عتيق – حُمص
واحدة من السمات القديمة في مجتمعنا العربي عمومًا (بل وربما العالمي أيضًا!) هي إقحام الناس لأفكارهم الخاصة وآرائهم حول «كيف يجب أن تكون حياتك، وما هي الأشياء الأهم وتلك الأقل أهمية، وما يستحق التعب وما لا يستحق، وما هي الخطوة القادمة، وأين يجب أن تكون الآن وماذا يجب أن تعمل ..» … إقحام ذلك كله في حياتنا الخاصّة!
نشعر دومًا بأن الآخرين يعلمون أكثر منّا كيف يجب لحياتنا أن تكون، ويتصادف أيضًا أن هؤلاء لا يعلمون أحيانًا كيف يجب لحياتهم الخاصة هم أن تسير!!
«هاد الفرع ما بدك ياه .. شو بدك فيه»
«شو بدك بهاد الشغل .. مالك مصلحة»
«يا أخي شو فوتك إعلام .. كنت ادرس تجارة أحسنلك»
«يا زلمي شو اللي خلاك تستأجر بالحمرا، الله يصلحك هي عملي»
«له يا ابن الحلال، بيت ‹فلان› ما بينخطب منون، الخوال مانون نظاف»
وهكذا… الكل دومًا يعرف تمامًا كيف يجب أن تسير أمورك، ماذا تدرس، ماذا تعمل، أين ومتى وكيف، ممن تتزوج، ومن تشارك … الكل يعرف الخيار الأنسب لك .. ما عداك طبعًا.
وهذا الأمر يأتي من كون الآخرون يعتبرون أنفسهم جزءًا من حياتك، لذا فهم يسعون لتغييرها كما يرغبون هم، لا كما ترغب أنت.
ولا جديد في الموضوع عندما بدأت الثورة، فقط يتغير الموضوع، أما الفكرة فواحدة.
فبدلًا من مشاركة فلان في العمل، ستكون النصيحة عن عدم العمل مع تنسيقيّة فلان. وبدلًا من أن تنصح بعدم العمل في مهنة كذا، سيقال لك: «يا أخي شو بدك بهي الفوتة، مساعدات وإغاثة.. مالك فيها، وجعة راس وناس عم تشتغل لإسمها .. فيك وبلاك الشغل ماشي»
أو ربما ستسمع عن نداء الواجب، وأنه يجب أن تكون في هذا الموقع، وأن تعمل في هذا المنحى.
تتحدث مثلًا مع بعض النشطاء الإعلاميين، فيعرضون عليك استلام مكتبهم في محافظة كذا، فإذا ما اعتذرت، قيل لك عن تفريطك في العمل، وتركك الساحة لأشخاص غير مناسبين، تخبرهم بأنك تعمل في مجال آخر.. فيستنكرون ذلك منك!
تتحدث مع بعض النشطاء في الجيش الحر، فيعرضون عليك النزول معهم إلى الميدان، وحمل السلاح، فإذا ما اعتذرت قائلًا بأن العمل القتالي ليس منطقة تفوقك، وبأن أداءك سيتدهور فيه عما تقدمه حاليًا، تُلام فورًا، وتُتهم بالجبن والخمول وحب الدنيا…
وهكذا فالجميع يعرف أين يجب أن تكون وماذا يجب أن تفعل… يعرفون ذلك أكثر منك… وأكثر مما هم مطمئنون لمسار حياتهم.
بينما يفترض على كل واحد منا، أن يكون قد قضى من عمره الساعات والأيام والفترات الطويلة، يستكشف إمكاناته وقدراته، وأن يكون قد باشر باستثمارها لصالح الشأن العام، قبل الثورة وأثناءها وبعدها.
هذه الفكرة تظهر أحيانًا بلباس آخر، لباس ديني ..
يحدثك أحدهم عن فتوى دينية حول وجوب الانضمام للجيش الحر، لكل ذكر، بالغ عاقل مسلم … إلخ، وهل بدأت الثورة بفتوى دينية؟ وهل خرجت الناس ضد الظالمين في الأرض بعد إفتاء العمائم؟ ثم هل تنقلت الثورة بين المراحل المختلفة ومتطلباتها تبعًا لنصائح المشايخ ؟
الناس عندما استشعرت ضرورة الخروج على الظالم، خرجت دون إذن. وعندما استشعرت ضرورة حمل السلاح، حملته في وقت رفضه أوّل ما رفضه المشايخ.
لذلك فحتى فتاوى المشايخ ما كانت تملك سلطة على تحريك الثورة، لا ابتدءًا ولا بعد ذلك، فبأي حق يقال بأن الشيخ فلان أفتى بكذا، مما يلزم الجميع بفتواه.
يقول سقراط : أيها الإنسان اكتشف نفسك .. وأضيف: ثم انطلق في استثمار قدراتك في ما تراه صوابًا، فلكل إنسان طاقة، وميزة، وإمكانية تختلف عن الآخرين.