عنب بلدي – ضياء عودة
في الريف الجنوبي لإدلب إلى الشمال الغربي من مدينة خان شيخون، توجد بلدة يطلق عليها معرة حرمة أو حرنبل، لا تفارقها قذائف المدفعية من جانب قوات النظام السوري، وغدت حالة يومية تصبح وتمسي عليها، ما دفع سكانها المدنيين للنزوح بشكل جماعي إلى المناطق الحدودية، التي تعتبر أكثر أمانًا، كونها بعيدة عن مدى المدفعية وراجمات الصواريخ.
عدد القذائف اليومية التي تتعرض لها معرة حرمة لا تحصى، كونها تتخطى حاجز المئة، بحسب ما وثقه ناشطون من ريف إدلب الجنوبي في الأيام الماضية، وتستهدف منازل المدنيين، والمزارع المحيطة بها، في خرق لوقف إطلاق النار، الذي أوقف نار الطائرات الحربية والمروحية فقط، بعيدًا عن مدافع الميدان وراجمات الصواريخ التي ثبتتها قوات النظام السوري مؤخرًا في حاجز النمر الواقع في الجهة الشمالية من خان شيخون.
عند الحديث عن معرة حرمة لا نتجاهل باقي مدن وبلدات ريف إدلب الجنوبي، التي تعيش ذات الحالة، فقذائف المدفعية التي تطلقها مدافع قوات النظام السوري لا تفارقها أيضًا، لكن ما بدا واضحًا أن التركيز يصب على معرة حرمة، التي أعلنها مجلسها المحلي مؤخرًا “بلدة منكوبة”، بعد نزوح جميع سكانها والدمار الكبير الذي حل ببنيتها التحتية وأبنيتها السكنية.
مراسل عنب بلدي في ريف حماة “إياد عبد الجواد” يزور معرة حرمة بشكل يومي، ويوثق القصف المدفعي والصاروخي الذي يطالها، ويقول إن أربعة أشخاص فقط بقوا في البلدة، بينما نزح سكانها بشكل كامل إلى باقي مناطق الريف الإدلبي، مشيرًا إلى أن قوات النظام السوري تطلق قذائف المدفعية عندما ترصد أي حركة فيها.
طريق إمداد
تركيز قوات النظام السوري في قصفها المدفعي على معرة حرمة لا يمكن اعتباره اعتياديًا، بناء على عدة نقاط، أولاها أن البلدة قريبة من خط الجبهة، التي تغيرت بفعل سيطرة قوات النظام السوري بدعم روسي على مدينة خان شيخون والمناطق المحيطة بها، بينها مورك والتمانعة والهبيط وكفرنبودة.
النقطة الثانية التي تجعل معرة حرمة هدفًا للمدفعية الثقيلة اليومي، هي أنها طريق إمداد لفصائل المعارضة السورية، لوقوعها على الطريق الواصل بين ريف إدلب وريف حماة، بمعنى أنها تحتل موقعًا “استراتيجيًا” لم يكن موجودًا في السابق، بل فرضته ظروف العملية العسكرية الأخيرة التي بدأتها قوات النظام السوري وروسيا على المنطقة.
وبحسب خريطة السيطرة الميدانية تتوسط معرة حرمة عدة بلدات وقرى، بينها: معر زينة، جبالا، معرة الصين، ترملا، الشيخ مصطفى، وتعتبر خط الدفاع الأول عن مدينة كفرنبل، إضافة إلى كونها نقطة ربط مهمة جدًا لفصائل المعارضة، التي تتوزع قواتها في ريف إدلب الجنوبي والشرقي وريف حماة الغربي، سواء “الجبهة الوطنية للتحرير” أو “هيئة تحرير الشام”.
وكانت البلدة قد تعرضت لقصف جوي مكثف من الطائرات الحربية التابعة للنظام السوري وروسيا، في إطار الحملة العسكرية الأخيرة، ورغم قرب تجمع القوات التركية في بلدة معرحطاط منها، لم يكن ذلك كفيلًا بإيقاف القذائف والصواريخ، التي تحولت إلى أمر روتيني لا يتوقف توثيقه من قبل الناشطين والأشخاص القريبين القاطنين في محيطها.
نسبة الدمار 85%
في حديث لعنب بلدي يقول رئيس مجلس بلدة معرة حرمة، ضياء حاج أحمد، إن البلدة كانت قد احتضنت مؤخرًا أغلبية المهجرين، الذين نزحوا من الريف الشمالي لحماة، إلا أنها في الوقت الحالي خالية من السكان، ومدمرة بمنازلها وبناها التحتية، بسبب القصف الشديد من الحواجز المتمركزة حول خان شيخون، الذي أسفر عن مقتل 26 مدنيًا من أبنائها.
ويضيف حاج أحمد أن عدد سكان البلدة قبل النزوح كان يقدر بـ 25 ألف نسمة، وسبق أن أُعلنت منكوبة، منذ بداية الحملة على ريف إدلب، مشيرًا إلى أن نسبة الدمار فيها تبلغ 85%.
تتعرض البلدة بشكل يومي لما يزيد على 100 قذيفة مدفعية، ويوضح حاج أحمد أن المجلس المحلي ناشد جميع المنظمات الإنسانية، من أجل عملية دعم الأهالي بالمأوى والإغاثة، “لكن لم تكن هناك أي استجابة بحجة أن هناك ضغطًا هائلًا”.
ويشير رئيس المجلس المحلي إلى أن المنظمات قالت لهم “عليكم بمراجعة المجالس المحلية في المناطق التي توجدون فيها فهي المسؤولة عنكم”، لذلك لم يكن للمجلس المحلي لمعرة حرمة في مناطق النزوح أي دور.
وبعد نزوح سكان البلدة بشكل كامل، عمل المجلس المحلي على تجهيز قوائم للعائلات في كل منطقة يوجدون فيها، من أجل دعمهم، ويؤكد حاج أحمد، “لم نتلقَّ أي استجابة”، داعيًا المنظمات الإنسانية للتعامل مباشرة مع المجالس المحلية المهجرة.