إدلب – شادية تعتاع
“أعيش على المسكنات وأنتظر الموت”، تقول سارة خشان (40 عامًا) المصابة بسرطان الثدي منذ سنتين، في بلدة أورم الجوز بمحافظة إدلب شمالي سوريا.
تحتاج سارة لجلسات علاج كيماوي، لكن تكلفة الجرعة الواحدة تصل إلى 60 دولارًا أمريكيًا، وهو ما يدفعها إلى ثلاثة سيناريوهات: إما محاولة تأمين العلاج بهذه التكلفة المرتفعة، وإما العلاج في مناطق سيطرة النظام السوري، وإما انتظار الموت، بحسب وصفها.
قررت سارة التوقف عن العلاج بعد سنتين من المواظبة عليه، وذلك بعدما صارت بحاجة لـعملية “تجريف”، تشكل خطورة على حياتها.
تعاني المصابات بمرض “سرطان الثدي” في إدلب من صعوبات لا تتوقف عند الألم الجسدي، وتمتد لتشمل نقص الأدوية والمراكز المختصة بالعلاج.
ما هو سرطان الثدي
سرطان الثدي من الأورام الخبيثة الناتجة عن نمو غير طبيعي لخلايا الثدي، وهو من أنواع السرطان الأكثر شيوعًا بين النساء على اختلاف أعمارهن.
يبدأ عادة في البطانة الداخلية لقنوات الحليب، حيث يتم تقسيم الثدي عادة إلى أربعة أرباع، وغالبًا ما يتمثل السرطان كورم قاس عند الضغط عليه، ويتغير لون الجلد وشكله، ليصبح شكله أقرب إلى شكل قشرة حبة البرتقال، وفق ما يقوله اختصاصي أمراض الدم في مركز السرطان بمدينة إدلب، الطبيب أيهم أرمنازي، لعنب بلدي.
وتختلف أعراض المرض من مريضة إلى أخرى، ويوضح أرمنازي أنه من خلال الفحص الذاتي الشهري، تستطيع الفتاة أن تعرف كيف يكون الثدي في حالته الطبيعية، فإذا أحست بأي تغير في ثديها حتى وإن كان بسيطًا، عليها مراجعة جرّاح أو طبيب أورام.
ظروف تعيشها المصابات
يوجد في مدينة إدلب مركز طبي واحد لعلاج مرض السرطان، افتُتح في العام 2018، وهو جزء من مستشفى إدلب المركزي، بينما يضطر مصابو الأورام الخبيثة إلى التوجه إلى مستشفيات في مناطق سيطرة النظام.
اختصاصي أمراض الدم في المركز، الطبيب أيهم أرمنازي، يؤكد ما روته سارة فيما يخص نقص الأدوية، ويشير إلى أن المركز يقدم “دعمًا شبه كامل” لعلاج سرطان الثدي وأورام الليموفيا حاليًا.
ويقول أرمنازي، لعنب بلدي، إن المريض يضطر في بعض الأحيان لاستكمال العلاج خارج “المناطق المحررة”، مشيرًا إلى أن بعض الحالات تكون متقدمة وصعبة، لذا يتم تخيير المريض بين التوجه للعلاج في مناطق سيطرة النظام أو تركيا.
كلام الطبيب أيهم أرمنازي والمريضة سارة، لا يختلف كثيرًا عما يقوله وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة، مرام الشيخ مصطفى، لعنب بلدي، فالمستشفيات في “المناطق المحررة” لا تحتوي أي برامج خاصة لعلاج سرطان الثدي، بالإضافة إلى صعوبة الحصول على العلاج المتمم بعد الجراحة، وهو العلاج الكيماوي والإشعاعي والهرموني.
ويشير الوزير إلى ضعف الدعم النفسي للمرضى، الذين يترافق مرضهم وحالتهم النفسية السيئة مع المشاكل العامة الأخرى، المتمثلة بالنزوح والفقر والخوف من القصف.
العلاج في تركيا
مدرّسة اللغة العربية نجاح سرحان تعرضت لعملية استئصال للثدي بشكل كامل، وأكملت علاجها في تركيا بسبب مضاعفات العلاج الإشعاعي، التي وصفتها بـ “القاسية والمنهكة للغاية”، مترافقة مع ألمها النفسي نتيجة مكوثها في تركيا بينما القصف قد يطال أولادها في إدلب.
وتقول نجاح لعنب بلدي إنها فضلت العلاج في تركيا لأنها مطلوبة للاعتقال على قوائم النظام السوري، ولا تستطيع تحمل تكلفة العلاج المرتفعة.
وافتتحت تركيا مكتبًا طبيًا في معبر باب الهوى الحدودي مع سوريا، سمحت بموجبه للمرضى السوريين بالدخول برًا إلى الأراضي التركية لتلقي العلاج في مستشفياتها، وأعطت الأولوية لمرضى السرطان والقلب والحالات الإسعافية.
الأرقام غير موجودة والبرامج غائبة
لا إحصائيات دقيقة عن عدد مرضى سرطان الثدي في الشمال السوري، ويوضح الوزير مرام الشيخ مصطفى أن عدد حالات السرطان بشكل عام بلغت في عام 2019 حتى الآن، 1700 حالة.
ويرجع الوزير نقص الإحصائيات إلى المشاكل التي يعاني منها نظام المعلومات الصحية، المتعلقة بضعف التمويل ونقص الخبرة لدى الكوادر الإدارية، بالإضافة إلى غياب توحيد التشخيصات الطبية وضعف الوصول إلى بعض المنشآت الطبية.
كما لا توجد برامج خاصة لعلاج سرطان الثدي، أو برامج مسح مبكر للتحري عنه، بحسب الوزير، باستثناء بعض حملات التوعية التي تقوم بها المنظمات العاملة في “المناطق المحررة”، وهي غير كافية بحسب رأيه، مؤكدًا أن الأمر بحاجة لبرنامج صحي متكامل، يبدأ من التوعية إلى الكشف المبكر وصولًا إلى العلاج وإعادة التأهيل، وهو ما وصفه بأحد أهم أهداف الوزارة في المرحلة المقبلة.
تشرين الأول.. شهر التوعية بسرطان الثدي
تخصص منظمة الصحة العالمية شهر تشرين الأول من كل عام، للتوعية بسرطان الثدي، للمساعدة على زيادة الاهتمام بهذا المرض وتقديم الدعم اللازم للتوعية بخطورته والإبكار في الكشف عنه وعلاجه، فضلا عن تزويد المصابين به بالرعاية المخففة لوطأته.
وتحدث سنويًا نحو 1.38 مليون حالة جديدة للإصابة بسرطان الثدي و458 ألف حالة وفاة من جراء الإصابة به (وفقًا لتقديرات موقع Globocan الشبكي 2008، التابع للوكالة الدولية لبحوث السرطان). وسرطان الثدي هو إلى حد بعيد من أكثر أنواع السرطان شيوعًا بين النساء في بلدان العالم المتقدمة والنامية على حد سواء. وتبيّن في السنوات الأخيرة أن معدلات الإصابة بالسرطان آخذة في الارتفاع بشكل مطرد في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، بسبب زيادة متوسط العمر المتوقع وارتفاع معدلات التمدّن واعتماد أساليب الحياة الغربية.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، لا يوجد حاليًا إلمام كافٍ بأسباب الإصابة بسرطان الثدي، لذا فإن الإبكار في الكشف عنه لا يزال يمثل حجر الزاوية الذي تستند إليه مكافحة المرض.
وتوجد فرصة كبيرة في إمكانية الشفاء من سرطان الثدي في حال كُشف عنه في وقت مبكر، وأُتيحت الوسائل اللازمة لتشخيصه وعلاجه.
ولكن إذا كُشف عنه في وقت متأخر فإن فرصة علاجه غالبًا ما تكون قد فاتت، وهي حالة يلزم فيها تزويد المرضى وأسرهم بخدمات الرعاية لتخفيف معاناتهم.