يعترض أحد كتاب الرأي في عنب بلدي على إيقاف الجريدة نشر مقالة له «امتثالًا» للسياسة التي تفرضها بعض الفصائل المقاتلة في سوريا على الإعلام المحلي، «أصبحت الكتابة في صحيفتكم أشبه بالسباحة في حقل ألغام، فعلى من يكتب أن يلتزم بتعليمات المحيسني والتخلي عن انتقاد الجولاني والسلفيين والاكتفاء بالتسبيح بحمد المجاهدين!».
للحقيقة، كلمات الكاتب هي أقل ما يمكن أن نصف به المستقبل الذي قد تحمله لنا السلطات الجديدة في المناطق المحررة، رغم مضيها في تسجيل الانتصارات على أكثر من جبهة. وليس الأمر متعلقًا بالإعلام فحسب، فبعض الناشطين والمراسلين ينقلون واقعًا يجعلنا نتردد حتى في إطلاق مشاعر الفرح التي تعقب أي تقدم جديد، والثابت على ما يبدو، أن الحرية هي الخصم الأكبر لكل سلطة عسكرية، مهما كانت مرجعيتها.
منع الصحف وحرقها، ومن ثم تهديد موزعيها والقائمين عليها، بشكل مباشر أو غير مباشر، قد يجبرنا مرحليًا على شطب أو إيقاف بعض مقالات الرأي، وقد يبدو ذلك «انتصارًا» يضاف إلى سجلات بعض القوى المسيطرة! لكن ما نريد التأكيد عليه، وخصوصًا لأولئك الذين يمارسون الرقابة على الصحف المحلية، إن هذا الضغط لن يغير في القناعات شيئًا، إن لم نقل أنه سيرتدّ عليكم بصورة معاكسة. هذه الصحف سورية، ينتجها أبناء الأرض التي تسيطرون عليها اليوم، خرجوا من المساجد التي تجتمعون فيها، ورفعوا صوتهم في وجه الدكتاتور عندما حرمتم الخروج على الحاكم، تعبوا وعرقوا ولوحقوا قبل أن ترابطوا على الجبهات، اعتقلوا وعذبوا ومنهم من استشهد، قبل أن تعلنوا الجهاد.
مع استمرار معارك النصر على الأرض، وازدياد مؤشرات زوال نظام الأسد، أنتم اليوم أحوج ما تكونون إلينا، كسوريين أولًا، وكوسائل إعلامية محلية تكفل نقل الصورة الحقيقية التي يدلّسها الآخرون حولكم.
النصر لا يكون جغرافيًا فحسب، بل إن الالتزام بأخلاق ومبادئ ثورة الحرية والعدل هو ما يريده السوريون، ولن يرضوا بأقل ذلك، ولهذا قُتلوا وشرّدوا، فلا تخيّبوا آمالهم.
هيئة التحرير