بعد ثمانية عشر شهرًا من انطلاقة ثورة الحرية والكرامة السورية، وبعد كل ما ارتكبه النظام من مجازر وقمع وحشي وتدمير للبلاد واستنزاف لخيرات الوطن، تستحق ظاهرة مؤيدو النظام – أو من تبقى منهم- أن تُدرَس بعناية، حتى نعرف لماذا؟ لماذا لا يزال البعض مؤيدًا لنظام الأسد بعد كل ما فعله وارتكبه بحق الوطن والشعب؟ هل هي المصالح… أم ضيق الأفق والبصيرة… أم هو الخوف من التغيير؟؟
يمكننا أن نصنّف من تبقى من مؤيدي النظام ضمن عدة فئات رئيسية:
الأولى: وهي التي اختارت الوقوف إلى جانب النظام حتى النهاية وربطت مصيرها بمصيره، وجعلت من سقوطه خطًا أحمر لا يُسمح به. وفي سبيل ذلك فهي مستعدة للقيام بأي شيء، من أجل حماية وجودها وبقائها من عدو افترضته وخلقته بنفسها. وتمثل طائفة الأسد الشريحة الأكبر من هذه الزمرة، وهم الذين رأوا ولا يزالون أن الثورة السورية ليست ثورة مبادئ في سبيل الحرية والعدالة والكرامة ضد الاستعباد والظلم والقمع، وإنما يرونها ثورةَ طائفة ضد طائفةٍ أخرى. ولذلك تراهم يضحون بكل شيء في سبيل بقاء قائدهم رمز طائفتهم.
الثانية: وهي التي وقفت –لانعدام خياراتها غالبًا- إلى جانب النظام لأن مصالحها خلال السنوات والعقود الماضية كانت مرتبطة بالنظام ووجوده، وبسقوطه ستفقد كل الامتيازات التي حصلت عليها فيما مضى، وهي غير قادرة -وربما الأصح غير راغبة- في «خيانة» الخبز والملح بينها وبين النظام، وليست مستعدة لخسارة الشراكات والصفقات التي أبرمتها مع النظام ورموزه. فكانت الدراهم والدنانير والمصالح حجابًا بينهم وبين الحق الذي عرفوا.
الثالثة: فئة لم تر الحق ولم تدرك الواقع، فجارت ببساطتها -وسذاجتها- رواية النظام حول المؤامرة الكونية وحبوب الهلوسة وما إلى ذلك من إبداعات النظام.
الرابعة: فئة عرفت الحق وأدركت الواقع، لكنها استحبت العمى على الهدى!! وهؤلاء هم الذين يحنون إلى أيام العبودية والأمان والرخاء التي كانوا يعيشونها، وشعارهم الذي يتمتمونه على الدوام «شو كان بدكم بهل الشغلة؟؟ البلد كانت بخير ومو ناقصنا شي». وجُلّ اهتمام هذه الفئة السهر إلى ما بعد منتصف الليل وهو ما حرموا منه بسبب الثورة كما يرون. ومن هذه الفئة من يحمل عقيدة -قد تكون غير صائبة- هي عقيدة عدم جواز الخروج على الحاكم والرضا والصبر حتى يأتي أمر الله ودونما جهد بشري لتكون المعجزة!!
ونتيجة اختلاف منطلقات كل فئة من هذه الفئات ودوافعها للوقوف إلى جانب النظام وتأييده، فقد اختلفت ممارسة كل منها وتصرفاتها وتعاملها مع الثورة والثوار.
فالفئة الأولى دفعتهم طائفيتهم الأسدية -لدى كثير منهم على الأقل- ليكونوا في صفوف شبيحة النظام يقتلون ويذبحون ووووو…. وهؤلاء هم الذين يقودون حملات القمع والاقتحام الوحشية التي يشنها النظام ضد المدن والمناطق الثائرة، وهؤلاء هم الذين ارتكبوا المجازر الكبرى بحق المدنيين الأبرياء في الحولة والقبير وداريا وعلى امتداد ساحة الوطن.
أما الفئة الثانية: فهم الذين يدركون تمامًا حتمية سقوط نظام الأسد لكنك تراهم يسعون جهدهم لإطالة عمر النظام، وفي الوقت نفسه تراهم يتواصلون مع الثوار سرًا ويقدمون لهم بعض أشكال المساعدة ليكون لهم رصيدهم عند هؤلاء بعد سقوط النظام. وإن كان البعض منهم قد تورط في «لعبة» الدم التي يلعبها النظام فموّل شبيحته بل وربما جنّد من حوله من عماله وأقاربه للانضمام إلى صفوف الشبيحة كمرتزقة مأجورين. ومنهم من عمل كمخبر لدى النظام يرشده إلى الناشطين ويسهم في اعتقالهم أو تصفيتهم.
أما الفئة الثالثة والتي غشيت أعينها عن رؤية الحق فتراها ترفض الثورة والثوار، وتتهمهم بالعمالة للأجنبي والتواطؤ مع العدو. ومن بين صفوفها خرج كثير من أزلام النظام الذين وقفوا معه ضد أبناء بلدهم، فلم يعودوا -في قسم كبير منهم- مؤيدين وحسب، وإنما قدّموا خدماتهم كـ «مخبرين» مقابل القشور، وساعدوا في إلقاء القبض على الناشطين وإيصال كل ما يخدم أجهزة الأمن من معلومات يستخدمها في محاولة منه لإجهاض الثورة.
شهداء ارتقوا وأشخاص اعتقلوا، مصالح كثيرة للناس تعطلت ومحالّ وبيوت هدمت أو احترقت، ما كان للنظام أن يصل إليها أو يعلم نشاط أصحابها إلا بمساعدة مخبر يستمع ويبحث ويوصل المعلومات!
كثير من طلاب الجامعة اعتقلوا وكان زملاؤهم في مقاعد الدراسة سبب اعتقالهم بعد أن أوصلوا تفاصيل نشاطهم إلى الأمن. حادثة اعتقال يحيي شربجي وغياث مطر ومن بعد ذلك ارتقاء غياث شهيدًا وبقاء يحيي في غياهب السجون، وعشرات الطلاب الجامعيين المغيبين في سجون النظام أمثلة حية عن ممارسات بعض «مؤيدي» النظام.
أما الفئة الرابعة فتراها في الغالب لا تقف إلى جانب النظام بل على العكس من ذلك توافق على أنه ظالم ومستبد وأن ممارساته غير مقبولة، إلا أنها تضع المبررات لنفسها لتبقى بمنأى عن الثورة والانخراط فيها وترفض مواجهة النظام رغم آلاف الشهداء الذين قضوا بآلته القمعية وقد يكون من هؤلاء الشهداء أقارب أو أصدقاء، إلا أن جل هم هذه الفئة هو البحث عن أمنها بأي شكل كان. فهي -عمومًا- لا تعادي الثورة إنما ليست مستعدة لدعمها بأي حال من الأحوال.
والسؤال، كيف علينا التعامل مع هؤلاء؟؟
تتباين نظرة المجتمع لهؤلاء بعد هول ما قاساه الناس من ممارسات النظام الذي يساندون ويدعمون، وبعد الأثمان الباهظة التي تحملها هذا الشعب وحده.
فالشبيحة والمخبرون الذين شاركوا النظام في القتل وإراقة الدماء وسعوا جاهدين للإبقاء على ليل الظلم والاستبداد، هؤلاء تفاوتت نظرات أبناء المجتمع تجاههم من تجنب التعامل معهم ومقاطعتهم فحسب، إلى الإنذار والتحذير لوقف نشاطهم وصولًا إلى التهديد بالقتل وحدوثه حال تجاوز أذاهم كل حد.
أما المؤيدون الذين ليس لهم إلا أفكارهم المغلوطة وعقيدتهم المريضة، فقد تدرجت الأساليب، فمن الثوار من لجأ إلى مقاطعتهم وعدم التعامل معهم اقتصاديًا واجتماعيًا بل وربما وضعهم في خانة المخبرين بعد مرور سنتين من الثورة وكل ما سُفك خلالهما من الدم. في حين يرى آخرون تجاهلهم فهم لا يشكلون خطرًا مباشرًا على الثورة، وسيؤمنون عاجلًا أو آجلًا أن الثورة هي الحق ولكن ربما بعد فوات الأوان حيث لا ينفعها ذلك الإيمان، ويا للأسف.
ويبقى في الزاوية المنسية من كل ذلك الأبناء…
أجل أبناء أولئك المؤيدين أو المخبرين، الصغار منهم الذين لاحول لهم ولا قوة والذين لا ذنب لهم سوى أن آباءهم وقفوا مع النظام أو كانوا من مؤيديه. وكذلك الشباب ومنهم من اختار الانشقاق عن آبائهم والالتحاق بركب الثورة، وعلِموا أن طاعة الوالدين لا تكون في الوقوف مع الظالم ضد الضحية، ولم يكونوا كأقرانهم الذين صمتوا أو ربما تبنّوا فكر والديهم وتأييدهم، كمن قال إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم، وهذا ما وجدنا عليه آباءنا ..
من هؤلاء، الذين اقتحموا غمار الثورة وخاضوها ضد الظلم وربما ضد آبائهم، منهم شهداء ومعتقلون ومتظاهرون ثوّار، لم يختاروا الوجاهة وحب الرياء لأنهم يعلمون حق العلم أنه لا مكان للرياء في حالتهم وهم بهذا يخاطرون على الرغم مما قد يلاقونه من أهلهم أو من المجتمع الذي قد لا ينصفهم. الشهيد الناشط اسماعيل علي الشيخ حيدر، استشهد مع رفيقه فادي عطاونة في كمين نصبته لهما قوات الأمن، علماً أن والده هو رئيس الحزب القومي السوري والاجتماعي «المؤيد» للنظام والذي دخل حكومة النظام بعد استشهاد ابنه!!
كيف علينا التعامل مع هؤلاء الأبناء؟؟ هل سيحملون وزر تصرفات أبائهم؟؟ هل سيلتزم المجتمع نظرة الازدراء والاحتقار وربما النبذ بحقهم لأنهم مذنبون فيما ليس لهم به يد؟؟ وهل ستسيطر الحالات الفردية التي قد تتمثل ربما بمنعهم من شراء الحلويات من دكان ما وطردهم منه بسبب ما اقترفه آباؤهم من أخطاء؟؟
أم سيكون لدينا من الوعي والعدالة ما يكفي لننصفهم؟ أليس من أجل هذا قامت ثورة الوطن؟!