شام العلي – دمشق
للنص سرٌّ لا يسري إلا بلغته، وللكلمة روح تذهب ببعضها الترجمة أو تضيعها، هذا ما يعرفه القراء العارفون ويشهد به جميع المترجمين، لذلك تعد الترجمة ونقل النص مع سره ومعناه إلى لغة أخرى من الأعمال التي تكاد تلامس حدود المستحيل، فالترجمة الجيدة ليست نقلًا للنص فحسب، بل هي إعادة خلقه من جديد بلغة أخرى، وهو ما يحتاج من المترجم ذكاءً شديدًا وبلاغةً عاليةً وصبرًا جمًا، ولا يبرع فيه من رواده إلا قلة.
ورغم أن الترجمة في الوطن العربي تعاني الكثير من الضعف والوهن رغم أهميتها القصوى وضرورتها، خصوصًا في هذه الفترة من التاريخ، ورغم أنها تعكس واقع التخلف الفكري والأدبي والثقافي في الوطن العربي، وذلك بسبب نقص الحريات وتغليب المصالح الربحية والتجارية على البعد الثقافي، إلا أنه ثمة أسماء كبيرة في الوطن العربي تستحق أن تكون قبلة لرواد وقراء الأدب والفكر العالمي. ومنهم على سبيل الذكر لا الحصر:
عادل زعيتر: يعد عادل زعيتر (1895-1957) الذي ولد وتوفي في نابلس علامة مهمة في حركة الترجمة إلى العربية في العصر الحديث، إذ ترجم في حياته قرابة الـ 37 كتابًا إلى العربية من عدة لغات، وكان يجيد العربية إضافة إلى التركية والفرنسية والإنجليزية والألمانية.
ومن هذه الكتب مؤلفات جان جاك روسو بما فيها: العقد الاجتماعي، وأصل التفاوت بين الناس، ومؤلفات غوستاف لوبون: روح الثورات، حضارة العرب، روح الجماعات، السنن النفسية لتطور الأمم، حياة الحقائق، حضارات الهند، ومؤلفات إميل لودفينغ: الحياة والحب، كليوباترا، ابن الإنسان، وغيرها لفولتير ومونتيسكيو وآخرين.
وما يميز ترجمات عادل زعيتر، إضافة إلى نوعية الكتب التي ينتقيها وقيمتها، هي جودة ترجمته وجذالتها، رغم صعوبة النص الأصلي وفهمه حتى بلغته الأم، فهو يبذل المستحيل لإيصاله إلى القارئ العربي بأسلوب فصيح بليغ ويجعل قراءته سهلة وميسرة للجميع، مما جعله يلقب بشيخ المترجمين العرب.
صالح علماني: واحد من المترجمين العرب الذين تبدو ترجمتهم لعذوبتها وفصاحتها كأنها مكتوبة بالعربية في أصلها وليست منقولة إليها، هو صالح علماني، فهو يضع بين يدي القارئ العربي النص المترجم بكامل أناقته ورشاقته اللغوية بلغة الضاد مصقول المعنى وافر القيمة، حيث يرى أن الترجمة الحرفية للنص، مما يسميه الكثيرون بالأمانة الأدبية ليست الأسلوب الصحيح للترجمة، فيقول: «الأمانة وحدها لا تبرر تخريب النص الأصلي، هذا لا يعني تغيير أفكار النص، فلكل لغة منطقها الخاص وليس بالضرورة أن يتقاطع المنطقان بلاغيًا»، ويضيف «يرتكب بعضهم آثامًا لا تغتفر باسم الترجمة الحرفية، إذ لا يتعلق الأمر بوضع كلمة بدل أخرى، بل بتشكيل جغرافية النص جماليًا ومعرفة أسرار اللغتين، اللغة الأم واللغة المترجم عنها».
علماني هو مترجم من فلسطين ولد في سوريا عام 1949، يترجم عن الإسبانية وقد ترجم ما يقارب المئة عنوان، في حوالي 30 عامًا، ورغم براعته الفائقة فإنه كان ولا يزال بعيدًا عن الشهرة بمنأى عن الأضواء. ومن ترجماته: مئة عام من العزلة، عشت لأروي، الحب في زمن الكوليرا لغابريل غارسيا ماركيز، وحفلة التيس، في امتداح الخالة، رسائل إلى روائي شاب لماريو بارغاس يوسا، وابنة الحظ، انيس حبيبة روحي، صورة عتيقة لإيزابيل الليندي، وغيرها الكثير.
سامي الدروبي: «إن سامي الدروبي لا يقرأ ويترجم فحسب، بل يعايش المؤلف فعلًا. و»أعتقد لو أن دوستويفسكي كان عربيًا لما كتب أجمل من هذا» هذا رأي المستشرق الروسي «فلاديمير كراسنوفسكي» بعد اطلاعه على ترجمة سامي الدروبي للمؤلفات الكاملة لديستوفسكي، إذ تعتبر ترجمة الأعمال الكاملة لديستوفسكي التي تقع في 18 مجلدًا من أهم أعمال سامي الدروبي إضافة إلى الأعمال الكاملة لـ «تولستوي»
ولد الدكتور الدروبي في حمص عام 1921، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في «حمص»، وتخرج في فرنسا حاملًا الدكتوراه في علوم النفس، وعمل سفيرًا لسورية في مصر، وأستاذًا في جامعة «دمشق»، ومستشارًا ثقافيًا، ووزيرًا للتربية. وكان عضو جمعية البحوث والدراسات، ثم توفي سنة 1976 بعد أن أثرى المكتبة العربية بروائع من التراث الإنساني مما تعجز عنه مؤسسة بكاملها بحسب وصف طه حسين.
هذه بعض الأسماء العظيمة التي تستحق ترجمتهم الأولوية على قائمة الكتب والصدارة على رفوف المكتبات، أما عن الخلود، فالتاريخ يتكفل بذلك.