عنب بلدي – ميس حمد
منذ عام 2017 دأب النظام في سوريا على إقامة معارض وعقد مؤتمرات ترسخ فكرة الانتصار، فكان استئناف أعمال “معرض دمشق الدولي” بعد توقف دام نحو خمس سنوات، الذي سعى النظام من خلاله إلى استقطاب دعم الدول الصديقة له.
عاود النظام استحداث معارض وفق مسميات تحدد مباشرة مبتغاه، فكان معرض “إعادة الإعمار” بُعيد استعادة النظام سيطرته على حلب شمالي سوريا، ومؤخرًا “معرض سوريا الدولي للبترول” الذي أقيم لإبرام عقود مع طابور طويل من الدول “الصديقة” للنظام السوري، لكن طول طابور السوريين المصطفين أمام أفران الخبز ومحطات الوقود كفيل بوصف عجز الحكومة عن تحقيق مكسب اقتصادي، حتى الآن.
ما هو معرض “سيربيترو”؟
أوضحت مجموعة “المشهداني” الدولية المنظمة للمعارض والمؤتمرات في سوريا، في بيان صادر عن المكتب الصحفي للمجموعة، أن “معرض سوريا الدولي للبترول والثروة المعدنية” (سيربيترو)، سينعقد خلال أربعة أيام في الفترة الواقعة بين 26 و29 من تشرين الأول الحالي.
وأوضح بيان الشركة أن المعرض يهدف إلى عقد صفقات وإبرام عقود متعلقة بصناعة النفط والغاز، وعرض أحدث التقنيات المختصة في عمليات التنقيب والحفر والاستخراج والتكرير النفطي، والمعدات النفطية، وشركات الصيانة، وإعانة المستثمرين على تحديد متطلبات المشاريع البترولية في سوريا، والخطط الرئيسية لسوريا في قطاع النفط والثروة المعدنية، وتوفير معلومات حول القطاع النفطي للمستثمرين والمهتمين.
ولفت البيان إلى أن المعرض سيكون منصة للشركات الراغبة بفتح أسواق عمل جديدة في سوريا، وتوقيع اتفاقيات “على مستوى عالٍ من الأهمية”، مشيرًا إلى أن وزارة النفط السورية ستطرح خلال أيام المعرض مشاريع استثمارية في صناعات النفط والغاز والثروة المعدنية.
وأعلنت الشركة في بيانها أن كلًا من روسيا وبيلاروسيا وإيران والكويت وشركات صينية ومصرية وخليجية، أبرزها الإمارات، ستكون في طليعة الدول المشاركة في المعرض.
وحددت صفحة المعرض الرسمية على “فيس بوك” أبرز الشركات المشاركة فيه، منها “شركة مجموعة الحميداني الكويتية”، و”منتدى رجال الأعمال العربي في الصين” و”شركة أورال تكنو ستوري الروسية“، و”شركة الخليج الفارسي الإيرانية” وشركتا “الدولفين” و”محروقات” السورية”.
فرصة لإحياء عقود روسية وإيرانية سابقة
ليست المرة الأولى التي تسعى فيها الدول الحليفة للنظام السوري إلى حجز حصتها من ثروات سوريا، وخاصة روسيا التي عملت خلال السنوات الماضية للحصول على اتفاقيات اقتصادية من النظام السوري، كمكافأة لها لدعمها النظام السوري عام 2015، وخاصة في مجال النفط.
ووقعت روسيا عقودًا نفطية في سوريا كان أولها عقد “عمريت” في 2013 الذي يتيح لشركة “سيوزنفتاغاز” الروسية التنقيب والحفر في المياه الإقليمية السورية، بقيمة 90 مليون دولار، وأعرب وزير النفط السوري آنذاك، سليمان العباس، عن أمله في “أن يكون عقد عمريت محفزًا لشركات الدول الصديقة وخاصة روسيا للقدوم إلى سوريا واستثمار مشاريع للتنقيب عن النفط والغاز في البر والبحر”، بحسب ما ذكرته صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، في 26 من كانون الأول عام 2013.
في حين كان آخرها، في 3 من أيلول الماضي، عندما أبرمت روسيا ثلاثة عقود مع “وزارة النفط والثروة المعدنية” بعد تفاوضٍ دام ستة أشهر، وذلك على خلفية مشاركة روسيا في معرض دمشق الدولي، خلال دورته الـ 61، وبحسب مدير شركة “ميركوري” الروسية (إحدى الشركات التي وقعت العقود الثلاثة)، ديمتري غرين كييف، فإن العقود تستهدف التنقيب في الأماكن المتوقع فيها وجود النفط، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
بينما سلكت طهران مسلكًا آخر، يقضي بتوريد النفط إلى سوريا، مقابل قروضٍ ائتمانية، كان أولها في تموز 2013 بقيمة 3.6 مليار دولار، وقرض آخر في أيار عام 2015، وافق على إثره مجلس الشعب على إبرام اتفاق مع إيران حول فتح خطٍ ائتماني جديد وقدره مليار دولار.
لكن المورد الأساسي للنظام السوري من النفط الإيراني، توقف بعد أن طالت العقوبات الأمريكية الصادرة عن “وزارة الخزينة الأمريكية” الخط الائتماني الثالث.
وأمد الخط الائتماني الثالث النظام السوري بنحو مليوني برميل شهريًا، أي بمعدل 67 ألف برميل يوميًا، حسبما صرح به مدير عام شركة المحروقات، مصطفى حصرية، في مقابلة مع قناة “الإخبارية السورية”، عُرضت السبت 13 من نيسان الماضي.
لكن الخط أصبح خارج الخدمة منذ نهاية العام الماضي، الأمر الذي دفع بالنظام السوري إلى البحث عن سبل جديدة لاستقطاب مستثمرين وتنظيم معارض، وسد العجز الحاصل في خزينة الدولة.
السوريون مغيبون عن المعادلة
في ظل اهتمام النظام وترقب وسائل إعلامه لتغطية أي حدث يتعلق بدعم اقتصادي جديد لسوريا، يغيب المواطن السوري عن المعادلة النفطية، والمحاصصة في الثروة المعدنية، إذ عايش السوريون في السنوات الأخيرة، وخاصة أواخر العام الماضي، أزمة محروقات تنذر بكارثة قد تصيب قطاعات بالتوقف عن العمل.
توقف قد يسببه عاملان، أولهما العقوبات الأمريكية التي فرضتها “وزارة الخزانة الأمريكية” على النظام السوري ورجالاته منذ 2011، إذ توسعت جغرافية العقوبات حتى شملت دولاً وأشخاصًا أو شركات، تسهم في إمداد أو دعم النظام السوري بالنفط.
وحذر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية (OFAC)، في بيان صادر عن مكتب الشؤون العامة لوزارة الخزانة الأمريكية، وصل إلى عنب بلدي، في 26 من آذار الماضي، مجتمع شحن البترول البحري من المخاطر المرتبطة بنقل شحنات النفط إلى سوريا.
ثاني أسباب التوقف، هو خروج كبرى آبار النفط في سوريا من قبضة النظام كحقلي العمر والتنك في دير الزور لمصلحة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وسيطرة الأخيرة على 11 بئرًا نفطيًا بطاقة إنتاجية تشكل نحو 80% من نسبة الإنتاج الكلي لسوريا من النفط، لكن النظام عمل على الخروج بأقل خسارة ممكنة عبر تأمين نحو 14 ألف برميل يوميًا من “قسد”، من إجمالي احتياجه اليومي المقدر بنحو 100 ألف برميل يوميًا.
من جانبها كشفت “شركة الفرات للنفط” لصحيفة “الوطن” في 30 من حزيران الماضي، عن خسائر الشركة التي بلغت نحو 14.55 مليار دولار، 332 مليون دولار منها خسائر حقلي العمر والتنك بدير الزور، خلال الربع الأول من 2019.
لكن الخسارة المعلن عنها من قبل “الفرات” تبدو متواضعة أمام أرقام الخسائر التي لحقت بقطاع النفط، التي كشف عنها وزير النفط، علي غانم، في 9 من نيسان الماضي، إذ بلغت خسائر النظام منذ عام 2011 حتى العام الحالي نحو 74 مليار دولار (37 تريليون ليرة).
وأعلنت شركة “محروقات” مؤخرًا، والتي شاركت في “المعرض الدولي للبترول”، أن إنتاج سوريا من النفط والغاز تراجع بنسبة 2%، كما تعمل الشركة العامة على خصخصة القطاع النفطي، إذ تم الإعلان في 6 من تشرين الأول الحالي، عن إبرام القطاع الخاص خمسة عقود لاستيراد الغاز من مكتب تسويق النفط.
وأعلنت الشركة في وقت سابق عن برنامجها لتأمين مستلزمات الأسر السورية من المحروقات لفصل الشتاء، وبدء العمل على توزيع المخصصات للعائلات مطلع الشهر الماضي، وسط انتقاد محلي حول عدم كفاية المخصصات من المحروقات والمقدرة بنحو 200 ليتر من المازوت لكل عائلة.