تقرير هنا الحلبي – عنب بلدي/حلب
– قصف متواصل
تعتبر مدينة حلب مدينة منكوبة إذ أصبح قصف الطيران الحربي خلال ساعات اليوم أمرًا مألوفًا واعتاد أهلها النوم على صوت المدفعيات. بلغ عدد الأحياء التي تتعرض للقصف المدفعي والمروحي يوميًا قرابة 25 حيًا بمعدل 60 قذيفة صاروخية في بعض الأحياء من طائرات الميغ أو البراميل المتفجرة مما يحدث أضرارًا هائلة تؤدي إلى تهدم مبانٍ بالكامل وحطمت طائرات النظام أرقامًا قياسية في تحليقها فوق مناطق وأحياء محافظة حلب حيث استمر قصف الطيران الحربي في أحد الغارات على حي الإنذارات مدة 17 ساعة متواصلة.
ورافق هذا القصف انقطاع للتيار الكهربائي لساعات طويلة تصل أحيانًا إلى أيام متواصلة إضافة إلى انقطاع المياه عن معظم أحياء حلب بسبب قصف الأنبوب الرئيسي للمياه والمضخات التي تغذي عددًا من الأحياء ما شكل أزمة حقيقية للسكان.
– نزوح الأهالي
ودفع هذا الوضع الكثير من السكان إلى الهجرة خارج المدينة، أو نزوح من تبقى داخل الأحياء المنكوبة إلى الأحياء الراقية والتي لا تتجاوز نسبتها 30% منها ففتحت لهم المدارس والسكن الجامعي وقدم لهم الأهالي الدعم المادي من وجبات الطعام في رمضان إلى الحصص الغذائية و «الفرش» والملابس وما إلى ذلك من احتياجات الحياة البسيطة، ولعب تجار حلب دورًا رئيسيًا في دعم ومساعدة هؤلاء النازحين كما كان لهم الأسبقية في مساعدة المدن المنكوبة سابقًا منذ اندلاع الثورة وكذلك فتح المغتربون بيوتهم لهؤلاء المنكوبين، حتى البيوت قيد الإنشاء سكنت بغالبيتها مع استقرار بعض العائلات في منصفات الشوارع الرئيسية العريضة ونصب خيم فيها.
– التضييق حتى في لقمة العيش!!
وتزامنت حركة النزوح هذه مع حصار خانق لمدينة حلب مما أدى إلى أزمة في المواد الغذائية وصلت ذروتها في أواخر شهر رمضان حتى كادت تفقد من الأسواق، وعند عودتها للأسواق عن طريق التهريب فإنها توفرت بأسعار مضاعفة وكذلك بالنسبة للبنزين فقد منع النظام وصوله إلى حلب مما أدى إلى ندرته وارتفاع سعره إلى خمسة أضعاف ولازالت مادة البنزين مفقودة كلياً في المدينة وتباع عن طريق التهريب على الأرصفة وأدى النقص الحاد في الوقود خاصة المازوت بالإضافة إلى قلة المواصلات وصعوبة الوصول إلى عدة مناطق خاصة الصناعية منها إلى جمود الاقتصاد, حيث توقفت المعامل في منطقة «الشيخ نجار» الصناعية فانعكس ذلك على أسواق البلد الرئيسية خاصة منطقة «المدينة» مما أفقد الناس وظائفها خاصة العمال منهم وأدى إلى انهيار الوضع الاقتصادي ودفع هذا الوضع بعض الناس إلى عرض بضائعهم على الأرصفة في تلك المناطق الراقية بغرض كسب العيش, فما لبث أن اكتظت الشوارع بـ «البسطات» التي انتشرت بكثافة لتشمل بيع الخضار والأطعمة والملابس وكافة مستلزمات الحياة، حتى بيع البنزين وإصلاح إطارات السيارات!! وشملت هذه الأزمة حليب الأطفال والخبز, حيث يضطر المدنيون أحيانًا إلى الوقوف عدة ساعات للحصول على ربطة الخبز التي وصل سعرها في ذروته إلى 100 ليرة سورية, ناهيك عن تعرض المدنيين للقصف الحربي أثناء وقوفهم في الطوابير عند الأفران, ووصل عدد الأفران المستهدفة خلال شهر واحد إلى 10 أفران.
وانتشرت في حلب في الآونة الأخيرة ملاحقة الشباب وسوقهم إلى خدمة الجيش سواء من الأفران أو من حافلات النقل العامة أو من كافة الحواجز التي نشرها النظام في المدينة, ولم تكن لتستثني حتى المعفى من الخدمة العسكرية أو الشاب الوحيد لأهله.
– صعوبة دفن الشهداء وعلاج الجرحى
تبلغ قمة مأساة الشعب الحلبي في إمكانية وصول النازحين إلى بيوتهم بهدف تفقدها فالقناصة لهم بالمرصاد ويستحيل سحب جثث الشهداء من الشارع, فتترك الجثة لتنتفخ وتتفسخ وتتحلل وقد تكون وليمة للقطط والجرذان ومن يحالفه الحظ في انتشال جثة شهيد فإن الوصول إلى المقابر قمة المخاطرة بالإضافة إلى انعدام الأكفان وسيارات دفن الموتى وإن دفن الميت فلا تراب لطمر القبر فتدخل الجرذان لتلك القبور وتأكل الجثث.
أما من قدر له أن يصاب ولا يفارق الحياة فعليه أن يقصد المشافي الميدانية, لأن الذهاب إلى المشافي العامة في المناطق الآمنة قد يتسبب في اعتقال المسعف أو المصاب مع تواضع إمكانيات هذه المشافي الميدانية ونقص حاد في الأدوية والكوادر الطبية فيها. ووسط كل هذه الظروف المأساوية, يعيش أهل حلب مسلحين بالأمل في القضاء على هذه العصابة الحاكمة التي أذاقتهم الويلات.