ضياء عودة | مراد عبد الجليل | يامن مغربي
اختار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، افتتاح الدورة 74 لأعمال الجمعية العامة منبرًا يطل منه على العالم، ليؤكد أن “مفتاح الحل السوري” بات في جعبته، بعد أن “تم التوصل إلى اتفاق مع جميع الأطراف المعنية، من أجل إنشاء لجنة دستورية، ذات مصداقية ومتوازنة وشاملة ومملوكة لسوريا وبقيادة سورية”.
وجاء إعلان غوتيريش بعد يوم من حديثه عن انتهاء تشكيل اللجنة الدستورية، بشكل رسمي بموافقة المعارضة والنظام السوري، في ضوء قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي ينص على صياغة دستور جديد لسوريا وتحقيق انتقال سياسي للسلطة.
ورغم أن الانتهاء من تشكيل اللجنة جاء عقب تحركات حثيثة، ولقاءات جمعت زعماء الدول الضامنة لمؤتمر “سوتشي”، أثار الإعلان عنها عاصفة من ردود الفعل، على المستويين الدولي، والمحلي.
بارك الاتحاد الأوروبي جهود تشكيل اللجنة ورحب بالتوصل إلى اتفاق حوله، لكن السوريين، المعنيين بنتائجها، لم يتوافقوا على رأي تجاهها.
وبين الحديث عن دور اللجنة في العملية السياسية وأهميتها، كونها بوابة للحل السياسي بحسب وجهة نظر المعارضة، وبين دعوات لمقاطعتها واتهامها بأنها ستكون إعادة لشرعنة النظام القائم، لا تزال آلية عمل اللجنة وقواعدها الإجرائية مجهولة بالنسبة لكثير من السوريين، بانتظار الجلسة الافتتاحية الأولى التي من المفترض أن تعقد في 30 من تشرين الأول المقبل في العاصمة جنيف، وفق تصريحات مسؤولي المعارضة والنظام.
تسلط عنب بلدي في هذا الملف الضوء على آليات عمل اللجنة الدستورية، وتناقش مدى “دستوريتها”، كما تحاول تحديد دورها في إطار الحل السياسي السوري، وترصد وجهات النظر المختلفة حولها.
توافق الأفرقاء..
طريق وعرة أمام اللجنة الدستورية
طُرحت اللجنة الدستورية لأول مرة في مؤتمر “الحوار السوري” الذي رعته روسيا في مدينة سوتشي في تشرين الثاني 2018، وجاء في البيان الختامي أنه “تم الاتفاق على تأليف لجنة دستورية تتشكل من وفد حكومة الجمهورية العربية السورية ووفد معارض واسع التمثيل، بغرض صياغة إصلاح دستوري يسهم في التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254”.
عقب ذلك بدأت مفاوضات واعتراضات وعراقيل من قبل الطرفين، الأول هو المعارضة السورية، المتمثلة بهيئة التفاوض العليا، التي رفضت أن تكون مرجعية اللجنة مؤتمر “سوتشي”، وأن يترأس النظام اللجنة، وطلبت أن تكون مرجعية اللجنة القرار الدولي 2254 تحت مظلة الأمم المتحدة في جنيف.
في حين وضع النظام السوري وحلفاؤه العراقيل في طريق تشكيل اللجنة، تارة في رفضه القواعد الإجرائية ونسبة التصويت، وتارة في الاعتراض على أسماء موجودة في قائمة المجتمع المدني التي شكلتها الأمم المتحدة.
وبعد أكثر من عام ونصف من المفاوضات، وعقب ضغوط دولية لتشكيل اللجنة أو البحث عن بديل آخر، رضخ النظام السوري لضغوط حليفه الروسي ووافق إلى جانب المعارضة على تشكيل اللجنة، ليبدأ سوريون بطرح التساؤل، ما الخطوة المقبلة بعد تشكيل اللجنة؟
تتألف اللجنة من هيئة كبيرة من 150 اسمًا، 50 لكل من النظام والمعارضة (هيئة التفاوض) إلى جانب قائمة المجتمع المدني التي اختارتها الأمم المتحدة، وتنبثق عنها هيئة مصغرة تضم 45 اسمًا، بحسب ما صرح سابقًا المبعوث الدولي إلى سوريا، غير بيدرسون.
توافق صعب
وتحدث الناطق الرسمي باسم هيئة التفاوض السورية، يحيى العريضي، لعنب بلدي، عن المرحلة المقبلة، وقال إن الخطوة الأولى هي انعقاد اللجنة ومناقشة ما تم الاتفاق عليه من قواعد إجرائية ووضع القواعد الناظمة لعملها والنظام الداخلي، في حين ستكون هناك اجتماعات دورية لمجموعة مصغرة من 45 اسمًا، وهم متخصصون في صياغة الدستور، إضافة إلى تعيين رئاسة مشتركة من هيئة التفاوض والنظام، لتبدأ اللجنة عملها في كتابة الدستور وفق جدول زمني.
وقد تقف عملية التصويت داخل اللجنة عائقًا أمام مضيها قدمًا، خاصة أنه في حال حصول إشكالية حول قرار ما، فإن ذلك يحتاج إلى تصويت بنسبة 75% ما يعادل 113 صوتًا، من أصل 150 (عدد أعضاء اللجنة)، الأمر الذي قد يعرقل أي أمر.
من جهته أكد عضو هيئة التفاوض فراس الخالدي، لعنب بلدي أن الحصول على نسبة تصويت 75% لن يكون بالأمر السهل، معتقدًا أن الخلاف لن يكون على مواد الدستور المتعلقة بوحدة سوريا وجغرافيتها أو حقوق الطفل والمرأة، وإنما سيكون الخلاف على المواد المتعلقة بصلاحيات الرئيس، واعتبر أن هذا الخلاف يُحل بنقطتين، الأولى أن تكون هناك نوايا صادقة وثقة بين الطرفين، والثانية هي وجود الإرادة الدولية، ومن أجل تحقيق ذلك لا بد من بيئة محايدة وعاملة.
وتحدث الخالدي عن دور الطرف الثالث (قائمة المجتمع المدني)، واعتبر أنه “تكنوقراط” وسيصوّت على أي مادة خلافية وفق المنطق، الموجود لدى قائمة المعارضة أيضًا، ما يعني وجود طرفين ضد النظام وليس العكس كما يتم الحديث عنه، مشيرًا إلى أن النظام قاتل من أجل رفع نسبة تصويته ضمن الثلث الثالث من أجل تعطيل ذلك لكن تم رفض ذلك.
كما تحدث عن إمكانية ضغط النظام السوري على قائمة المجتمع المدني من خلال اعتقال عائلات الأعضاء لدفعهم للتصويت بما يتوافق مع رؤيته أو دفعهم للانسحاب من عمل اللجنة، كما حصل مع عضوين (تتحفظ عنب بلدي عن ذكر اسميهما) عندما هدد النظام عائلتيهما بالتصفية في حال لم ينسحبا من اللجنة، وهنا يأتي دور المجتمع الدولي في تأمين بيئة آمنة ومحايدة لعمل أعضاء اللجنة، بحسب الخالدي.
حل الخلاف بيد الأمم المتحدة
أما في حال الوصول إلى طريق مسدود بين أعضاء اللجنة حول إقرار أي مادة أو رفضها، يأتي دور الأمم المتحدة، بحسب عضو اللجنة الدستورية السورية مرح البقاعي، التي قالت لعنب بلدي إن الاتفاق المبدئي على تمرير أي مادة والتصويت عليها من الهيئة العامة (150 اسمًا) يتطلب 75%، لكن هناك معيار التوافق بين الأطراف بما يتوافق مع مصلحة سوريا العامة.
وأكدت البقاعي أن مهمة الأمم المتحدة تسيير عملية التفاوض ووصول الطرفين إلى توافق على أي موضوع، وفي حال الاعتراض ستكون المرجعية إلى الأمم المتحدة والقرار 2254، معتبرة أن لدى المبعوث الدولي، غير بيدرسون، الخبرة الكافية من أجل تحقيق توافقات ترضي كل الأطراف.
أما عضو هيئة التفاوض فراس الخالدي فاعتبر أن دور الأمم المتحدة ينقسم إلى قسمين، سياسي يتعلق بالإرادة والتوصل إلى حل، والثاني مرجعية اللجنة والتأثير على قائمة الثلث الثالث عبر التصويت بما يتوافق مع الحق.
واستغرق تشكيل اللجنة أكثر من عام ونصف، لتبدأ تساؤلات السوريين حول المدة الزمنية التي يمكن للجنة فيها صياغة الدستور وهل ستكون مفتوحة كما عملية التشكيل أم أن هناك مدة زمنية محددة، الأمر الذي تحدثت عنه البقاعي، إذ أكدت أنه لا يوجد أي عمل أممي أو عملية سياسية مفتوحة، ولا بد من وجود مدة زمنية محددة.
في حين أكد الخالدي أن هذه المسألة كانت إحدى نقاط المماطلة من قبل النظام عبر ترك عملية تشكيل الدستور دون زمن محدد، الأمر الذي ردت عليه الهيئة بأن يكون هناك زمن محدد للانتهاء من عملها.
اللجنة الدستورية في مسار القضية السورية
نهاية نفق الحل السياسي أم بدايته
لم يكن شعار “الحل في سوريا سياسي” مرفوعًا في الأعوام الأولى للصراع السوري، فالظروف التي شهدتها سوريا في ذلك الوقت كانت تمضي في مسار “الحل العسكري”، ولا سيما أن فصائل “الجيش الحر” (كما أطلقت على نفسها في بدايات التشكيل) كانت تسيطر على مساحات واسعة من الخريطة.
شعار “الحل العسكري” لم تدم المناداة به طويلًا، ليبدأ شعار “الحل السياسي” بالتصدر، بالتزامن مع الانسحابات التي عصفت بالمعارضة السورية على الأرض، وتدخل قوى إقليمية كبرى في الملف السوري، بينها أمريكا، وروسيا، وإيران، وتركيا.
ورغم أن التوافق التام على الحل السياسي كان حاضرًا في السنوات الماضية، عملت عدة أطراف على عرقلته وسعت لإفشاله، كخطوة لفرض الحل السياسي المنفرد الذي تتبناه والذي ارتبط بشكل أو بآخر بالعمليات العسكرية على الأرض.
مثال ذلك ما عملت عليه روسيا، منذ تدخلها في أواخر أيلول 2015، وصولًا إلى ما يشهده الوقت الحالي من إعلان تشكيل اللجنة الدستورية، التي تستحوذ على مفهوم الحل السياسي في سوريا بشكل كامل، رغم عدم وضوح الآلية التي ستعمل بها، أو عوامل فشلها ونجاحها في المهام الموكلة إليها.
بدأت العملية السياسية في سوريا في إطارها الدولي مع مؤتمر جنيف في حزيران 2012، الذي أقر ما سمي بـ “خطة عنان”، وضمت ست نقاط أكدت على وقف العنف والأعمال المسلحة، والالتزام بالحل السياسي، والإفراج عن المعتقلين، وفرضت هدنة لإمكانية إيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة.
كما أكّدت على تأسيس هيئة حكم انتقالي بسلطات تنفيذية كاملة تتضمن أعضاء من النظام والمعارضة، ويتم تشكيلها على أساس القبول المتبادل من الطرفين، عدا عن مراجعة النظام الدستوري وإجراء انتخابات “نزيهة”.
وكما هو المتعارف عليه في الاجتماعات المتعلقة بـ “القضية السورية”، رحبت جميع الأطراف، حينها، بالقرارات الصادرة، إلا أنها لم تطبق، على خلفية تباين بين الحكومة الروسية والأمريكية على مصير رئيس النظام السوري، بشار الأسد.
تعثرت العملية السياسية في جنيف، ورغم القرارات الدولية التي صدرت، ومن بينها قرار مجلس الأمن 2254، فإن النظام السوري لم يلتزم بها، واتجه إلى المسار السياسي الذي هندسته روسيا في “أستانة” و”سوتشي”.
مساران سياسيان للحل
بعد سقوط مدينة حلب انقسم الحل السياسي في سوريا بين مسارين، الأول قادته روسيا وركز على وقف إطلاق النار بين الفترة والأخرى، ومهّد لعملية سياسية كانت أولى بذورها في “أستانة”، وهي محادثات بين تركيا وروسيا وإيران، كان التطبيق العملي الأول لها باتفاق “خفض التصعيد” الذي شمل أربع مناطق هي درعا، والغوطة الشرقية، وإدلب، وريف حمص.
صُبغت المحادثات بـ “النفَس العسكري”، رغم إدراجها ضمن إطار التفاهمات والمحادثات السياسية الخاصة بالملف السوري، فالبنود التي تم الاتفاق عليها رسمت شكل الخريطة العسكرية على الأرض، وأضافت بعض القضايا السياسية، كنوع من الإشارة إلى ضرورة دمجها بما يسمى المحادثات السياسية لسوريا، منها ما ارتبط بملف المعتقلين، الذي لا يزال معلقًا حتى اليوم.
المسار الثاني هو الذي قادته الأمم المتحدة، ونال دعمًا كاملًا من الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفائها الغربيين ودول الخليج، بينها السعودية، واستند إلى المرجعيات الدولية، بينها قرار مجلس الأمن 2254، الذي حاولت روسيا الابتعاد عنه، لكنها قبلت مؤخرًا به كمرجعية للجنة الدستورية، التي طُرح موضوعها في مؤتمر سوتشي، كانون الثاني 2018.
انعكاس لواقع ثماني سنوات
جاء إعلان تشكيل اللجنة الدستورية مع دخول النزاع السوري عامه التاسع، دون وجود أي بارقة أمل للحل السياسي أو أثر من شأنه أن يحقق ما خرج السوريون من أجله.
وترى الباحثة السياسية والأكاديمية سميرة مبيض، أن اللجنة الدستورية لا تُطرح كحل سياسي وحيد في سوريا، بل كجزء من الحل السياسي وكخطوة لانطلاق مسار الانتقال السياسي المعتمد وفق القرارات الدولية المتعلقة بالشأن السوري، وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015، الذي ينص على إعادة صياغة الدستور السوري ضمن عملية انتقال سياسي.
وتقول مبيض لعنب بلدي إن الهيكلة الحالية للجنة الدستورية، تعكس مسار السنوات الثماني الماضية من صراع عسكري وتدخلات إقليمية وخارجية في الشأن السوري، بالإضافة إلى العوامل الذاتية في داخل المعارضة السورية والانحرافات التي شابت مسار تحقيق المطالب المحقة للشعب السوري.
مهمة اللجنة الدستورية في إعادة صياغة الدستور وفق القرارات الدولية لا تفضي إلى إعادة تأهيل الأسد إن تمت بشكلها السليم، بحسب مبيض، وهي من أعضاء قائمة المجتمع المدني (الثلث الثالث المشكّل للجنة).
وتضيف أن النظام السوري يسعى لحرف هذا المسار إلى تعديل على دستور عام 2012، “الذي تم تفصيله ليناسب تشبثه بالسلطة، وليمكنه من تجاوز مجلس الشعب باتخاذ قرارات تسعى لتمكين حكمه دون أن تصب في مصلحة السوريين”.
وبناء على ما سبق، تشير مبيض إلى أن الخطوة الأهم هي في عدم انحراف مسار اللجنة الدستورية باتجاه مطلب الأسد من خلال التمسك بهدفها الساعي لإنهاء حقبة الاستبداد، وهو هدف جامع للسوريين ويصب في مصلحة جميع الأطياف، ويتطلب تغييرًا جذريًا يجب أن يبدأ العمل عليه اليوم للنهوض بسوريا، بحسب قولها.
العبور إلى انتخابات 2021
في الفقرة الرابعة من القرار “2254” جاء أن العملية السياسية تتضمن إنشاء حكم شامل وغير طائفي خلال ستة أشهر، وعقب ذلك يتم النظر في النظام الدستوري للوصول إلى انتخابات برلمانية ورئاسية في 18 شهرًا.
ما سبق يعني أن الدستور حسب الوثائق يأتي ما بعد هيئة الحكم الانتقالي، وهو أمر يخالف ما يتم التخطيط له في الوقت الحالي، فالحديث ينحصر حاليًا بالدستور الذي ستتم كتابته، دون التطرق إلى هيئة الحكم الانتقالي.
ويرى عضو “هيئة التفاوض” السورية، فراس الخالدي، أنه من المستحيل أن تكون اللجنة الدستورية مقدمة للانتخابات الرئاسية في سوريا عام 2021، مشيرًا إلى حديث طُرح بشأن الانتخابات ورُفض من قبل “الهيئة العليا للمفاوضات”.
ويوضح الخالدي أن الدخول في الانتخابات هو عملية تشريع للنظام الحالي، لذلك فإن الانتخابات تحتاج إلى بيئة محايدة وآمنة وضمانات.
وتقول الباحثة السياسية والأكاديمية سميرة مبيض إن العبور لانتخابات عام 2021 يرتبط بنجاح العملية الدستورية، وتبني دستور جديد “كعتبة فاصلة بين حقبة الاستبداد والقمع المرتبطة بوجود نظام شمولي والتي دامت خمسة عقود وبين العبور نحو حقبة تعترف بالتعددية السياسية، وحرية الترشح والانتخاب بعيدًا عن القبضة الأمنية والأذرع الاستخباراتية”.
ولذلك يعتبر الدستور نقطة استناد مهمة ترسم وجه انتخابات عام 2021، وفق الباحثة السياسية التي تضيف أن ذلك “يزيد من حجم المسؤولية الملقاة على عاتق اللجنة الدستورية، إذ إن أي انحراف في مهامها سيؤدي لاستمرار معاناة الشعب السوري تحت وطأة استمرارية الصراع”.
استطلاع رأي: السوريون متشائمون من اللجنة الدستورية
بينما يعوّل بعض السياسيين السوريين على نجاعة اللجنة السورية كجزء من الحل السياسي في سوريا، أو كمقدمة له، لا ينعكس ذلك في الشارع السوري، الذي يبدو متشائمًا عمومًا من نتائج اللجنة الدستورية.
جريدة عنب بلدي أجرت استطلاعًا للرأي عبر صفحتها على “فيس بوك”، طرحت فيه السؤال التالي: “برأيك.. هل يسهم الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية بتغيير نحو الحل السياسي في سوريا؟ ولماذا؟”.
78% من المشاركين في الاستطلاع، الذين فاق عددهم 1500، صوتوا بـ “لا”، بينما أبدى 22% فقط منهم تفاؤلًا حيال مستقبل الحل في سوريا عبر اللجنة الدستورية.
المستخدم محمد سعيد طه، برر وجهة نظره المتشائمة تجاه اللجنة، وكتب في التعليقات على منشور الاستطلاع، “في سوريا لا يوجد ضامن، هناك أذرع تحرك، وأحجار على رقعة شطرنج تتحرك أو تقف حسب المصالح اللحظية”.
وأيد بعض المستخدمين وجهة نظره، وانتقد آخرون بعض المشاركين في اللجنة من المعارضة السورية، بينما ذهب بعضهم للتقليل من إمكانية الحل في ظل ضغط النظام وحليفه الروسي.
وكتب المستخدم عروة المنذر، “أي دوران للعجلة السياسية لن يستطيع النظام إيقافه، خاصة إذا ترافق مع رفع بعض العقوبات التي ستنعكس إيجابًا على الوضع المعيشي”، معبرًا عن دعمه للحل السياسي عبر اللجنة الدستورية.
وأكد أحمد خالد الرشيد، إمكانية إثمار الحل، وبرر ذلك بعدم وجود خيارات أمام السوريين، “فإما الحسم العسكري أو القبول بالحل السياسي”.
دستورية أم غير دستورية
وجهة نظر قانونية حول اللجنة
شكك قانونيون سوريون معارضون باستقلالية “اللجنة الدستورية” وفائدتها، معتبرين أنها مناورة للالتفاف على “تضحيات السوريين”، الأمر المرتبط بتعذر موافقة النظام عليها، لاعتبارات قانونية من جهة، وعدم التزامها بالقرارات الأممية التي تعمل في ضوئها، وعلى رأسها القرار 2254، من جهة أخرى.
وبالإضافة إلى ذلك، يحتاج إقرار دستور سوري جديد إلى تعديل مجموعة من القوانين، تحول في شكلها الحالي دون تحقيق انتقال سياسي سليم.
“غير دستورية”
يشكك المحامي والباحث القانوني، ومدير قسم حقوق الإنسان في الائتلاف السوري المعارض سابقًا، فراس الحاج يحيى، في أن تكون اللجنة الدستورية موافقة للدستور السوري.
وبينما ترتبط قرارات اللجنة الدستورية بموافقة النظام عليها بطبيعة الحال، يبرز النقاش بين معارضين وقانونيين سوريين حول إمكانية إلزام النظام السوري بتلك القرارات.
ويقول فراس الحاج يحيى في حديث لعنب بلدي، إن اللجنة الدستورية مخالفة للدستور السوري المقر عام 2012 “بشكل قاطع”، وبالتحديد للمادة 150 الخاصة بتعديل الدستور، والتي تتضمن أربع فقرات، تحدد الأسس التي يمكن أن يتم تعديل الدستور من خلالها.
الفقرة الأولى تنص على حق “رئيس الجمهورية وثلثي أعضاء مجلس الشعب، اقتراح تعديل الدستور”، أما الفقرة الثانية فتتضمن “اقتراح التعديل للنصوص المراد تعديلها، والأسباب الموجبة لذلك”.
ووفق الفقرة الثالثة من المادة 150، “يشكل مجلس الشعب فور ورود اقتراح التعديل إليه، لجنة خاصة لبحثه”، ثم “يناقش المجلس اقتراح التعديل، فإذا أقره بأكثرية ثلاثة أرباع أعضائه عُدّ التعديل نهائيًا شرط اقترانه بموافقة رئيس الجمهورية”، بحسب الفقرة الرابعة.
ويؤكد الحاج يحيى أن التعديلات يجب أن تكون جاهزة، قبل أن يتم طرحها من رئيس الجمهورية أو ثلثي الأعضاء، ثم طرحها للتصويت في مجلس الشعب وإقرارها، معتبرًا أن كل ما يتم الآن هو عبارة عن أعمال تحضيرية لوضع مسودة مشروع، وأن هذه اللجنة هي عبارة عن لجنة استشارية فقط.
وبناءً عليه، يشير الحاج يحيى إلى أن “اللجنة وقراراتها غير ملزمة قانونيًا للنظام السوري بالطريقة الحالية، خاصة أن اللجنة لم تُشكّل بناءً على مرسوم تشريعي صادر من رئيس الجمهورية، ولا من أعضاء مجلس الشعب أو حتى من الأمم المتحدة بحسب القرار الأممي 2254، خاصة أن هذا القرار يوصي بهيئة انتقالية هي التي تُصدر قرار تشكيل لجنة دستورية”، على حد تعبيره.
وفي الإطار ذاته، يرى رئيس المكتب التنفيذي في “الهيئة الوطنية للقانونيين السوريين”، القاضي حسين حمادة، أن دستور 2012 هو من الدساتير المرنة، ويخضع في تعديله إلى نص المادة 150 منه، منوهًا إلى أن “اللجنة ستصطدم بهذه المادة، والقول بغير ذلك يعرّض رئيس الجمهورية إلى مخالفة دستورية”.
“دون مرجعية”
يشير القاضي حسين حمادة، إلى أن اللجنة التي يسعى المجتمع الدولي إلى إنتاجها تفتقر إلى المرجعية الدستورية والقانونية والسياسية والواقعية.
ويوضح أن أي حديث عن لجنة دستورية يعني الحديث عن لجنة تأسيسية يتم إنتاجها وفق أطر دستورية ومناخ موضوعي، لتقدم هذه اللجنة مسودة لرؤية شكل الدولة بأركانها الثلاثة (إقليم، شعب، سلطة)، وفق قوله.
ويشدد حمادة في حديثه لعنب بلدي، على أن آليات إنتاج الدستور هي أهم من الدستور نفسه، وبالتالي فإن عدم مراعاة تلك الآليات يجعل من الناتج “غير دستوري”.
ويقول إن هذه الآليات تتمثل في طرق إنتاج اللجنة الدستورية، إذ يجب أن تكون “إما بانتخاب كامل أعضاء اللجنة من الشعب مباشرة، أو بانتخاب جزء منها وتعيين الجزء الآخر بالتوافق مع السلطات الشرعية (رئاسة الجمهورية، مجلس الشعب، الحكومة)، وذلك لمراعاة تمثيل الكفاءات السياسية والقانونية والاقتصادية”.
ويضيف القاضي أن مرجعية اللجنة الدستورية في إعداد مسودة الدستور تكون “وفق مفهوم الدولة الوطنية ومفهوم الدولة القومية ومفهوم الدولة الدينية”، مشيرًا إلى أن هذه المفاهيم إن طُبقت “ستمنع خضوع اللجنة، على الغالب، لتوزيع الحصص بين الموالاة والمعارضة وجهات دولية، أو إلى توزيع المقاعد بين مكونات الشعب السوري العرقية والدينية”.
فضلًا عن ذلك، فإن آليات إنتاج الدستور تتطلب، بالتوازي مع الدستور، إنتاج هيئة رقابة دستورية (محكمة دستورية) تكون مهمتها مراقبة المخالفات الدستورية المرتكبة بحق الدستور وإلغاءها و”إلا نكون أمام ناتج غير مكتمل”، وفق حمادة.
القاضي حمادة قال إن طرح مسودة دستور جديد للبلاد للاستفتاء عليه يتطلب من الناحية القانونية إعادة تصويب مجموعة من القوانين الخاصة “التي تعرقل الانتقال السياسي وتكرس الاستبداد”.
واعتبر أن طرح دستور جديد أو تعديلات دستورية قبل إصلاح البنية القانونية هو “كمن يضع العربة أمام الحصان”.
بين رافض ومؤيد..
طريق ضبابي ينتظر اللجنة الدستورية
لا تزال آلية عمل اللجنة الدستورية غير واضحة المعالم حتى الآن، وهو ما يجعل الحديث عن تبديل دستوري قريب غير ممكن في الوقت الحالي، إذ لا يزال المشهد ضبابيًا، ووضوح الصورة مرهون بخطوات جادة تجمع لجنتي المعارضة والنظام على طاولة واحدة.
ومع ضابية المشهد السياسي الخاص بسوريا في الوقت الحالي، تتردد أصوات كثيرة رافضة لتشكيل اللجنة، وتعتبرها خطوة قد تصب في إعادة تأهيل الأسد، بعيدًا عما طالب به السوريون طوال السنوات الثماني الماضية.
لا حل مع اللجنة
العضو السابقة في “تيار بناء الدولة” ورئيسة منظمة “مدني”، ريم تركماني، انتقدت عبر صفحتها الرسمية في “فيس بوك” في 24 من أيلول الحالي، ما قالت إنه “الإقصاء الأكبر” من اللجنة الدستورية لمناطق شرق الفرات والأكراد السوريين.
وحذرت تركماني مما أسمته “حمام دم يلوح في الأفق مختلف عن ذاك الذي يحوم فوق إدلب”، معتبرة أنه “لا يمكن الوصول إلى آليات تمثيل حقيقية تؤدي إلى تمثيل متوازن في الفترة الحالية”.
بينما اعتبر الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض، أحمد معاذ الخطيب، في منشور كتبه عبر “فيس بوك”، أن اللجنة الدستورية نتيجة لقرار من “محتلي سوريا” رافقه صمت دولي بحسب تعبيره.
ويتفق الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض، خالد الخوجة، مع معاذ الخطيب، إذ أعاد نشر ما كتبه الخطيب عبر “فيس بوك”.
أما بالنسبة للقادة العسكريين، فاعتبر قائد فصيل “صقور الشام”، أحمد الشيخ (أبو عيسى)، المنضوي في صفوف “الجبهة الوطنية للتحرير”، أنه “لا دستور في ظل عصابة الإجرام”، وقال أبو عيسى، عبر حسابه في “تويتر”، إن “الطغاة لا يحترمون الدساتير”، مشيرًا إلى أن “الإطاحة بالطغاة مقدمة على سن القوانين ووضع شرائع الحكم”.
كما اعتبر المتحدث باسم حركة “نور الدين الزنكي”، عبد السلام عبد الرزاق، عبر حسابه في “تويتر”، أن “اللجنة الدستورية في أحسن أحوالها هي قدرتها على تغيير الدستور، وشرعنة النظام لدخول انتخابات مقبلة تحت الاحتلال”، مطالبًا بمقاطعة كل مخرجات محادثات أستانة بما فيها اللجنة.
نقطة قوة؟
بينما يقف جزء كبير من المعارضين السوريين المستقلين والمنتمين إلى أحزاب ضد تشكيل اللجنة الدستورية، ترى الباحثة السياسية والأكاديمية سميرة مبيض، أن الاتفاق على المبادئ الرئيسيّة التي سترسم وجه سوريا المستقبلي “خطوة ضرورية للعبور إلى الانتقال السياسي، ومن هنا تأتي أهمية اللجنة الدستورية وارتباطها بالوصول لما خرج لأجله السوريون منذ تسع سنوات”.
وتضيف أن اللجنة “ستترجم مدى توافق السوريين على رؤية مشتركة لإعادة إنتاج الدولة، وإنهاء معاناة الشعب السوري، والتصدي لجميع أشكال السلطات القمعية والإرهابية ولتحديد مرتكزات العقد الاجتماعي القادم”.
وترى مبيض أن للجنة الدستورية عدة نقاط قوة لا يمكن تجاوزها، فهي بداية تؤشر لانتهاء عملية الجمود السياسي وتعطل العملية التفاوضية بسبب عرقلة النظام المستمرة لها.
وثانيًا، أنها جاءت نتيجة توافق بين الأطراف السورية والأطراف الدولية بخلق توازن معين، وذلك ليس دون المرور بكثير من الصعوبات والعراقيل من طرف الأسد، الذي يجد في عملية صياغة دستور جديد تهديدًا مباشرًا لاستمراريته في الحكم للأبد كما يسعى ويدعي.
وأخيرًا، أنها إن تمت، ستسمح بالانتقال لدستور عصري يحقق شروط المواطنة المتساوية والعدالة واحترام حقوق الانسان، وعودة سوريا لمسار الحداثة والإنسانية، وتلك مكاسب “مهمة” يجب العمل لأجل الحصول عليها، وفق رأي مبيض.
هل من حل بديل؟
من جهته أعرب عضو “هيئة التفاوض” السورية، فراس الخالدي، عن تفهمه لمخاوف السوريين وحالة الإحباط في الشارع السوري، نتيجة اللغط الذي حصل جراء عملية إعلامية سابقة حول مرجعية اللجنة الدستورية، قائلًا “منذ اليوم الأول نطلق النار على بعضنا، لنوجه النارعلى الخصم، ونوجه النصح فيما بيننا”.
وقال الخالدي، إن محور أستانة (روسيا وإيران)، كان يطالب أن تكون اللجنة الدستورية مرجعيتها مؤتمر سوتشي، ورئاستها من النظام السوري، ويصوت عليها مجلس الشعب، وأن يكون هناك إعادة صياغة لدستور 2012 غير الشرعي، الأمر الذي رفضته هيئة التفاوض ودخلت في صراع مع النظام وداعميه حول مرجعية اللجنة والرئاسة والتصويت.
وأضاف الخالدي أن مرجعية اللجنة هي الأمم المتحدة والقرار 2254، أي إن أعضاء اللجنة ستكون مرجعيتهم الأمم المتحدة ولن تكون لها وصاية عليهم، بمعنى فصل الأشخاص عن المؤسسات، أي سيكون التصويت من قبل قائمة النظام على مواد الدستور ضمن إطار الرؤية السياسية المتفق عليها دون العودة إلى النظام في دمشق.
أما عضو اللجنة الدستورية السورية، مرح البقاعي، فطالبت بالانتظار حتى انعقاد أول اجتماع، معتبرة أن اللجنة ستكون أول خطوة في العملية الدستورية وعملية الانتقال السياسي، خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية وضعت ثقلها في العملية السياسية.
وبحسب البقاعي فإن واشنطن تريد حلًا سياسيًا عادلًا يحسب حساب التضحيات الكبرى التي دفعها الشعب السوري، موجهة رسالة إلى الرافضين لعمل اللجنة بالقول “من لديه مشروع سياسي أفضل وأقصر وأكثر أهمية من مشروع اللجنة الدستورية، فليتقدم به من أجل مناقشته”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :