جمان مراد – عنب بلدي
تمضي أم حامد ساعات في مطبخها، من تحضير العجينة إلى تقطيع اللحوم والخضار، وبين الفرن والمقلاة وتزيين الصحون؛ ليس نهارًا مميزًا، ولا تحضيرًا لوليمة، لكنه روتينها المعتاد. فبعد أن انتقلت إلى الإقامة في السعودية قبل عام ونصف، قررت أن تطلق مشروعها الخاص، فافتتحت مطبخ «السفرة الشامية» لتقديم الوجبات السورية بشكل رئيسي.
«أردت أن أشغل نفسي عن ألم الفراق والغربة والحرمان من الأهل والجيران، وأن أملأ وقتي بشيء مفيد»، تقول أم حامد، وهي سيدة أربعينية من مدينة داريا، معقبة أن الأوضاع الراهنة هي ما دفعت غالبية النساء للبحث عن عمل يملأ أوقاتهن أو يؤمن لهنّ موردًا ماليًا. وتوضح أن وضع المرأة في السعودية على وجه الخصوص مختلف عنه في سوريا، إذ تحد قيود المجتمع السعودي من نشاطاتها، «هنا لا يمكن للمرأة مغادرة بيتها بدون محرم، الرجال يمضون نهارهم في عملهم، وتمضي النساء أوقاتهن في المنزل».
تعمل أم حامد من مطبخ منزلها في العاصمة السعودية، وتروج لمأكولاتها عبر صفحات الفيسبوك، الذي اعتادت أن تقضي عليه أوقاتًا طويلة «عالفاضي»، قبل أن تبدأ مشروعها الجديد، فبدأت بنشر الإعلان عن استعدادها لتلبية الطلبيات عبر المجموعات، وأنشأت لاحقًا صفحة خاصة بمطبخها، الذي أطلقت عليه اسم «سفرة شامية»، تقدم من خلاله الأطباق السورية التقليدية. تقول أم حامد «قربني هذا العمل من النساء السعوديات، وأتاح لي التعامل معهن واكتشاف معاملتهن الطيبة معنا».
وفي وضع مشابه قررت لوليا، وهي سيدة من مدينة حلب تقيم في اسطنبول منذ قرابة عام، أن تملأ وقت فراغها بتحضير المأكولات الشامية، والترويج لها عبر صفحة خاصة على الفيسبوك؛ وتوضح أن الصفحة نالت إعجاب متابعيها وأن «التواصي» تأتيها بازدياد.
أما غازي عينتاب الأقرب للحدود السورية فقد شهدت إنشاء مطبخ سوري تابع لدار «ألفة» للأيتام، تعمل فيه نساء سوريّات من زوجات الشهداء؛ أُسّس بهدف تمكين المرأة السورية ومساعدتها في الاعتماد على ذاتها لتأمين قوتها وقوت أبنائها. وأوضحت السيدة شكران مديرة دار «ألفة» لعنب بلدي أن مجموعة من العائلات السورية تلقت دعمًا لتغطية نفقات إقامتهم في تركيا، فكان تأسيس المشروع بالاعتماد على هذا الدعم بهدف تأمين مورد مستمر لهذه العائلات؛ وأضافت أن المطبخ يقدم الأطباق السورية بأسعار «معتدلة» تتناسب مع تكاليف إعداده، مؤكدة أن المواد المستخدمة هي مواد طازجة دومًا، ويتم إعداد الوجبات وفقًا لطلبيات تسجل مسبقًا.
أم حامد ولوليا والسيدات في دار «ألفة» هن نموذج للعشرات، وربما أكثر، من السوريات حول العالم؛ وعلى اختلاف دوافعهن للعمل، ساهمن في نقل المطبخ السوري إلى بلاد الاغتراب، وساهمن بذلك في بناء جسر للتواصل بين السوريين وأبناء تلك البلدان.