معركة شرق الفرات.. وتدوير زوايا الصراع السوري

  • 2019/10/13
  • 12:00 ص

أسامة آغي

انطلاق العمليات العسكرية لقوات “الجيش الوطني” والقوات التركية في شرق الفرات تحت شعار إقامة “المنطقة الآمنة”، يمكن اعتبارها عمليات تندرج ضمن مربّع الصراعات الإقليمية والدولية الجارية على الأرض السورية.

هذه “المنطقة الآمنة” تعبّر وفق وجهة النظر التركية عن ضرورات حاسمة حيال مسألة الأمن القومي التركي، فشرق الفرات الذي تسيطر عليه “قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، بات منطقة تهديد لأمن الدولة التركية، بسبب وجود تحالف حقيقي بين قوات حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وقوات حزب العمال الكردستاني التركي المعادي لتركيا (PKK).

هذا الحزبان تعتبرهما تركيا حزبين إرهابيين، إذ تشعر بخطر وجود قواتهما على تماس مع حدودها الجنوبية، وتحديدًا في جنوب شرقي البلاد، حيث تعيش غالبية أكراد تركيا في هذه المنطقة.

ويعتقد الأتراك أن إقامة “منطقة آمنة”، تمتدّ من حدودهم مع سوريا بطول 450 كيلومترًا، وبعمق داخل الأراضي السورية يبلغ قرابة 30 كيلومترًا، هي هدف عملياتهم العسكرية، هذا الهدف يمكن قراءته بغير طريقة القراءة التركية، فهذه المنطقة إذا ما تمّت إقامتها، ستكون ببساطة قد حقّقت أهدافًا متعددة للدولة التركية.

أول هذه الأهداف يتمثّل بإبعاد “قوات سوريا الديمقراطية” عن الحدود التركية، وثاني هذه الأهداف يتمثّل بتوطين مليوني سوري من النازحين في الخيام أو العراء، أو من اللاجئين المقيمين في تركيا، وثالث هذه الأهداف وهو هدف غير معلن، ويتمثّل بإمساك الأتراك بورقة تفاوض، توضع على طاولة الحلّ السياسي للصراع السوري.

إن سيطرة “قوات الجيش الوطني” وقوات الجيش التركي على هذه المساحة، إضافة إلى مناطق شمال حلب، ومحافظة إدلب، سيعزّز بالضرورة أوراق تركيا ودورها في الحلّ السياسي في سوريا.

إقامة “المنطقة الآمنة” تعني بالنسبة للأمريكيين زيادة نفوذ إقليمي تركي، ورغم تباين المواقف داخل الإدارة الأمريكية من العمليات العسكرية التركية “شرق الفرات”، فإن هذا التباين يمكن احتسابه على الصراع الجاري داخل مؤسسات الإدارة الأمريكية، بين الكونغرس والبنتاغون من جهة، وبين مؤسسة الرئاسة من جهة أخرى، هذا الصراع الذي يزداد أواره مع اقتراب استحقاقات الانتخابات، هو ما يقف خلف هذا التباين.

إنّ موقف إدارة ترامب من ملف وجود القوات الأمريكية في سوريا هو موقف تشير اتجاهاته إلى رغبة الإدارة بسحب قواتها من هذا البلد، ووضع بديل عنها من الحلفاء، ولعلّ تركيا التي تراجعت علاقاتها مع الولايات المتحدة هي الأكثر أهمية لشغل ذلك، لا سيما بعد أن تحركت سياستها نحو الروس قليلًا، وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة، فتركيا دولة صاعدة اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا، وبالتالي يجب أن تبقى حليفًا للغرب.

إن تنازل الأمريكيين أمام تركيا حيال القبول بمبدأ “المنطقة الآمنة”، يعزّز من قرارها بمواجهة قوات حزب “PYD”، الذي تصنّفه تركيا بأنه حزب إرهابي، لأنه عمل على إقامة منطقة “إدارة ذاتية كردية” متاخمة لحدودها الجنوبية، ما يشكّل تهديدًا للأمن القومي التركي وفق وجهة النظر التركية.

إنّ الولايات المتحدة الأمريكية ليست في وارد الاصطدام العسكري مع القوات التركية وقوات حليفها “الجيش الوطني” في شرق الفرات، وهذا اتضح قبل بدء العمليات العسكرية التركية، حيث انسحبت القوات الأمريكية من قواعدها ضمن حدود “المنطقة الآمنة”.

الأمريكيون يريدون استعادة تركيا ودورها كحليف لهم في المنطقة، لخوض صراعاتهم المقبلة، سواء مع الروس أو مع الإيرانيين أو مع غيرهم. أما الأوروبيون فهم يخافون من زيادة نفوذ تركيا في ملف الصراع السوري، فهم يرون أن من يمسك بمساحات من الأرض السورية، يمكنه فرض شروطه، أو تحقيق جزء من أهدافه، وهذا سبب كافٍ للقلق الأوروبي، الذي يخشى من تنامي قدرات الدولة التركية سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا. وقد ظهر هذا القلق الأوروبي من خلال رفض أوروبا لحقّ تركيا في التنقيب عن البترول في البحر المتوسط شمال جزيرة قبرص.

الأوروبيون كما الأمريكيين، لا يريدون تركيا قوية، تفرض وجودها على صعد مختلفة، إقليميًا ودوليًا، لأنها ستكون منافسًا جديًّا لنفوذهم ومصالحهم. والروس والإيرانيون يعرفون هذه المعادلة جيّدًا، ولذلك فمن مصلحة الروس إيجاد تقاطعات سياسية مع الأتراك حول ملف “شرق الفرات”، لأنهم يريدون خروج الأمريكيين من سوريا، فهم يقيمون علاقات تزداد متانة، وقد ظهر ذلك من خلال التفاهمات حول وقف العمليات العسكرية في إدلب، أما الإيرانيون فهم مضطرون للقبول بالدور التركي في “شرق الفرات” بدلًا من الوجود الأمريكي، على اعتبار أن الأتراك يمكنهم رفض سياسة العقوبات الأمريكية بحق طهران، وهو ما يشكّل منفذًا حقيقيًا يمنع وصول حالتهم الاقتصادية إلى عتبة الانهيار نتيجة الحصار الأمريكي عليهم.

أما موقف النظام السوري فيمكن احتسابه على من فقد القدرة على اتخاذ القرارات، بعد أن أصبح القرار بيد الروس والإيرانيين، ولهذا تأتي تصريحاته الرافضة لمعركة “شرق الفرات” على قاعدة تعبئته السياسية لحاضنته المنهكة، التي لا يريد أن يظهر أمامها ضعيفًا وبلا حيلة.

وفق هذه الرؤى والمعطيات، يمكن القول إن استراتيجية حزب الاتحاد الديمقراطي، كانت استراتيجيات عمل سياسي، لا تخدم ملف صراع المعارضة السوريّة مع النظام السوري، ولا تخدم مشروع بناء دولة وطنية ديمقراطية غير فيدرالية، هذه الاستراتيجية تمّ بناؤها وفق رؤى عابرة للوطنية السورية، وكذلك يمكن اعتبارها نواة رؤية لدولة كردية، لا توجد شروط موضوعية أو ذاتية لتحقيقها في هذه المرحلة، وهذا خطأ استراتيجي وقع به حزب “PYD”.

إذًا يمكننا القول إن “المنطقة الآمنة” ومعركة شرق الفرات ليست بالضرورة حلًا ممكنًا وفق الرؤية التركية، إلّا في حالة وجود قرار سياسي دولي غير معلن، يوافق على هذه الخطوة، ولا نعتقد أنّ حكومة الرئيس أردوغان هي من السطحية السياسية، التي يقول بها البعض، بحيث تظهر تركيا وكأنها ابتلعت طعمًا أمريكيًا في هذه المنطقة.

إن معركة شرق الفرات هي معركة تدوير زوايا الصراع، وإخراج الـ “PYD” من معادلة حلّ الصراع السياسي السوري، على اعتبار أن تركيا تعتبر الكرد السوريين ممثلين في مؤسسات الثورة السورية عبر المجلس الوطني الكردي، وأن معركة “شرق الفرات” انطلقت مع قرب انطلاق مفاوضات اللجنة الدستورية.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي