الجيش الوطني.. هدف تركي أم خطوة فرضتها المرحلة
عنب بلدي – مراد عبد الجليل
بعد ثماني سنوات من النزاع في سوريا، أعلنت فصائل الجيش الحر (الجبهة الوطنية للتحرير في إدلب والجيش الوطني في ريف حلب) في الشمال السوري اندماجها تحت مظلة وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، في مؤتمر صحفي من مدينة أورفا التركية، في 4 من تشرين الأول الحالي.
الاندماج جاء بعد دعوات متكررة، منذ الأيام الأولى لتحول الثورة السورية من حالة السلمية إلى العمل المسلح، للفصائل العسكرية بمختلف توجهاتها وداعميها إلى نبذ الخلافات بينها والتوحد تحت كيان وجسم عسكري موحد وراية وهدف واحد فقط وهو إسقاط النظام السوري عسكريًا.
لكن اختلاف الفصائل باختلاف اللاعبين والداعمين الدوليين، الذين سعى كل طرف منهم إلى إيجاد شريك محلي يؤمّن له مصالحه عبر تقديم الدعم المالي والعسكري له، حوّل سوريا إلى ساحة حرب بالوكالة لقوى دولية، الأمر الذي كان حجر عثرة أما الاندماج والتوحد.
كما لعبت المواجهة العسكرية بين الفصائل في مختلف المناطق، بسبب اختلاف التوجه العقائدي أو بهدف بسط السيطرة باختلاف الداعم، دورًا في إضعاف الفصائل، وحولت بوصلة اهتمامها من قتال النظام على الجبهات إلى اقتتالها الداخلي، ما سهل على قوات النظام السوري اقتحام كثير من مناطق المعارضة والسيطرة عليها، وخاصة خلال العامين الماضيين.
وعلى الرغم من ترحيب قادة عسكريين معارضين بعملية الاندماج الحالية، باعتبارها خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن سياق الحالة السياسية والعسكرية التي سبقت عملية الاندماج واختيار الفصائل أرضًا تركية، وتصدر العلم التركي طاولة المؤتمر الصحفي في أثناء الإعلان عن توحد الفصائل، طرح كثيرًا من التساؤلات والتحليلات عن توقيت وأهمية الاندماج والهدف من ورائه.
تحركات سبقت عملية الاندماج
توحد الفصائل سبقته تحركات على الصعيد العسكري والسياسي للدول الضامنة لمحادثات “أستانة” (روسيا وتركيا وإيران) وخاصة لتركيا، التي حاولت توجيه بوصلة الاهتمام نحو عمليتها العسكرية المرتقبة في شرق الفرات ضد “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، لذلك عملت على تفكيك أي معوقات قد تقف عثرة أمام أهدافها، وخاصة ملف إدلب.
واستضافت أنقرة، في 15 من أيلول الماضي، قمة ثلاثية لزعماء تركيا وروسيا وإيران، لبحث ملف إدلب، ليعلن بعد ذلك الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال مشاركته في أعمال الجلسة العامة لمنتدى “فالداي” للحوار الدولي، في 3 من تشرين الأول الحالي، بأن “الأعمال القتالية واسعة النطاق انتهت فعلًا في سوريا”.
وأكد بوتين أنه “في كل الأحوال، لا يمكن تحقيق حل نهائي من خلال العمليات العسكرية أيًا كانت نتائجها، لهذا السبب يجب الآن العمل على مسائل التسوية السياسية، الأمر الذي نقوم به بإصرار”، في إشارة إلى اتفاق الدول الضامنة على تشكيل اللجنة الدستورية لصياغة دستور جديد لسوريا تحت مظلة الأمم المتحدة، ودعوة اللجنة التي تضم 150 اسمًا، من أطراف المعارضة والنظام والمجتمع المدني، إلى عقد الاجتماع الأول في 30 من الشهر الحالي، بحسب ما أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون، الأربعاء 2 من تشرين الأول الحالي.
التطورات الأخيرة مهدت لتركيا للتحضير لشن عملية عسكرية في شرق الفرات، وهو ما أكد عليه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال كلمة له أمام حزب “العدالة والتنمية”، في 5 من تشرين الأول الحالي، بأن الاستعداد للعملية العسكرية انتهى، وأنها “باتت قريبة، وستكون برًا وجوًا”.
80 آلاف مقاتل مستعدون لشرق الفرات
وعلى الرغم من أن أهداف “الجيش الوطني” الجديد المعلنة هي “تحرير البلاد من الطغاة والحفاظ على وحدة وسلامة تراب الوطن سوريا والدفاع عن الساحل ومدينة إدلب”، بحسب ما أعلن رئيس الحكومة المؤقتة خلال إعلان الاندماج، يوجد هدف آخر واضح أيضًا من تشكيل الجيش الذي يتألف من سبعة فيالق بتعداد يصل إلى 80 ألف مقاتل، بحسب ما أعلن الائتلاف المعارض التي تتبع له الحكومة المؤقتة، وهو المشاركة في العملية العسكرية المرتقبة في شرق الفرات.
من جهته قال وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة، سليم إدريس، خلال المؤتمر الصحفي، إن “منطقة شرق الفرات أرض سورية، وهناك مجموعات إرهابية وعصابات انفصالية من PKK (حزب العمال الكردستاني) وPYD (حزب الاتحاد الديمقراطي) ارتكبت أعمالًا (إرهابية)، ولدينا 350 ألف نازح من المنطقة تركوا ديارهم، إضافة لخروقات حقوق الإنسان في المنطقة”.
وأضاف إدريس، “الجيش الوطني سيقاتل التطرف والإرهاب بكل أشكاله، وأخص بالذكر PKK وPYD”، في تأكيد واضح من قبله على مشاركة الجيش في العملية العسكرية المرتقبة في شرق الفرات.
وبحسب ما أكد مصدر في “الجيش الوطني” لعنب بلدي، تحفظ على ذكر اسمه، فإن تركيا أرسلت تعليمات إلى الجيش وطلبت من قادته رفع الجاهزية استعدادًا لمعركة شرق الفرات، لكن دون تحديد موعد لبدء العملية.
ولاقت عملية اندماج الفصائل صدى واسعًا لدى الشارع التركي، وبرز ذلك من خلال الحضور البارز لوسائل الإعلام التركية وغياب وسائل الإعلام السورية والعربية، إذ خصصت وسائل إعلام تركية تغطية مباشرة في حين وصفت مواقع تركية، ومنها موقع “haber7” ، عملية اندماج الفصائل بـ“التطور التاريخي”، وعنون الموقع إحدى مقالاته بـ “جيش جديد وتطور تاريخي.. رسالة إلى تركيا”.
آلية جديدة للتعاطي مع “تحرير الشام”
توحد الفصائل في جيش واحد بعيدًا عن “هيئة تحرير الشام” جعلها وحيدة في الساحة، الأمر الذي دفعها إلى استنفار قواتها بشكل صامت تحسبًا لأي عملية عسكرية ضدها، بحسب ما نقل مصدر في “الجيش الوطني” في إدلب، لعنب بلدي.
من جهته تحدث القيادي في “الجيش الحر”، مصطفى سيجري، عن مرحلة جديدة للتعاطي مع “هيئة تحرير الشام”، بعد اندماج الفصائل، وقال لعنب بلدي إن “تحرير الشام لن تكون جزءًا من مستقبل سوريا”، مشيرًا إلى تعثّر مساعٍ لحل “الهيئة” بشكل سلمي.
وأضاف سيجري، الذي يشغل منصب رئيس المكتب السياسي في “لواء المعتصم”، أنه خلال المرحلة المقبلة سيكون هناك تعاطٍ بشكل آخر مع الهيئة.
وحول احتمالية شن عملية عسكرية ضد الهيئة من قبل الفصائل، قال سيجري إن “الحديث عن عملية عسكرية ضد تنظيم جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) يجب أن يرتبط بإرادة من الجهات الخارجية المتنفذة في الملف السوري، على اعتبار أن مصادر الدعم ما زالت تتدفق بشكل كبير على تنظيم جبهة النصرة”.
واعتبر أن دخول “القوى الثورية” في معارك ضد “الهيئة” سيجعلها عرضة للاستنزاف، خاصة أن الدعم متوقف عن الجيش الوطني والفصائل في المنطقة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :