سياسة التهجير.. فلسطين أخرى
جريدة عنب بلدي – العدد 32 – الأحد – 30-9-2012
يبدو أن نظام الأسد «المقاوم» «الممانع» الذي تربى على أيدي أساتذته في النظام الإسرائيلي قد تعلم الدرس جيدًا وحان وقت تطبيقه عمليًا على أرض الواقع. فسياسة الأرض المحروقة التي اتبعها الإسرائيليون في فلسطين تعاد اليوم في سوريا وأمام ناظر الجميع، وعلى يد النظام السوري ضد الشعب السوري، دون أن ينبس المجتمع الدولي ببنت شفة!! فما هذه السياسة إلا استمرار لنهج الحكومة الإسرائيلية وتطبيق واسع النطاق للرؤية الإسرائيلية على الأراضي السورية على يد نظام الممانعة والمقاومة!!
فنظام الأسد الذي عجز عن وقف المد الثوري وقَتْل عزيمة الثوار، قرر إتباع سياسة التهجير «المجرّبة» بعد أن فشلت سياسة التجويع والحصار التي اعتمدها قبل ذلك، حين حاصر المدن الثائرة ومنع عنها الماء والكهرباء والغذاء، وحاربها حتى برغيف الخبز، فصمد معظم السوريون الجائعون للحرية في بيوتهم غير آبهين بالجوع، فارتكن النظام إلى زيادة وحشية القصف بمعدل تنهار أمامه مستويات الصبر والتحمل، عندها بدأ البعض بترك منازلهم والنزوح إلى مناطق أخرى أكثر أمنًا داخل المدن في حركة نزوح داخلية لتتعداها إلى حركة نزوح خارجية مع استمرار استهداف الأماكن التي لجأ إليها النازحون. ورغم ذلك، بقي الكثيرون داخل مدنهم رافضين هجر البيوت والأوطان. فقرر نظام الأسد إتباع سياسة المجازر واقتحام المدن تحت غطاء من القصف الجوي والمدفعي والصاروخي مستعينًا بالطائرات المروحية والحربية، ليرتكب أفظع المجازر التي لم تشهد لها الإنسانية مثيلًا، ولا حتى تلك التي ارتكبتها إسرائيل «الدولة العدو»!! فيدخل شبيحة النظام ممتشقين «سكاكينهم» ليذبحوا المدنيين العزل ويمثلوا بجثثهم أمام أعين أهاليهم ويتركوا في معظم الأحيان شاهدًا وحيدًا يروي للجميع وحشية النظام، ليزرع الخوف في قلوب من لم يشهد ما شهدته عيناه والسماء تمطر على بيوت المدنيين صواريخ وبراميل متفجرة من الطائرات المروحية والحربية لتعمل عملها في سياسة التدمير هي الأخرى. فالبراميل التي يلقيها سلاح الجو تدمر أبنية بأكملها، وتخفي تحت ركامها جثثًا لعوائل كانت تقيم يومًا داخل بيوت ضمتها تلك الأبنية، ويضطر الناجون إلى هجر مدينتهم لسبب وحيد ووجيه، أن لا منزل يؤويهم بعد الآن. سياسة وصلت إلى حد استخدام الجرافات لاجتثاث البيوت من أماكنها وإجبار أهلها على تركها أو حرق البيوت والمحال التجارية وبالتالي يضطر السكان إلى ترك منازلهم مخلفين ورائهم سيلَا من ذكريات والكثير الكثير من الألم.
وتأتي هذه السياسة في خطة لتغيير ديموغرافي وجغرافي في المناطق والمدن السورية، والمثال يتكرر في كل المدن السورية، فالنظام يعمل على إفراغ المدن الثائرة من ساكنيها وتدمير بيوتهم وبذلك يضمن عدم عودتهم على الأقل في القريب العاجل ليستولي عليها ويجعل منها ثكنات عسكرية أو مقار لشبيحته، وبالتالي يعمل على إفراغها بغرض استبدالهم بـ «مستعمرين» جدد يؤيدون النظام وبذلك يظن النظام أنه يُفرغ المدن الثائرة من «معارضيه» ويحاول ربط هذه المدن والمناطق جغرافيًا بمناطق موالية له لتمتد رقعة المناطق التي يسيطر عليها النظام.
ولم تكن هذه الفكرة وليدة اللحظة، فالمساحات السكنية الشاسعة الامتداد حول العاصمة دمشق من العشوائيات كانت ولا تزال عرضة للتدمير بحجة «التنظيم» مما يجبر أهلها على هجرها والتوجه إلى مدن ومناطق الريف النائية وترك المدينة لتصبح مقرًا لأزلام النظام ومؤيديه من الطبقة «الحاكمة» سياسيًا أو اقتصاديًا.
ومع إفراغ هذه المدن من ساكنيها وتدمير أبنيتها ومحو معالمها السكانية والجغرافية، تصبح الفرصة عظيمة أمام نظام الأسد لإعادة الإعمار والتوطين، ولكن على طريقته الخاصة وعلى هواه!!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :