ضياء عودة | مراد عبد الجليل | تيم الحاج
في قاعة كبيرة بمدينة شانلي أورفا التركية على الحدود السورية، تتصدرها الأعلام التركية إلى جانب علم الثورة السورية، أعلن رئيس الحكومة السورية المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى، تشكيل “الجيش الوطني السوري”، تحت مظلة وزارة الدفاع برئاسة رئيس هيئة الأركان، سليم إدريس.
الجيش الذي شُكّل من اندماج فصائل “الجيش الوطني” في ريف حلب الشمالي، وفصائل “الجيش الحر” العاملة في إدلب، تم الترويج له على أساس أنه “جسم عسكري موحّد” يمثل جميع المعارضين للنظام وللجماعات “الإرهابية” في الشمال السوري.
لكن التشكيل الذي جاء في سياق تطورات ميدانية وسياسية تعصف بالملف السوري، ترك أسئلة كثيرة تتعلق بتوقيت الإعلان عنه، والهدف منه، ومدى تأثيره في الساحة العسكرية السورية.
تسلط عنب بلدي في هذا الملف الضوء على أهمية اندماج الفصائل في الشمال السوري، كما تحاول تحديد دور الجيش الجديد في المرحلة الراهنة، خاصة في ظل معركة شرق الفرات، كما توضح هيكليته، وتحاول استشراف مستقبله في مرحلة ما بعد الحرب في سوريا.
“الجيش الوطني”..
بنية فصائلية دون قيادة مركزية
على جبهات مناطق شرق الفرات يخوض “الجيش الوطني” أولى عملياته العسكرية، بعد إعلان الاندماج الأخير، بموجب عملية “نبع السلام”، التي أطلقها الجيش التركي ضد “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، وتهدف للسيطرة على مناطق حدودية، أبرزها رأس العين وتل أبيض في ريف الرقة الشمالي.
لا تنحصر المشاركة على عناصر من المنطقة الشرقية دون غيرهم، أو فصائل تعود أصولها إلى دير الزور أو الحسكة وريفهما، بل تشمل مقاتلي حمص وريف دمشق والغوطة الشرقية وإدلب ودير الزور، الذين يشكلون البنية العسكرية لـ “الجيش الوطني”، بعد خروجهم من المناطق التي شهدت اتفاقيات “تسوية”، أفضت إلى سيطرة القوات الروسية وقوات النظام السوري عليها بشكل كامل.
من الاسم الذي يحمله يتبادر إلى الأذهان أنه “جيش” لكل الوطن، هدفه الأساسي حماية الوطن والحدود وأمن المواطن، ويشارك في العمليات العسكرية ضد العدو، وليس له أي توجه سياسي أو عرقي أو عقائدي، لكن الأمر يختلف، فالتوجه السياسي موجود، والمساحة التي يعمل فيها تديرها تركيا خدميًا وعسكريًا واقتصاديًا.
ما بنية “الجيش الوطني” الجديد؟
منذ الإعلان عن تشكيله، في 30 من كانون الأول 2017، من قبل “الحكومة المؤقتة”، انبثقت عن “الجيش الوطني” ثلاثة فيالق (أصبحت بعد الاندماج سبعة)، وتفرعت بدورها إلى ألوية، وأُتبعت بها شرطة عسكرية و”وطنية”، تولت عمليات فصل النزاعات بين الفصائل العسكرية المندمجة داخل الجسم الواحد، وضبط الأمن وحماية المواطنين القاطنين في ريفي حلب الشمالي والشرقي.
وقبل الإعلان عن الاندماج الأخير مع فصائل “الجبهة الوطنية للتحرير”، شملت الهيكلية العسكرية لـ “الجيش الوطني” قيادة عسكرية موحدة لجميع الفصائل في منطقة “درع الفرات” (ريفي حلب الشمالي والشرقي)، وانبثقت عنها ثلاثة فيالق تحت مسميات: “فيلق السلطان مراد”، “فيلق الجبهة الشامية”، “فيلق الجيش الوطني”.
وبعد الانتهاء من تشكيل الفيالق جُرّدت الفصائل من المسميات، ووُزعت على ثلاث فرق في كل فيلق، وثلاثة ألوية ضمن كل فرقة، إضافة إلى ضم كل لواء لثلاث كتائب من المقاتلين.
ويضم الجيش الجديد كلًا من “الجيش الوطني” الذي شُكّل في كانون الأول 2017، إلى جانب “الجبهة الوطنية للتحرير”، التي شُكّلت من 11 فصيلًا من “الجيش الحر” في محافظة إدلب، في أيار 2018.
وعقب عملية الاندماج أصبح “الجيش الوطني” يتألف من سبعة فيالق، ثلاثة لـ “الجيش الوطني” وأربعة ستُشكل من “الجبهة الوطنية”، بتعداد يصل إلى 80 ألف مقاتل، بحسب ما أعلنه الائتلاف المعارض التي تتبع له “الحكومة المؤقتة”.
ولكن، هل يمكن اعتبار “الجيش الوطني” مؤسسة عسكرية متكاملة؟
سؤال وجهته عنب بلدي للباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ساشا العلو، الذي يقول إن “الجيش الوطني” ببنيته الحالية لا يمكن اعتباره كمؤسسة عسكرية متكاملة، أو حتى تجمع عسكري متكامل ومحترف.
مؤسسة عسكرية غير متكاملة
يوضح العلو لعنب بلدي أن “الجيش الوطني” يفتقد العناصر الأساسية للمؤسسة العسكرية والمتعلقة بداية بقيادة مركزية موحدة تفرض قرارات عسكرية نافذة ضمن هيكلية واضحة وتراتبية عسكرية محددة كأي جيش، وهذا ما يُفتقد في هيئة الأركان أو وزارة الدفاع التي تعتبر هيئات وأجسامًا شكلية.
ما سبق يقابله، بحسب العلو، “البنية غير المتجانسة بين المدنيين والعسكريين داخل صفوف هذا الجيش، وهو ما فرضته طبيعة العسكرة خلال الثورة السورية، إضافة إلى البنية الفصائلية والمناطقية القائمة عليها تركيبة الجيش، وسط تعدد الأيديولوجيات المختلفة والولاءات المتعددة، الأمر الذي يحول دون تشكيل عقيدة حقيقية، ناهيك عن نقص التدريب والتأهيل والتجهيزات اللوجستية”.
ولعل الأهم مما سبق كركائز يفتقدها “الجيش الوطني” للوصول إلى شكل المؤسسة العسكرية هو غياب العقل السياسي، سواء داخل قيادة هذا الجيش أو عبر مؤسسة سياسية رديفة، وفق العلو، الذي يشير إلى أن “الجيش الوطني لا يخضع لأي مؤسسة سياسية، كما أن مؤسسات المعارضة السياسية لا تملك أي سلطة على تشكيلاته، لذلك لا يصح القول إنه مؤسسة عسكرية أو حتى تجمع عسكري متكامل”.
ائتلاف فصائل
بالنسبة للهيكلية التي بني عليها “الجيش الوطني” يرى العلو أنها عبارة عن هيكلية فصائلية، أي إن كل فصيل أو تشكيل عسكري ضمن هذا الجيش حافظ على بنيته الخاصة مقابل الاندماج في غرف عمليات لتنفيذ أي مهمة موكلة إليه، بمعنى أن عملية دمج تلك الفصائل لم تكن عملية حل وإعادة تشكيل، وإنما عملية توحيد وتنسيق جهود واسم لا أكثر، “لذلك يمكن اعتباره ائتلاف فصائل”.
وتتعدد الأدوار التي يلعبها “الجيش الوطني”، بحسب الباحث السوري بتعدد الفصائل المنضوية تحته واختلاف مناطق النفوذ والسيطرة واختلاف الولاءات والأيديولوجيات.
ويشير العلو إلى أن أنه لا يمكن تحديد دور واحد يقوم فيه كبنية عسكرية متماسكة، فالدور الذي تقوم فيه تشكيلات الجيش الوطني في ريف حلب، والذي يقترب من كونها قوى أمن داخلي تتوحد فقط في مواجهة أي خطر يهدد مناطقها، يختلف عن الدور الذي تلعبه تشكيلات “الجيش الوطني” في إدلب وريف حماة، سواء التي تتصدى منها لقوات النظام، أو تلك التي تفرض نفسها كقوى أمر واقع في مناطق نفوذها، أو غيرها من التشكيلات التي تخوض معارك عن دول أخرى.
ويرى الباحث السوري، أن تعدد الأدوار التي تؤديها الفصائل المنضوية في “الجيش الوطني”، يصعّب تحديد ما إذا كان “جيشًا وطنيًا” أم لا، “بالنظر إلى معيار القيمة الذي يستدعي تنفيذ أولويات داخل الحدود الوطنية”.
ويشير العلو إلى أنه “بالنظر إلى المعارك والمهام التي تخوضها بعض التشكيلات، سنجد أنها تتجاوز الحدود الوطنية وفق أولويات غير سورية أو ثورية، وبناءً عليه يبقى اصطلاح الجيش الوطني تسمية شكلية قد لا تتوافق في كل الأحوال مع مضمونها”.
سليم إدريس..
حجر الزاوية في استراتيجية الدول لبناء “جيش وطني”
إقالة بعد خلافات عسكرية، واستقالة لعدم توفر الإمكانيات، وتكليف بتأسيس جيش وطني في الشمال. ثلاث مراحل قد تلخص مشوار الأكاديمي العسكري اللواء سليم إدريس، الذي تخلله كثير من الغموض والتساؤلات إلى جانب الاتهامات التي وجهت إليه بارتهانه للسياسات الخارجية.
بعد 35 عامًا قضاها إدريس في جيش النظام السوري، وفي 20 من تموز 2012، بدأ المهندس عمله في صفوف الفصائل المعارضة من مدينة إدلب، بعد انشقاقه عن النظام السوري، وتأمين عائلته في مخيم الضباط في تركيا.
يُعرف باعتداله ورفضه للجماعات والفصائل المتشددة دينيًا وعقائديًا، إلى جانب خبرته وإدارته وأكاديميته العسكرية، كونه يتقن ثلاث لغات برمجة، ويحمل إجازة في الهندسة الإلكترونية من جامعة حلب 1982، إضافة إلى حصوله على ماجستير في تقنية المعلومات من المعهد العالي لعلوم النقل والمواصلات في ألمانيا عام 1987.
هذه الصفات جعلت إدريس محط أنظار وتوافق الدول، التي تصف نفسها بالداعمة والصديقة لسوريا وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، منذ الأيام الأولى لانشقاقه، الأمر الذي جعله يترأس هيئة أركان “الجيش الحر” بعد انشقاقه بثلاثة أشهر فقط، في كانون الأول 2012.
وعمل إدريس، الذي ولد في عام 1958 في بلدة المباركية بريف حمص الغربي، خلال ترؤسه أركان الجيش الحر مستفيدًا من قربه من الولايات المتحدة الأمريكية والدعم العسكري الذي قدمته له من ذخائر ومعدات عسكرية، لتشكيل جيش وطني نظامي وفق تراتبية عسكرية بقيادة موحدة.
هدف إدريس وقدرته على بناء قوة عسكرية منظمة جعله محط اهتمام من قبل الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، الذي راهن عليه في التصدي للمتشددين والمتطرفين وإلحاق الهزيمة بالنظام السوري، إذ اعتبره الكاتب في صحيفة “واشنطن بوست” المقرب من الإدارة الأمريكية، ديفيد اغناطيوس، في مقال نُشر في 1 من أيار 2013، بأنه حجر الزاوية الاستراتيجية الجديدة للإدارة الأمريكية.
إلا أن الحليف الأمريكي لم يكن على قدر الوعود الكبيرة بتقديم السلاح النوعي والمال لـ “هيئة الأركان” من أجل بناء جيش منظم، ليبدأ إدريس بإظهار حالة التململ من دعم الدول عبر الإعلام، قبل أن يُقال بشكل مفاجئ من رئاسة الأركان في شباط 2014، من قبل المجلس العسكري المؤلف من 30 شخصًا.
رفض إدريس الإقالة واعتبرها غير قانونية، ووجه اتهامات كبيرة لرئيس الائتلاف حينها، الذي عمل على إقالته، أحمد الجربا، ووصفه بالديكتاتور الجديد في سوريا.
وفي مقابلة مع “التلفزيون العربي” في برنامج “في رواية أخرى” في آذار الماضي، أرجع إدريس أسباب فشله في تشكيل جيش وطني، إلى معارضة قادة الفصائل الموجودين على الأرض، وخاصة الإسلامية، خوفًا على مصالحها، إلى جانب عدم رغبة الدول الداعمة للثورة السورية بتشكيل جيش نظامي قادر على إسقاط النظام، قائلًا “لا يريد أحد أن يشكَّل جيش وطني، لا أمريكا ولا بريطانيا، واستخدموا أدواتهم لمنع ذلك”.
كما أظهر سليم إدريس، خلال تصريحاته الإعلامية المختلفة، حرصه على تشكيل جيش وطني للثورة السورية، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة المؤقتة، أحمد طعمة، مطلع عام 2015، إلى تعيينه وزيرًا للدفاع.
ولم تمضِ أربعة أشهر حتى قدم استقالته، لعدم توفر الإمكانيات لتشكيل الجيش، وعدم امتلاكه أي شيء ليقدمه للشعب والثورة السورية والمقاتلين على الأرض، بسبب انقطاع الدعم من الدول الداعمة، بحسب قوله في مقابلة تلفزيون “العربي”.
لكن بعد غياب عن الساحة لأعوام أربعة مضت، ظهر إدريس فجأة في 31 من آب الماضي، عندما عُيّن مجددًا وزيرًا للدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، برئاسة عبد الرحمن مصطفى.
وكان التعيين الجديد على عكس سابقه، نتيجة وجود إرادة من الدول الداعمة وفي مقدمتها تركيا، بموافقة أمريكية، على دمج الفصائل المقاتلة في الجيش الحر بجيش وطني واحد برئاسة إدريس الذي اعتبر في مؤتمر صحفي في أثناء إعلان الاندماج، في 4 من تشرين الأول الحالي، أن تشكيل الجيش جاء متأخرًا.
وحقق إدريس هدفه بعد ثماني سنوات من عمر الثورة، لكن بهدف لا يبدو متوافقًا مع أهداف إدريس الأولى، التي لخصها في لقائه التلفزيوني الأخير بـ “الوقوف في وجه آلة النظام العسكرية وحماية 65% من مساحة الأراضي التي كانت بيد الفصائل قبل قضمها بعد التدخل الروسي”.
مصالح وطنية أم خدمة لتركيا
كيف يضبط “الجيش الوطني” بوصلته؟
على الرغم من أن أهداف “الجيش الوطني” الجديد المُعلنة هي “تحرير البلاد من الطغاة والحفاظ على وحدة وسلامة تراب الوطن سوريا والدفاع عن الساحل ومدينة إدلب”، ومع حديث وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة، سليم إدريس، عن هدف الجيش بتأمين مساحات آمنة لعودة اللاجئين، لكن السياق السياسي والعسكري الذي شُكّل ضمنه الجيش، يترك تساؤلات عدة حول إمكانية تنفيذ تلك الأهداف المعلن عنها.
الظرف السياسي والعسكري
استضافت تركيا في 15 من أيلول الماضي، قمة ثلاثية لزعماء تركيا وروسيا وإيران، لبحث ملف إدلب، ليعلن بعدها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال مشاركته في أعمال الجلسة العامة لمنتدى “فالداي” للحوار الدولي، في 3 من تشرين الأول الحالي، أن “الأعمال القتالية واسعة النطاق انتهت فعلًا في سوريا”.
كما خاضت أنقرة في الأشهر الماضية جولات من المحادثات مع واشنطن لتمهيد الطريق أمام عمليتها العسكرية شرق الفرات، التي بدأت بالفعل في 9 من تشرين الأول الحالي، بعد أيام من اتصال جرى بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ونظيره الأمريكي، دونالد ترامب، حيث اعتُبر هذا الاتصال ضوءًا أخضر لتركيا و”الجيش الوطني” السوري المشارك بقوة في هذه العملية.
كما جاء الاندماج والإعلان عن تشكيل “الجيش الوطني” الجديد في ظل التحركات التركية الأمريكية بشأن إقامة منطقة آمنة شمال شرقي سوريا، وتلاه مباشرة إعلان تركيا عن بدء عملية “نبع السلام” لإبعاد “قوات سوريا الديمقراطية” عن حدودها الجنوبية، والتمهيد لتنفيذ الرؤية التركية لمشروع المنطقة الآمنة.
التقاء مصالح أم تنفيذ أهداف؟
للوقوف على طبيعة العلاقة بين “الجيش الوطني” وتركيا، حاولت عنب بلدي التواصل عدة مرات مع الناطق باسم “الجيش الوطني” الرائد يوسف حمود، لكنه اعتذر عن عدم الإجابة لـ “الانشغال في معركة شرق الفرات”.
ويرى المحلل العسكري، العقيد أحمد حمادة، أن تركيا تدرّب وتدعم “الجيش الوطني” لأن هناك التقاء أهداف ومصالح بينهما، معتبرًا أن مساحة اتخاذ القرار بالنسبة لـ “الجيش الوطني” تحددها الوقائع والمصالح المشتركة والاستراتيجية مع تركيا، وهو ما يفرض المشاورة والتنسيق بين الطرفين.
ويتوقع حمادة أن مستقبل العلاقة بين “الجيش الوطني” وتركيا سيختلف بعد انتهاء العمليات العسكرية في سوريا، و”ستكون علاقة ترسمها المصالح ويختارها الشعب الذي يدرك مصالحه”.
“الهدف: عملية شرق الفرات”
أجرت جريدة عنب بلدي استطلاعًا للرأي عبر صفحتها على “فيس بوك”، سألت عبره متابعيها ” برأيك.. ما سبب الإعلان عن اندماج فصائل الجيش الوطني؟”.
82٪ من المشاركين في الاستطلاع، الذين فاق عددهم 1500، اعتبروا أن الهدف هو بدء المعركة التركية في شرق الفرات، التي أُطلق عليها اسم “نبع السلام”، بينما رأى 18٪ فقط من المشاركين أن هدفه حماية الشمال السوري.
وجاءت التعليقات على منشور الاستطلاع متوافقة مع نسب التصويت، إذ تضمنت أغلب التعليقات اتهامات لـ “الجيش الوطني” بالتبعية لتركيا، واعتبر جزء من المعلقين أنه “أداة بيد الأتراك”.
إمكانية الدمج وإعادة الهيكلة
ما مستقبل “الجيش الوطني”
مع قرب دخول الثورة السورية عامها التاسع، والتحركات التي يتم العمل عليها للوصول إلى حل سياسي، بعد سنوات من العمليات العسكرية في مختلف المناطق، تبقى عدة تساؤلات عالقة عن شكل الدولة التي ستشهدها سوريا، والمؤسسة العسكرية وهيكليتها المستقبلية، ولا سيما في ظل وجود جيشين حاليًا، يختلفان في البنية والعقيدة، الأول هو “الجيش السوري” والثاني هو “الجيش الوطني”.
وبينما تتحكم روسيا وإيران في الأول، تعتبر تركيا الطرف الأبرز في تشكيل الثاني وصاحبة القرار في تحركاته العسكرية، وهو ما بدا مؤخرًا في عملية شرق الفرات ضد القوات الكردية، وقبلها في منطقة عفرين.
عند الحديث عن الحل السياسي في سوريا، فإن ذلك يرتبط بعدة خيارات، يتصدرها حاليًا الدستور السوري، الذي من المفترض أن تضعه اللجنة الدستورية السورية، ومن ضمنها أيضًا مصير الجماعات المسلحة على الأرض، سواء المنظمة أم غير المنظمة، وإمكانية حلّها أو دمجها في مؤسسة عسكرية واحدة، كخطوة تندرج في حفظ الأمن، ووقف الصراعات.
خيارات الدمج
بحسب الباحث السوري ساشا العلو، فإن إمكانية دمج “الجيش الوطني” أو تشكيلات المعارضة العسكرية عمومًا بجيش النظام السوري، قائمة ومتاحة وأحد الخيارات المطروحة ضمن أي حل سياسي وضمن إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية السورية عمومًا.
ويقول، إن الحديث عن إمكانية الدمج يأتي “باعتبار تشكيلات وفصائل الجيش الوطني بالنهاية تشكيلات سورية معارضة ومسلحة وتضم عشرات آلاف المقاتلين، الذين بات وجودهم وسلاحهم أمرًا واقعًا لا يمكن تجاوزه ضمن أي حل سياسي، وإلا سيتحولون إلى تشكيلات عسكرية معطلة ومهددة، خاصة أنها احترفت العمل المسلح خلال سنوات الثورة”.
وعن شكل عملية الدمج وآلياتها، يشير العلو إلى أنها تتوقف بالدرجة الأولى على شكل الحل السياسي وصيغته، وطبيعة القوى الدولية والإقليمية الفاعلة فيه.
ولا تعد عملية الدمج أمرًا مستبعدًا، وفق الباحث السوري، خاصة أنها تمت خلال السنوات الماضية بعد التدخل الروسي وخسارة الكثير من مناطق المعارضة لمصلحة النظام السوري.
وكانت موسكو قد عملت على سياسة إعادة دمج بعض عناصر الفصائل والتجمعات العسكرية المعارضة في فيالق محددة ضمن الجيش النظامي (الفيلق الخامس)، بعد عمليات نزع السلاح الثقيل التي قامت بها، وذلك ضمن التسويات التي فرضتها بالقوة على مناطق كثيرة أبرزها درعا والغوطة وريف حمص.
لكن الفرق بين ما عملت عليه موسكو، وما يمكن أن يتم العمل عليه بعد التوصل إلى حل سياسي، بحسب ما يوضح العلو، هو أن “عمليات الدمج تتم وفق سياق وظروف غير سليمة ويشرف عليها طرف واحد متمثل بموسكو، لذلك تقترب من كونها عمليات إخضاع لعناصر تلك الفصائل من عسكريين منشقين أو مدنيين وتطعيم الجيش النظامي بهم، أكثر من كونها عمليات دمج وإعادة هيكلة حقيقية”.
برامج مخصصة لإعادة الهيكلة
يعتبر التوافق الأمني والسياسي مطلبًا أساسيًا لتطبيق عملية إعادة دمج الجيوش بعد الصراعات، التي تسبقها مراحل بينها نزع السلاح والتسريح، وتتطلب إحراز تقدم متزامن على جبهة التنمية الاقتصادية وسيادة القانون والعدالة الانتقالية.
وتعتمد إعادة هيكلة الجيوش بعد الصراعات المسلحة، خاصة تلك التي تكون فيها أطراف تحمل سلاحًا وهي بوجهات نظر سياسية مختلفة، على شكل وطبيعة الحل السياسي لتلك الصراعات.
ويرى العلو، أن الحل السياسي هو الذي يؤمّن البيئة المناسبة لعمليات إعادة الهيكلة، التي تعتبر برامج إجرائية موحدة، تختلف تفاصيلها وآلياتها باختلاف البيئة، وشكل الصراع الذي تطبق في نهايته.
ولبرامج إعادة الهيكلة، وفق الباحث السوري، جوانب عدة منها إعادة دمج المقاتلين ضمن المجموعات غير النظامية بالمجتمع، وجوانب تتعلق بإعادة إلحاق بعضهم الآخر في الجيش النظامي.
ومنها ما يختص بإعادة إصلاح وهيكلة الأجهزة الأمنية “SSR”، وأخرى تتعلق بالمؤسسة العسكرية، ولعل أهمها نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، التي تعرف اختصارًا ببرامج “DDR”، وتعتبر الخطوة الأولى والأهم لبناء عملية السلام في الدول الخارجة من صراعات ومقدمة لعملية التحول الديمقراطي.
لكن، ومع ما سبق، تعد البرامج المذكورة، بحسب الباحث ساشا العلو، “عملية معقدة ذات أبعاد سياسية وعسكرية وأمنية وإنسانية واجتماعية واقتصادية، وتهدف إلى التعامل مع الإشكاليات الأمنية بعد النزاعات، التي تنتج عن ترك المقاتلين السابقين دون مصادر للحياة أو شبكات دعم سوى العودة لحمل السلاح وذلك خلال الفترة الانتقالية من النزاع إلى السلام ثم التنمية”.
ويوضح العلو أنه وعلى الرغم من وجود برامج ثابتة لعملية إعادة هيكلة الجيوش، سواء الجيش النظامي أو المجموعات المسلحة غير النظامية، فإن “العملية ببرامجها المختلفة قابلة للتسييس والتحكم الدولي والإقليمي بحسب الظرف السياسي الذي يحكمها وبيئة الصراع التي تطبق فيها، خاصة في الظرف السوري”.