النكتة سلاح بدون ترخيص

  • 2015/05/10
  • 3:08 م

بيلسان عمر – ريف دمشق

التقى عنصر من الجيش الحر، وآخر من جيش النظام في الجنة، فاستغرب كل منهما بالآخر، وقال أحدهما للثاني: إذا أنت وأنا بالجنة، مين لكن بالنار؟، فرد قائلًا «المدنيين في النار، بعد ما طلعوا عن دينهم من أفعالنا نحن الطرفين».

قيل «روّحوا عن القلوب فإنها تملّ كما تملّ الأبدان»، وكذا قيل «من كان فيه دعابة فقد برئ من الكبر»، وبذات الوقت قيل «بالحكي والأمزاح بتشتفي الأرواح»، وقرأنا مؤلفات مليئة بالسخرية، كالبخلاء لمؤلفه الجاحظ، وأخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي،  والفاشوش في حكم قراقوش لا بن مماتي، وغيرهم كثر ممن استخدم الفكاهة والسخرية وسائل للتعبير عن الأفكار.

وتكمن قوة النكتة في هدفها، إذ تعبر عن أفكار غير معلنة، تنقد الواقع تارة، وتدعو للتواصل الاجتماعي تارة أخرى، وتقاوم الاكتئاب والقلق وما أكثرهما في أوقات الحرب، وقد نصل يومًا إلى مبدأ «قل لي ما يُضحكك أقل لك من أنت»، ليكتشف أحدنا اللا شعور لدى الآخر من خلال النكت التي يضحك لها.

فالنكتة قد تكون متنفسًا من الضغط الخانق، وقد تكون وسيلة للدفاع عن الذات وعدم السماح لها بالموت أمام الطاغية، فبهذا تثبت صمودها أمامه، وكثير من الدراسات اليوم تتجه نحو علاج مرضى الاكتئاب بطاقة الفرح، وقد قرأنا مطلع الأسبوع الفائت في إحدى الصحف أن اليابان خصصت غرفة في أحد المراكز العلاجية للمرضى، يضحكون بسماعهم عبارات لذلك، أو مشاهدتهم صورًا ومواقف ومقاطع فيديو مضحكة.

حتى الثورة السورية لم تخل من النكات التي أظهرت كثيرًا من خفايا هذه الثورة، وكثيرًا ما تردد على ألسنة الناس تعابير عن فرحهم بمشاركة حمص في الثورة، وإلا لأوقفوا الثورة بتعليقاتهم، وكذا جاء في إحدى لافتات كفرنبل: «وليقف العالم كله ضدنا، لا نهتم! ما دامت حمص في صفنا».

النكتة عبر وسائل التواصل الاجتماعي

منذ انطلاقة الثورة السورية، والشعب السوري يُتبع كل خطاب سياسي للنظام أو المعارضة بجملة من التعليقات المضحكة، ويضحك بعين ويبكي بأخرى،  فيكتب أحدهم منشورًا عبر الفيس بوك، ويبدأ آخرون بالتعليق والسخرية التي قد تطال حتى صاحب المنشور –بالمعيّة-، وكثيرًا ما نعت الناس بعضهم بجراثيم ومندسين ومجسمات وغيرها، وتداولوا نكتة سندويشة الفلافل والـ 500 ليرة، وخروج أهالي الميدان شكرًا لله على نزول المطر، لا تظاهرًا لإسقاط النظام، كما ظهرت صفحات ساخرة في مواقع التواصل الاجتماعي كصفحة الثورة الصينية ضد طاغية الصين، وصفحة عدسة شاب مضحك، وكذا صفحة حاجز +18، مرورًا بصفحة يوميات حاجز، وليس انتهاء بصفحة «معاليق الثورة».

النكتة عبر اللافتات

ما إن تسمع  اسم مدينة «كفرنبل» السورية، يتبادر إلى ذهنك سريعًا صور اللافتات الثورية التي كانوا يرفعونها في مظاهراتهم، التي امتازت بحس الفكاهة، والقدرة الكبيرة على إيصال رسائل طالت حتى المعارضين أنفسهم، ووصل صداها أنحاء العالم، إضافة إلى انتقاء هادف للألوان، يعكس ثقافة مصممي اللافتات، وقدراتهم التعبيرية الكبيرة، لتخيّم لافتاتهم على الواقع القاتم الذي تحياه مدينتهم وسوريا عمومًا، فعلى سبيل المثال سبق لهم أن رفعوا لافتات مثل «نطالب بتعيين شرطي مرور لتنظيم حركة الطيران الحربي بسبب الازدحام»، وكذلك «أيا وطني جعلوك مسلسل رعب نتابع أحداثه في المساء، فكيف نراك إذا قطعوا الكهرباء؟»، وأيضًا العبارة الساخرة الشهيرة التي تردد كثيرًا «سوريا خلصت والأزمة بخير».

النكتة عبر الأغاني الثورية

اعتدنا أن نحني القامة شكرًا لمن يطربنا بصوته، وامتنانًا للحظات فرح أدخلوها على أيامنا، أما أن نسمع في الثورة السورية عن إعدام المغني، واقتلاع حنجرته بطريقة وحشية تقف أمامها هند، التي لاكت قلب حمزة بأسنانها، بكل براءة، فهذا لم يعد بالعجب في تاريخ سوريا.

لا تنظر إليّ بدهشة، فأنت وأنا وكل إنسان حر يصدح صوته بالحرية، يدرك تمامًا ما أقول، ويذكر تمامًا حادثة مقتل قاشوش الثورة السورية، ويذكر أيضًا كلمات أغانيه وما تضمنتها من سخرية في ساحات العاصي، مع حشود تضحك غير آبهة بوابل رصاص سيمطرها به النظام الأسدي، وكذا اشتهرت أغنية «ويلا ارحل يا بشار»، وأغنية «بدنا نعبي الزنزانات».

وكثيرًا ما بثّ الثوار أمسيات مسائية غنوا فيها للثورة والحرية، وإن بطريقة ساخرة، «رجب حوش دبابتك عني، رجب مدفعك جنني، رجب السبطانة دوختني، رجب قوص واطربني».

نكت ثورية متداولة

حمصي يسأل صاحبه: اللي بموت في المظاهرات بيطلع ع الجنة أو ع النار، قال له يا أهبل بيطلع ع الجزيرة.

كان في جندي حمصي يلعب بقنبلة يدوية، فحذره زميل له بالانتباه من أنّها قد تنفجر، ليجيبه الحمصي: لا تقلق معي غيرها.

مع خدمة قنبلة على باب بيتك، النومة عليك والتصحاية علينا.

ليس هذا فحسب، بل أضحت بعض العبارات المضحكة أمثالًا شعبية متداولة، كالمثل الشائع «علموا أولادكم السباحة والرماية وتفكيك العبوات الناسفة»، وكذلك «الانفجار يلي ما بيقصف عمرك بقويك».

قد يتحدثون عنك في غيابك، ويغمزون بعضهم بحضورك، بأنك ومع كل ما مرّ بك من مصائب تبتسم وتمازح الكبير قبل الصغير، غير آبه بما حصل، بل وكأنك فرحًا بذلك، بل وكأن لك يدًا بما يجري، وكنت تتمنى حدوثه، وإن حصل ذلك فعليك أن تبتسم، وأن تقهر قهرك بقهقهات تغسل بها همومك، وقد يشاركونك الضحك مع خوفهم مما سيعقبه «الله يعطينا خير هالضحكات»، ومع ذلك فاضحك تضحك لك الدنيا، ولكن إن بكيت فستبكي لوحدك.

فابق مستعدًا للجواب عن سؤال أحدهم لك: هل سمعت آخر نكتة؟، وتابع تحديثاتها بدقة، فمعلومك بأن مدة صلاحيتها محدودة، تفقد بهجتها مع التقادم، ولك أن تؤمن معي بأن النكتة أمست سلاحًا بدون ترخيص، بل وأكثر من ذلك إنها هتاف الصامتين، وثورة صغيرة!.

ولئن تلذّذ الناس بالفاكهة بعيدًا عنك، فتلذذ أنت بالفكاهة قريبًا منهم.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع