عنب بلدي – مراد عبد الجليل
يعتبر يوم 30 من أيلول 2015، من التواريخ الراسخة في ذاكرة السوريين، بسبب دخول الأحداث منعطفًا جديدًا مع التدخل الروسي إلى جانب النظام، بعدما تراجع عسكريًا نتيجة تقدم فصائل المعارضة على الأرض.
وقالت روسيا إن تدخلها يهدف لمحاربة الإرهاب وخاصة تنظيم “الدولة الإسلامية”، لكن مجزرة نفذها الطيران الروسي بحق 20 شخصًا في مدينة تلبيسة بريف حمص، التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة، بعد ساعات من بدء تحليق الروس في المجال الجوي السوري، أظهر الهدف الحقيقي للتدخل وهو إعادة بسط النظام سيطرته على كامل المناطق وإنقاذه من السقوط.
وتحاول روسيا بعد أربع سنوات من تدخلها حصد النتائج، عبر العمل على عدة ملفات في اتجاهات مختلفة.
عين على هيكلة الجيش
أول الملفات التي عملت موسكو عليها كان الملف العسكري، بمحاولتها إعادة بسط النظام السوري سيطرته على مناطق المعارضة، وهو ما نجحت به عبر شن حملات مركزة تتبع سياسة الأرض المحروقة، وتستهدف إنهاء السيطرة عسكريًا أو الوصول إلى تسويات، لتسيطر بذلك على داريا والزبداني بريف دمشق، وأحياء حلب الشرقية وصولًا إلى ريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية ودرعا في الجنوب، الأمر الذي أدى إلى مقتل وجرح آلاف المدنيين وهدم مساحات واسعة من هذه المناطق.
وما زالت روسيا تنتهج نفس السياسة من خلال تكرار الحديث عن شن عملية عسكرية ضد جيب المعارضة الأخير في إدلب بالشمال السوري، بحجة تطهيرها ممن تصفهم بـ”الإرهابيين”، في إشارة إلى “هيئة تحرير الشام”، رغم الاتفاقية مع حليفتها تركيا في سوتشي، في أيلول العام الماضي، التي تنص على إنشاء منطقة آمنة في إدلب.
وبالتوازي مع هذه العمليات العسكرية، تحاول روسيا إعادة هيكلة الجيش في سوريا، وفق ما يتناسب مع مصالحها على المدى البعيد، عبر عدة إجراءات، منها إنشاء “الفيلق الخامس” بدعم وتمويل من موسكو، والاهتمام بشخصيات مقربة منها مثل قائد “قوات النمر”، سهيل الحسين، إلى جانب إخضاع عناصر من قوات النظام إلى تدريبات بإشراف مباشر من ضباط روس، وهو ما حصل في محيط العاصمة دمشق، في 25 من أيلول الحالي.
البحث عن مخرج سياسي
إلى جانب العسكرة تحاول روسيا البحث عن حل سياسي، خاصة بعد مضي أربع سنوات على التدخل، خلافًا لتوقعات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بأن المشاركة العسكرية ستقتصر على ثلاثة أو أربعة أشهر فقط.
وهو ما تبنأ به الكاتب الأمريكي توماس فريدمان، في مقال له بصحيفة “نيويورك تايمز”، في 30 من أيلول 2015، بأن “تسرع بوتين بالتورط في سوريا، ربما هو الذي سيرغمه في النهاية إلى البحث عن حل سياسي هناك”.
ويتجسد تحرك روسيا سياسيًا عبر موافقتها والضغط على النظام السوري، لتشكيل اللجنة الدستورية التي ستكون مرجعيتها الأمم المتحدة، بعد أن كانت تحاول تشكيلها وجعل مرجعيتها مؤتمر “سوتشي”، الذي عقدته بين أطياف المعارضة السورية، في تشرين الثاني 2018.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أعلن الاثنين 23 من أيلول، موافقة النظام والمعارضة على تشكيل اللجنة، التي من المفترض أن تضع دستورًا جديدًا لسوريا يمهد لانتخابات رئاسة وبرلمانية.
ملف اللاجئين يقلق روسيا
وبعد إحكام روسيا القبضة العسكرية والسياسية في سوريا، بدأت بالبحث عن رؤية وخطة من أجل إعادة اللاجئين السوريين، البالغ عددهم أكثر من ستة ملايين، بحسب أرقام الأمم المتحدة.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، في 18 من تموز 2018، عن خطة لإعادة اللاجئين وبدأت من أجلها حراكًا دوليًا وإقليميًا بهدف إقناع الدول المستضيفة بإعادتهم، وحراكًا داخل سوريا على مستوى تأهيل مراكز استقبال للعائدين.
لكن الاستجابة الدولية، وخاصة الأوروبية والأمريكية، ربطت بين عودة اللاجئين، وبدء عملية إعادة الإعمار المرهونة بالتحول السياسي، على اعتبار أن الأرقام الأممية حول الدمار في سوريا لا تبشر بأهلية البلد لعودة اللاجئين.
لكن رغم ذلك تدعو روسيا مرارًا إلى عودة اللاجئين، كما تروح عبر إعلامها إلى عودة الحياة الطبيعية في سوريا، إلى جانب إعلانها اليومي عن عودة مئات اللاجئين من الدول المجاورة، وخاصة من لبنان والأردن