مكتبة “بيت الحكمة” مشروع شبابي لتعزيز ثقافة القراءة

  • 2015/05/15
  • 10:25 م

“جميعنا سجناء، لكن بعضنا في سجون ذات نوافذ، وبعضنا في سجون من دون نوافذ”
عبارة وُجدت على صفحة كتاب في أحد رفوف مكتبة “بيت الحكمة” في مدينة دوما، الواقعة في الغوطة الشرقية لدمشق.

حنين، هي إحدى مؤسسي المكتبة، التي تضم مئات الكتب المستعملة، تقول إن العبارة المكتوبة تعود إلى شخص يدعى عبد الرحمن كان يتواصل مع “حبيبته” شهرزاد ما بين 2007 و 2013، بعبارات مشابهة خطها على صفحات عدد من الكتب التي وصلت إلى المكتبة، “ولا أدري كيف جاءت هذه الكتب إلينا، هل باعها عبد الرحمن قبل أن يهاجر كما فعل كثر أم تبرّع بها”.

وتردف حنين في حديثها إلى عنب بلدي إن “التراسل عبر الكتب جعلني أتخيل أن عبد الرحمن ربما يكون أمين مكتبة تتردد عليها شهرزاد؛ كان من الرائع أن نقرأ كتبًا بعبق حبٍ مميزٍ تحت القصف، ونحفظ ذكريات عزيزة لأشخاص ربما اضطروا أن يتركوا بلدهم”.

ثلاثة آلاف كتاب من “قارعة الطريق” إلى رفوف المكتبة

تقول خولة، المسؤولة عن مكتبة بيت الحكمة ورئيسة مجلس إدارتها، إن الانقطاع المتواصل للكهرباء ووسائل الاتصال دفعهم إلى التفكير بطريقة لملئ الفراغ الذي يعيشونه في المدينة المحاصرة “بطريقة مفيدة ومسلية في آن معًا”، وأوضحت في حديثها إلى عنب بلدي أن الفريق بدأ مشروعه بجمع حوالي ثلاثة آلاف كتاب، “جُردت ونُسّقت بعناية من خلال تدوين اسم الكتاب ومصدره، بالإضافة إلى معلومات أخرى عنه، ليتكلل المشروع بالنجاح بعد عمل شهرين متواصلين وتُطلق المكتبة في السادس من حزيران 2013”.

ولا يقتصر دور مكتبة بيت الحكمة على توفير الكتب للقرّاء، فهناك عدد من النشاطات والفعاليات التي يُنظّمها الكادر الإداري للمكتبة، التي تسعى إدارتها لإطلاق معرض للكتاب على غرار “ربيع وكتاب” الذي أقيم في حزيران الماضي، بحسب خولة، مشيرًة إلى أنه سيشمل كامل الغوطة، “في محاولة ليكون مميزًا أكثر من سابقه، المقام بالتعاون مع فريق شباب نحو مجتمع إسلامي”:


مشروع ثقافي في مرحلة “الإنعاش المبكر”

دُعمت المكتبة في بداية تأسيسها من قبل مؤسسات عدة، بحسب خولة، التي نوّهت إلى أن الدعم يقتصر حاليًا على منظمة “تبنى ثورة” الألمانية، وهي منظمة أسسها ناشطون سوريون وألمان بداية العام  2012 لدعم الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد.

عنب بلدي تحدّثت إلى صوفي شولكن، العاملة في المنظمة الداعمة لعدد من المشاريع المدنية في سوريا، وأشارت إلى أهمية المشاريع الثقافية في ظل الوضع المتردي الذي تمر به البلاد:

https://soundcloud.com/enab-baladi/ko19axtklf7x


المكتبة مكان يقصده كل متعطّش للمعرفة

بدأت المكتبة باستقبال القراء بعد افتتاحها، وكانت الأولى في الغوطة الشرقية، ويصل عدد روادها في الأيام العادية (الخالية من القصف) إلى 80 قارئًا يوميًا، بحسب المديرة خولة، وقد قسمت المكتبة أوقات الزيارة إلى فترتين، صباحية للإناث من 9 وحتى 3 عصرًا، ومسائية للذكور من 3 عصرًا وحتى 8 مساءً.

تقول ندى، وهي طالبة أدب عربي وإحدى رُوّاد المكتبة، إن “بيت الحكمة هي المكان الذي يقصده كل متعطش للمعرفة، وهي مكتبة شاملة تلبي احتياجات الطلاب كل حسب اهتمامه”، في حين عبّر قُرّاء آخرون عن أهمية وجود المكتبة في مدينتهم، وشرحوا أسباب ارتيادهم لها بشكل يومي، متمنين أن يُعمّم المشروع ليشمل الغوطة الشرقية بأكملها:

“بيت الحكمة” ليست مكانًا للقراءة فقط

تقوم إدارة مكتبة بيت الحكمة بتنظيم العديد من الفعاليات بشكل دائم للأطفال وطلاب المدارس، كما يُرشد فريق عملها الطلاب في دراساتهم لإغناء حلقات البحث التي يقومون بها.

وتقول خولة إن صالة المكتبة مفتوحة “لأي شخص يريد إلقاء المحاضرات والندوات”، مضيفًة أن “العديد من الجهات حجزت المكتبة كونها مكان ثقافي له نكهة خاصة ومكان اجتماع مناسب، إذ تتقدم الجهة بطلب إعارة للمكتبة وتتعهد بالحفاظ على المكان”.

عنب بلدي التقت محمد خير النعّال، مدير مركز “تنمية”، الذي أشار إلى أن مكتبة بيت الحكمة، وفي ظل غياب الكهرباء والإنترنت جراء الحصار التي تعانيه المدينة، تُوفّر مصدرًا جيًدا من المعلومات لمرتاديها على تنوعهم، سواءً كانوا من المثقفين أو الطلاب بمختلف فئاتهم العمرية:


مطالب بتوسيع عمل المكتبات وتعميم التجربة

أبو عدنان، مدرّس وخطّاط من مدينة دوما، يقول في حديثه إلى عنب بلدي إن مكتبة بيت الحكمة “قدّمت كل جديد ومنوع فيما يخص أمور التربية والتعليم، ووسعت وأمنت لطلاب وطالبات المدينة وللطبقة المثقفة فيها الكتب والمجلات والمراجع”.

ويأمل أبو عدنان بتوسيع عمل المكتبات بشكل أكبر، وألا تقتصر هذه المشاريع على القطاع الخاص، مطالبًا المجلس المحلي وجميع القائمين على الأمور التعليمية والتربوية في مدينة دوما بدعم مشاريع مكتبات خاصة بالمدارس “لأن الطلاب يتكلفون أعباءً كبيرة في الوصول إلى المكتبات الخاصة”.

أما علي الكحّال، وهو مدرس في مؤسسة رواد الهدى التربوية، فيرى أن الحصار فرض واقعًا مؤلمًا، وهو قلة وندرة الكتب العلمية والمكتبات، مشيرًا إلى أنه “بالرغم من كل هذه الظروف الصعبة ظهرت بعض المكتبات التي بذلت جهدها في سبيل دعم عملية التعليم ومنها مكتبة بيت الحكمة”.

ويضيف الكحّال أن طلاب المؤسسة يرتادون المكتبة بشكل مستمر “لتعزيز إمكانياتهم العلمية” باعتبارها مرجعًا رئيسيًا لزيادة تحصيلهم العملي في ظل انقطاع الكهرباء، مردفًا “كأيّ إنسان غيور على مسيرة التعليم في المدينة أطالب بتوسيع المشاريع التثقيفية لتشمل الغوطة الشرقية بأكملها وجميع المناطق المحررة في سوريا”.

من جهته قال سمير بويضاني، نائب رئيس المجلس المحلي في مدينة دوما، في حديثٍ إلى عنب بلدي إن المجلس يدعم العملية التعليمية بشكل دائم من خلال تأميم المدارس المتضررة جراء القصف وتجهيزها وتأمين القرطاسية للطلاب والرواتب للمدرسين:


مشاريع وزارية وعجز مالي لتطبيقها

تُدير وزارة الثقافة وشؤون الأسرة في الحكومة السورية المؤقتة العديد من النشاطات في بعض المدن الحدودية التركية، كمدينتي كلّس وغازي عنتاب، كما ترعى عددًا من المشاريع في الداخل السوري.

عنب بلدي اتصلت بالدكتورة سماح هدايا، وزيرة الثقافة وشؤون الأسرة في الحكومة السورية المؤقتة، التي أشارت إلى أن “الوزارة مطّلعة على المشاريع القائمة في الداخل السوري ولكن الأهم هو قدرتها على التنسيق مع القائمين عليها ودعمهم”.

د. سماح هدايا – وزيرة الثقافة وشؤون الأسرة في الحكومة السورية المؤقتة

وأضافت هدايا أن الوزارة “بدأت ببحث إمكانية التعاون لتفعيل مشاريع في الغوطتين الشرقية والغربية”، عازيَة عدم تواجدهم في تلك المناطق إلى “صعوبة الحركة فيها والوضع المالي السيء خلال الشهور الأربعة التي مرت على توليها للوزارة”، منوهًة إلى أنه “من الممكن أن يكون مشروع مكتبة بيت الحكمة جزءًا من برنامج عملنا ونقطة انطلاقنا في دوما وريف دمشق”.

وسيتم تفعيل العمل ضمن المناطق المحررة في الداخل السوري قريبًا، بحسب هدايا، التي أردفت “طرحنا مشروع مديريات الثقافة لكل الداخل السوري ليشمل الأرياف والمدن المحررة بشكل مصغر عن الوزارة، وستحوي جميع الأنشطة بما فيها الفن والرياضة والسينما والأدب ورعاية المرأة والشباب”، مضيفًة أن “أشخاصًا برعاية الوزارة سيشرفون على هذا المشروع، الذي انتهينا من دراسته بشكل كامل بانتظار المال الكافي لتطبيقه”.

 

تعتبر مكتبة بيت الحكمة من المشاريع المهمة لإغناء الفكر وبديلًا “ناجعًا” بحسب العديد من الطلاب الذين لم يستطيعوا إكمال تعليمهم في ظل الحرب التي تعيشها سوريا، ووجدوا فيها منهلًا لإثراء ثقافتهم.

تختم حنين حديثها مخاطبًة عبد الرحمن وشهرزاد “لا أدري أين أنتما الآن، ولكنّي أتمنى من كل قلبي أن تكون قصتكما الجميلة تُوّجت بجمال يشبه روحيكما، أتمنى أن ألتقي بكما يومًا وأسلّمكما ما حفظنا لكما من كتب لا تُقدر بثمن..كونا بخير.. كونا بحبّ”.

* أعدت هذه المادة بدعم من البرنامج الإقليمي السوري

مقالات متعلقة

منظمات مجتمع مدني

المزيد من منظمات مجتمع مدني