من ستراسبورغ إلى موسكو

  • 2019/10/06
  • 8:22 ص

إبراهيم العلوش

في الثلاثين من أيلول وبمناسبة الذكرى الرابعة للاجتياح الروسي لسوريا (30 من أيلول 2015)، وقفنا أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ احتجاجًا على استمرار الاحتلال الروسي لبلدنا، فليس لدينا نحن اللاجئين ما نؤثّر به على الأحداث في سوريا إلا قدرتنا على التجمع والظهور أمام العالم.

أمام المبنى العالي للبرلمان الأوربي وقفنا نشاهد الأشجار المزروعة في أعلاه، ونرى النواب الذين خرجوا لتوهم من جلسات الحوار، والسياح الذين يطوفون لمشاهدة مبنى البرلمان الذي يعتبر عملًا معماريًا فريدًا، بالإضافة إلى كونه رمزًا من رموز الديمقراطية في العالم.

بدأ الناشطون القلائل بالتوافد، وأشارت لنا دورية البوليس إلى الموقع الذي يجب أن نقف عنده فوق الجسر، وارتفعت راية الثورة وصور القصف الروسي لعل العالم يسمع معاناة أهلنا في الداخل.

لن يسمع العالم تأوهات المعتقلين والمعذبين السوريين إن لم نقف أمام العالم ونتحدث إليه بلغة الصورة التي صارت أبلغ طريقة للتعبير في عصر الميديا، خاصة أننا لا نزال لا نتقن لغات المجتمعات المضيفة ولا نستطيع التحدث إلى التلفزيونات، ولا إلى وسائل الإعلام الاجتماعية بلغتها، وهذا ينتظر الجيل الثاني من اللاجئين إن ظلوا قادرين على الدفاع عن سبب اقتلاعهم واقتلاعنا من وطننا.

توارى بعض الموجودين عن الظهور أمام الكاميرا ووقف في الضفة الأخرى للاحتجاج أمام البرلمان الأوروبي لأسباب حاولوا شرحها، لكن من المؤكد بأن هذا التواري سيحرمهم وسيحرمنا من رؤية بلدنا، ومن نصرة شعبنا المختنق تحت نير الاحتلال الروسي والإيراني بالإضافة إلى بربرية نظام البراميل.

قد لا يستطيع اللاجئون في تركيا وفي لبنان وفي الأردن تنظيم وقفات احتجاجية أمام السفارات والمواقع الدبلوماسية، ولكن ليس هناك من عذر يبرر تقاعس اللاجئين في أوروبا عن التجمهر مرة في الشهر أمام سفارة أو قنصلية أو حتى في ساحة عامة ورفع شعارات وقف التدمير، ووقف التعذيب ووقف تجريب الأسلحة الروسية على السوريين.

لقد انخرط كثير من اللاجئين السوريين في الحياة الجديدة، ولم يعودوا قادرين على إيجاد الوقت اللازم ولا الرغبة التي تدفعهم للوقوف ساعة في كل شهر أو في كل عدة أشهر لمرة واحدة، خاصة أن كثيرًا من الناشطين يترفعون اليوم عن الظهور، ويجدون أنفسهم أكبر من ذلك، ويبررون لأنفسهم هذا التقاعس بتاريخهم الثوري والتنسيقي وما إلى ذلك، ما انتهى بهم في عزلة عن أبناء بلدهم وعن مطالب المعذبين في سوريا، فعقدة الانتقال إلى القيادة القومية التي ورّثها البعث هيمنت على كثير من ناشطي الثورة اللاجئين في أوروبا وصاروا يتكبرون على الظهور مع الشباب ومع اللاجئين الجدد ومع مناصري الشعب السوري من أبناء البلاد الأوروبية الذين يتعاطفون مع عذابات السوريين بشكل دائم.

الظهور أمام قنصلية روسية أو أمام سفارة أو في ساحة عامة ومطالبة العالم بعدم نسيان عذابات السوريين، أهم بكثير من تداول الفيديوهات التي تتحدث عن المؤامرات، وعن قرب نهاية هذا البلد أو ذاك، مع الإلحاح على نشر الفيديو وتعميمه من أجل نصرة الوطن والدين والتاريخ وما إلى ذلك من حماسات لا تستحق من صاحب الفيديو الظهور أمام العالم ومطالبته باعتبار السوريين بشرًا وشعبًا يريد الحرية والكرامة.

لن تسمح روسيا للسوريين بالعودة إلا من البوابة المخابراتية، ولن تسمح للاجئين حتى بحق الانتخاب والتصويت، وذلك انتقامًا من الغرب الذي منع اللاجئين الجورجيين والأوكرانيين في روسيا من الانتخاب، هذا إذا انتهت يومًا ما إجراءات الأمم المتحدة إلى مثل هذه الانتخابات، خاصة أن الروس لا يزالون يعتبرون أن كل معارضي الأسد هم عملاء للغرب.

الروس يعتبرون أنفسهم مالكي سوريا وهم من يقرر قبول رجوع هذا السوري أو ذاك، وما دام السوريون غير قادرين على الوقوف أمام سفارات وقنصليات روسيا في طول أوروبا كل أسبوع مرة، وما داموا غير قادرين على إحراجها أمام الشعوب الأوروبية وأمام العالم فهم لن يروا وطنهم المحتل، فالقرار للمندوب السامي الروسي في حميميم، وهو لن يتكرم على أحد بقبوله ليعود أو حتى ليزور بلده ما لم يتم إرغامه على ذلك.

روسيا اليوم هي صاحبة القرار حتى في كتابة الدستور الجديد، وهي التي ستشرعنه برضا أمريكي، وستضع اسمها فيه إن تطلّب الأمر لضمان وجودها الدائم في سوريا، وبعدها لن يهم إن بقي بشار الأسد أو إن تم استبداله، فاعتمادها هو على فروع المخابرات، وعلى أجهزة القمع، وهي لن تعامل السوريين بكرامة وبحرية ما دامت تجعل من سوريا ميدانًا لتجارب أسلحتها وصواريخها، وآخرها تجربة منظومة S-500 التي أعلنت عنها خلال الأسابيع الماضية.

ثمة سوريون لا يزالون قادرين على الاحتجاج في أوروبا ولم يستسلموا لليأس وعدم الجدوى ولا الاكتفاء بشتم العالم أو بتحليل المؤامرة الكونية على الدين، وعلى الوطن، وعلى الكنبة التي لم يتزحزحوا عنها طوال السنوات السابقة.

كثير من الأفراد الشجعان لا يزالون يقفون أمام القنصليات الروسية أو في الساحات الأوروبية وحدهم ولم يغيبوا، وهم ينتظرون منا أن نطوّر هذه الوقفات إلى ظاهرة سياسية تنطلق من كل مدينة أوروبية باتجاه موسكو، فلغة الاحتجاج في أوروبا تعتبر لغة راقية ومحترمة وتحاول روسيا تجنب الإحراج أمام الأوروبيين، فهل نعاود الظهور في الساحات والوقوف أمام السفارات وفي الميادين الأوروبية كل شهر مرة؟

الشتاء قادم والبرد سيطعن أجساد المعتقلين العارية، وسيقتل اللاجئين الذين هربوا من القصف الروسي إلى العراء.. فهل يستطيع مليون لاجئ سوري في أوروبا أن يحشدوا ألف متظاهر كل شهر؟

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي