عنب بلدي – تيم الحاج
صارت أهداف العملية العسكرية التركية شرق الفرات في سوريا أقرب إلى الوضوح، وتقترب مما كانت تقوله أنقرة، خلال الأشهر الماضية، حول عمق وعرض المنطقة الآمنة التي تنوي إقامتها.
بينما برزت في المقابل عدة تساؤلات حول مصير “الإدارة الذاتية” في المناطق التي لا تشملها العملية التركية شرق الفرات، وما إذا كانت تلك المناطق قد خضعت لتفاهمات بين القوى الفاعلة في سوريا، من شأنها أن تسحب البساط من تحت أقدام “الإدارة الذاتية” وقواها.
هذه هي المعركة الثالثة التي تدعمها تركيا مباشرة في سوريا، بعد عملية “درع الفرات” في ريف حلب الشمالي الشرقي، التي امتدت من آب 2016 حتى آذار 2017، وسيطرت خلالها القوات المدعومة من أنقرة على منطقة واسعة من يد تنظيم “الدولة الإسلامية”، وعملية “غصن الزيتون” التي امتدت من كانون الثاني حتى آذار 2018، وسيطرت فيها على منطقة عفرين من يد “وحدات حماية الشعب” (الكردية).
أين وصلت “نبع السلام”؟
من مكتبه، وعبر هاتفه، أطلق الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، شرارة البداية للعملية العسكرية التركية، التي سُميت بـ “نبع السلام”، في 9 من تشرين الأول الحالي، وما هي إلا لحظات حتى بدأت القوات التركية بمشاركة واسعة من قوات “الجيش الوطني السوري” بالزحف نحو الحدود التركية مدعومة بالطائرات المقاتلة التي بدأت قصفًا تمهيديًا على مواقع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي تُعتبر “وحدات حماية الشعب” (الكردية) عمودعها الفقري.
وتتركز معارك “نبع السلام” منذ بدايتها، في محاور عدة من مدينتي رأس العين وتل أبيض، شمال شرقي سوريا، وتسعى تركيا لقطع الطرق الرئيسية بين مناطق شرق الفرات، التي تعتبرها أنقرة “ممرًا إرهابيًا” يستخدمه “حزب العمال الكردستاني” (PKK)، المحظور والمصنف إرهابيًا.
وتتبادل “قسد” ووزارة الدفاع التركية بيانات حول حصيلة معارك أربعة أيام بين الطرفين، إذ تؤكد الدفاع التركية مقتل المئات من “قسد”، في حين تنفي الأخيرة ذلك، وتضيف أن القصف التركي يخلف ضحايا في صفوف المدنيين.
وفي حديث إلى عنب بلدي، قال المتحدث باسم “الجيش الوطني” المدعوم تركيًا، يوسف حمود، إن قوات “الجيش” دخلت محورًا بين مدينتي الدرباسية ورأس العين، وسيطرت على 16 قرية في ذلك المحور وصولًا إلى طريق 712، الذي يصل المدن الحدودية بين بعضها.
وأكد حمود أن “الجيش الوطني” والقوات التركية سيطرا على منطقة الصوامع وبوابة رأس العين والمنطقة الصناعية هناك.
أما في محور تل أبيض، فأوضح حمود في بيان، أن القوات المهاجمة تقدمت إلى قرى اليابسة، تل فندر، مشرفة الحاوي، اقصاص، بير عاشق، حميدة، مزرعة المسيحي، مزرعة الحاج علي، وبرزان، معتبرًا أن هذا التقدم يمثل “المرحلة الأولى من نبع السلام”.
“قسد”.. ما بعد العملية التركية
دعمت أمريكا “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، التي تشكل عماد “قسد”، على مدى الأعوام الماضية وقدمت لها معدات وأسلحة عسكرية، بهدف القضاء على تنظيم “الدولة” في منطقة شرق الفرات.
وقبل بدء العملية العسكرية التركية بيومين، وبالتزامن مع اتصال جرى بين الرئيسين التركي والأمريكي، رجب طيب أردوغان ودونالد ترامب، أبلغت واشنطن “قسد” بعدم حمايتها في مواجهة تركيا التي تسعى إلى شن عملية عسكرية في شرق الفرات، وفق ما نقلت وكالة “رويترز”.
واعتبرت “قسد” أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تفِ بالتزاماتها حيال إنشاء آلية لضمان أمن الحدود مع تركيا، وقال المتحدث باسمها، مصطفى بالي، عبر حسابه في “تويتر”، إن “القوات الأمريكية لم تفِ بمسؤولياتها وبدأت بالانسحاب من الحدود، تاركة المنطقة لتتحول إلى ساحة حرب”، مؤكدًا أن “قسد مصممة على الدفاع عن سوريا بأي ثمن”.
وفي حديث سابق لعنب بلدي، ربط الباحث في الشأن الكردي بدر ملا رشيد، بين الوجود الأمريكي ومصير المنطقة، واعتبر أنه في حال انسحاب القوات الأمريكية ستنحسر سيطرة “الوحدات” وسيعود النظام السوري للسيطرة على بعض المناطق في دير الزور والرقة وجزء من الطبقة.
وأضاف ملا رشيد، أن ذلك قد يؤدي إلى ظهور تنظيمات كتنظيم “الدولة الإسلامية” أو تنظيم أكثر تطرفًا، إضافة إلى عودة ظهور الفصائل المقاتلة التي قد تكون تابعة للمجالس العسكرية في الرقة أو دير الزور.
النظام السوري وروسيا يتحركان
قبيل بدء معركة “نبع السلام”، أعلنت روسيا أنها تواصلت مع النظام السوري ومع ممثلي القوات الكردية في شرق الفرات، بهدف بدء الحوار بين الجانبين حول منطقة شرق الفرات في ظل تهديدات تركية بشن عملية عسكرية.
وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بحسب وكالة “ريا نوفوستي”، في 9 من تشرين الأول الحالي، إنه اتصل مع ممثلي النظام السوري وممثلي الجانب الكردي وشجعهم على “بدء الحوار لحل مشاكل شرق الفرات”، معتبرًا أن الحوار بين الطرفين هو الخيار الوحيد لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
من جانبه، أعلن قائد “قسد”، مظلوم كوباني، أن “أحد خيارات قسد على الطاولة هو عقد شراكة مع الرئيس السوري بشار الأسد لمواجهة تركيا”.
وأضاف كوباني، في لقاء مع قناة “NBCNEWS”، جرى في 7 من تشرين الأول، أنه لم يكن يفكر بالشراكة مع الأسد قبل سنوات، داعيًا الشعب الأمريكي للضغط على الرئيس، دونالد ترامب، لمساعدة حلفاء أمريكا.
وكانت مفاوضات بدأت بين “قسد” والنظام السوري عقب إعلان الولايات المتحدة سحب قواتها من شرقي سوريا، أواخر العام الماضي، لكن“مجلس سوريا الديمقراطية” أكد، في كانون الثاني الماضي، أن المحادثات مع النظام السوري “لم تأتِ بنتيجة”.
ووضعت “قسد” حينها شرطين من أجل التفاوض مع النظام: “الأول الحوار مع الحكومة المركزية على وحدة أراضي سوريا، والثاني قبول (قسد) وقيام حكومة ذاتية”، بحسب ما قال كوباني في مقابلة مع وكالة “هاوار”، في آب الماضي.
وفي أول موقف رسمي من النظام السوري حول العملية التركية شرق الفرات، قال نائب وزير الخارجية والمغتربين، فيصل المقداد، في 7 من تشرين الأول، “من يرتمي بأحضان الأجنبي سيرميه الأجنبي بقرف بعيدًا عنه”، في إشارة إلى “قسد” المدعومة من التحالف الدولي.
وأضاف، “نقول لهؤلاء بأنهم خسروا كل شيء ويجب ألا يخسروا أنفسهم، وفي النهاية الوطن يرحب بكل أبنائه ونحن نريد أن نحل كل المشاكل السورية بطريقة إيجابية وبطريقة بعيدة عن العنف لكن بطريقة تحافظ على كل ذرة تراب من أرض سوريا”.
وبالتزامن مع تصريحات المقداد، كانت قوات النظام السوري بدعم روسي تستعد للتحرك نحو مدينة منبج في منطقة شرق الفرات، بحسب ما قالته “قسد” التي اعتبرت هذا التحرك هو النتيجة الأولى لقرار الولايات المتحدة الانسحاب من مناطق في شرق الفرات.
وتحاول روسيا الحصول على مكتسبات سياسية وعسكرية على الأرض جراء العملية العسكرية التركية التي أيدتها بشكل ضمني.
وبحسب الصحفي ديفيد اغناتيوس، في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، فإن الهجوم التركي على المنطقة منسق مع روسيا التي ستحاول الدخول إلى المنطقة من الجنوب، نحو مدينة الطبقة وغيرها.
وقال إن قوات النظام السوري وتنظيم “الدولة الإسلامية” يتحركان في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في الرقة.
وأضاف ديفيد اغناتيوس، في تغريدة عبر حسابه في “تويتر”، في 9 من تشرين الأول، أن قوات النظام تحشد للهجوم على مدينة الطبقة بريف الرقة، بالتزامن مع العملية العسكرية التركية في شرق الفرات.
وأوضح الصحفي أن تحرك قوات النظام سيتم بدعم روسي، معتبرًا أن “الهجوم التركي يبدو منسقًا مع الروس”، مشيرًا إلى أن تنظيم “الدولة الإسلامية” يحرك خلاياه النائمة في الرقة أيضًا.
تركيا إلى دير الزور؟
خلال كلمته بالدورة الـ 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة بمدينة نيويورك الأمريكية، نهاية أيلول الماضي، استعرض الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خريطة المنطقة الآمنة التي تريد بلاده إقامتها في شرق الفرات.
ولفت أردوغان إلى أنه في حال مد عمق المنطقة الآمنة إلى خط دير الزور- الرقة، ستتمكن أنقرة من رفع عدد السوريين الذي سيعودون من تركيا وأوروبا وبقية أرجاء العالم إلى ثلاثة ملايين.
وأوضح الرئيس التركي أن بلاده لا يمكنها تحمّل موجة هجرة جديدة إليها من سوريا، وبيّن أن إرساء الاستقرار في سوريا سينعكس بشكل إيجابي على جارتها العراق أيضًا.
وأشار أردوغان إلى “جهود بلاده في مكافحة الإرهاب”، وقال إن “تركيا هي التي أطلقت عملية انهيار تنظيم داعش الإرهابي في سوريا”.
وفي نهاية عام 2018، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بشكل مفاجئ سحب القوات الأمريكية الموجودة في سوريا وخاصة شمال شرق الفرات، قبل أن يتراجع عن قراره ويكتفي بتقليص عدد جنوده وإعادة تموضعهم في المنطقة.
وقال ترامب حينها، إنه “بعد الانتصارات التاريخية ضد داعش، حان الوقت لإعادة شبابنا العظماء إلى الوطن”.
وأضاف أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أبلغه بأنه “سيقضي على من تبقى من داعش في سوريا”.