلا أن الخلفية التي أنتج فيها الفيلم هي التي تشي بذلك.
نعم، صُوّر الفيلم برعاية النظام، وعلى أنقاض مدينة دمرتها آلته الحربية، وخاض الليث حجو ما خاضه جود سعيد في حمص ونجدة أنزور في تدمر، إلا أن الفيلم مختلف قطعًا. لكن ذلك لم يُخرِج إلى الشاشة الفضية شريطًا مشابهًا لما قدمه سواه من مخرجي دعاية النظام السينمائية. وللمشاهد الأجنبي الذي ربما لا دراية له بتفاصيل تصوير الفيلم أن يرى النظام مجرمًا فيه، أو على أقل تقدير سيرى الحرب مجرمة بحق مدنيين لا ذنب لهم فيما يحصل.
لا يبدو من المنطقي الحشد لمنع عرض الفيلم في المهرجانات، ولا مساواته بشريط مطر حمص مثلًا، حيث لا ملامح بعثية في الفيلم، ولا دعاية النظام نافذة في تفاصيله مطلقًا عند استبعاد ما وراء الكواليس. أما أن تكون الكواليس نقطة تقييمية للعمل ككل فهو ما لا يلام أحد عليه، خاصة أبناء الزبداني الذين يرون كاميرات مؤيدي الجريمة التي حلت بهم تدور بين منازلهم التي لا يقوى أحد منهم على زيارتها وترميم ما دمرته فوهات بنادق النظام ومدافعه فيها. ولعل الدعوة الواجبة في حالة “الحبل السري” هو تقديم القراءة الحقيقية له طالما أنه لا يحمل نقيضها، ولا أحد فيه يردد الشعار عند استيقاظه صباحًا في حطام المدينة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :