عنب بلدي – ميس حمد
على مدى عشر سنوات، تكرر مصطلح “طرح سندات الخزينة السورية والأذونات للاكتتاب العام”، كان أولها عام 2010، حين حُدد الطرح لتمويل مشاريع في مجال الطاقة الكهربائية، لكن بدء الثورة السورية ودخولها المعترك العسكري غيّر الهدف من طرح السندات للاكتتاب العام.
خلال العام الحالي، حاول مصرف سوريا المركزي إبقاء سعر صرف الليرة السورية مستقرًا مقابل الدولار، لكن خسارات قيمة الليرة تلاحقت في مؤشر عكسي غير متوقع مع تقدم قوات النظام السوري في مدن وبلدات ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، حتى بلغ سعر الصرف في أيلول الماضي 700 ليرة مقابل الدولار الواحد، ما أدخل اقتصاد سوريا في “غيبوبة”.
تضاربت التصريحات بين حاكم مصرف سوريا المركزي، حازم قرفول، ونائبه، محمد حمرة، فأحدهما يؤكد تدخل المصرف المركزي في ضخ الصرف الأجنبي لإنعاش الليرة، وآخر ينفي مشاركة المصرف “ولا بليرة”، بينما أثار تصريح رئيس الحكومة، عماد خميس، حول استنزاف الحرب للقطع الأجنبي في خزينة الدولة عام 2016 تساؤلات حول قيمة الموجودات من القطع الأجنبي في خزينة الدولة، وما إن كانت احتمالات إفلاس الدولة السورية قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى.
وتواردت حلول إسعافية لتعافي الاقتصاد السوري، بعضها جاء على هيئة “تبرعات” من رجال أعمال اقتاتوا من الحرب السورية، كسامر الفوز وسامر القاطرجي، وسط مشاركة أعمدة الاقتصاد السوري السابقين مثل سامر الدبس ومحمد حمشو وغيرهم، وأخرى جاءت على هيئة دراسة أعدتها “هيئة الأوراق المالية” معلنة عن طرح سندات خزينة الدولة للاكتتاب العام، خلال الجلسة الأسبوعية لمجلس الوزراء في 1 من تشرين الأول الحالي.
وقرر مجلس الوزراء طرح سندات وأذونات خزينة الدولة للاكتتاب العام، وبحسب ما قال المجلس عبر موقعه الرسمي، الأحد 29 من أيلول الماضي، فإن المطالبة بطرح سندات الخزينة تأتي من أجل تمويل مشروعات استثمارية في قطاعي الاقتصاد والخدمات، ضمن مراجعة شاملة للسياسة الاقتصادية.
الطرح الحكومي جاء بعد الخسارة الكبيرة التي منيت بها أغلب القطاعات الحيوية، وعدم قدرة الحكومة في الوقت الحالي على تمويل مشاريعها، بسبب توقف عجلة الإنتاج واستحالة إعادة تدويرها مع ازدياد العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.
ما هي سندات الخزينة؟
تعرف سندات الخزينة بأنها قروض تصدرها الدولة ومؤسساتها للاكتتاب العام، وتحصّل الحكومة قيمتها من الأفراد (أو الهيئات).
وتمتاز هذه السندات بأنها طويلة الأجل (قد تصل إلى 30 عامًا)، يحق لمشتريها الحصول على عائد سنوي على شكل فائدة ثابتة.
وبالعادة، تستخدم السندات وتطرح للاكتتاب العام بغرض إحداث تنمية اقتصادية ورفد خزينة الدولة بعائدات، وتسمى “قروض إنتاج” أو “قروض تنمية”، وقد تلجأ إليها الحكومات لتمويل حروبها، وفق مسمى “قرض حربي” كما فعل “بنك بريطانيا”، الذي طرح سندات الخزينة للاكتتاب العام في 1693 خلال الحرب ضد فرنسا.
تتعهد الدول عادة بتسديد قيمة الفائدة المترتبة على الاستكتاب في سندات خزينتها، بفائدة ثابتة كل ستة أشهر، مقابل الالتزام بدفع قيمة السند عند تاريخ استحقاقه، ويتم ذلك وفق تقييم من قبل وكالات التصنيف الائتماني كوكالة “موديز” و”ستاندرد آند بورز” لتقدير هامش الخطر في اقتصاد البلد المعني، وقدرته على تسديد التزاماته للدائنين، وهو ما يسمى بـ”المخاطر الائتمانية”.
وتعرضت أغلب القطاعات الاقتصادية في سوريا إلى خسائر كبيرة، خلال سنوات الحرب الماضية، وبحسب ما قاله رئيس الحكومة، عماد خميس، على هامش أعمال الملتقى النقابي الثالث لمواجهة الحصار الاقتصادي على سوريا، في 8 من أيلول الماضي، فإن كلفة الأضرار التي لحقت بمؤسسات الدولة تجاوزت 45 ألف مليار ليرة سورية (87 مليار دولار).
وأوضح خميس أن 28 ألف مبنى حكومي ونحو 188 معملًا وشركة صناعية حكومية تعرضت للتدمير الكلي أو الجزئي.
كما تعرض قطاع الصناعة إلى خسائر وصلت إلى ملياري دولار، بحسب ما قاله وزير الصناعة السابق، محمد مازن يوسف، في أيلول الماضي لوكالة “سبوتنيك” الروسية، أما قطاع النفط فقدر الوزير، علي غانم، في كلمة له أمام مجلس الشعب، في 3 من تشرين الأول الحالي، أن خسائر القطاع وصلت إلى 81 مليار دولار كخسائر مباشرة وغير مباشرة.
ليست المرة الأولى
في عام 2010، كانت خطوة الدولة السورية نحو طرح سندات الخزينة والأذونات للاكتتاب هي الأولى، بغرض تمويل مشروعات للبنية التحتية، واعتبر القرار آنذاك خروجًا عن المنهج السابق بالاستناد إلى البنك المركزي في الاقتراض الداخلي.
وأوضح وزير المالية آنذاك، محمد الحسين، في تصريح صحفي أن الدولة ستصدر أذونات خزينة لمدة ثلاثة أشهر وستة أشهر بقيمة إجمالية تبلغ ملياري ليرة سورية (42.6 مليون دولار بسعر صرف عام 2010).
وأضاف أن هناك مزادًا لثلاثة سندات في مرحلة لاحقة قيمة كل منها مليار ليرة (41.3 مليون دولار) تختلف مدتها من سنة واحدة وثلاث سنوات إلى خمس سنوات، موضحًا أن هذه السندات ستسخدم في تمويل مشاريع في مجال الطاقة الكهربائية.
لكن وزير المالية الذي تلاه، محمد جليلاتي، أوقف طرح سندات الخزينة، في حزيرن 2012، بشكل مؤقت، مبررًا ذلك بعدم الحاجة إلى سيولة.
في حزيران من العام 2016، عزم المصرف المركزي مرة أخرى طرح سندات الخزينة للاكتتاب بعد وصول سعر الليرة السورية إلى 600 ليرة للدولار الواحد، وكلف مجلس النقد والتسليف بإعادة النظر في نسب الفوائد المصرفية وموضوع إصدار سندات وأذونات خزينة.
وفي 28 من حزيران الماضي، وافقت اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء على مقترحات وزارة المالية لإصدار أذونات خزينة لمدة عام واحد فما دون، وطرحها للاكتتاب خلال عام 2019، من أجل “تمويل جزء من فجوة الاحتياجات وتوجيهها مستقبلًا نحو المشاريع الاستثمارية ذات المردود الاقتصادي الجيد”، بحسب ما ذكرت صفحة رئاسة مجلس الوزارء في “فيس بوك“.
جدوى الطرح.. خاسر
وفي حديث إلى عنب بلدي، تحدث المستشار القانوني لحل النزاعات خالد شبيب، حول أهمية طرح سندات خزينة الدول للاكتتاب العام في أوقات السلم، وتبعاتها على الدولة في الحروب.
وأوضح شبيب أن طرح سندات الخزينة يتم من قبل الدولة، وهي وسيلة طبيعية في وقت السلم لتنفيذ خطة الموازنة العامة السنوية، لقاء فائدة مجزية ومضمونة ومأمونة الجانب، كونها صادرة عن الدولة.
لكن طرح سندات الخزينة في الحالة السورية غير مجدٍ، بحسب شبيب، بسبب مستويات التضخم نتيجة ما طرأ على العملة الوطنية، ولأن عدم استقرار الاقتصاد يجعل الاكتتاب بعيدًا عن حقيقة تنفيذه.
وأضاف شبيب أن طرح سندات خزينة الدولة للاكتتاب في وقت الحرب، يعين على تمويل الاقتصاد الوطني ودعمه، ووقايته من الانهيار، لكن لا قيمة اقتصادية ملموسة لتلك السندات لدولة منهارة اقتصاديًا ومحتلة من قبل عدة دول وتجثم على أرضها 39 قاعدة عسكرية، وتورطت في هدم البنية التحتية للدولة، وتسببت في تغييب رجال النشاط الاقتصادي من تجار وأيدٍ عاملة.
وحول جدوى طرح سندات الخزينة في سوريا ومن يمكنه الشراء، قال شبيب، “لا يقتصر طرح سندات الخزينة العامة على رجال الأعمال السوريين في الداخل أو الخارج أو على دولة معينة مثل الصين أو روسيا (…) ولكن من سيشتري سندات خزينة دولة منهارة اقتصاديًا، تنهار فيها الليرة السورية يومًا بعد يوم، ويأكلها التضخم الرهيب؟”.