عنب بلدي – حباء شحادة
تخلص التعليم في شمال غربي سوريا من هيمنة المؤسسة الأمنية والحزبية في ظل النظام السوري، ولكنه لم يتمكن من تحقيق استقلاله المادي مع دوام الاستنفار الأمني، والحاجات الإنسانية الملحة في العام التاسع للحرب في سوريا، كما ترك قطع الدعم الغربي عن مديريات التربية والتعليم في إدلب وحلب، الذي أبلغتهم به منظمة “كيومنيكس” الدولية في 20 من أيلول الماضي، آلاف المعلمين والمدارس في المنطقة أمام خيارات صعبة.
رغم أن الدعم الأوروبي سابقًا، لم يوفر إلا راتبًا بقيمة 120 دولارًا لـ 65% من المعلمين في الشمال، إلا أنه ساعد على استمرار العملية التعليمية التي كافحت ضغوط الازدحام والدمار، لتخدم أكثر من مليون طالب في المنطقة.
تحديات في وجه المعلمين تزداد تعقيدًا
يعمل المعلمون في شمال غربي سوريا بمطلق الحرية من دون ضغوط من الأجهزة الأمنية، ويتمكنون من توجيه طلابهم تربويًا وأخلاقيًا وعمليًا بشكل مطلق دون قيود، حسبما قال نقيب المعلمين في ريف حلب، عمر ليلى، لعنب بلدي.
إلا أنهم يواجهون جملة من التحديات التي وقفت في وجه أداء واجبهم خلال سنوات الحرب، كان أبرزها ضعف مؤسسات التربية وعدم قدرتها على تأمين مستلزمات العملية التعليمية، من كتب ورواتب ومعدات لوجستية وترميم للمدارس.
وكانت الأمم المتحدة قدرت تعرض ثلث المدارس في عموم سوريا للضرر أو الدمار، مع استخدام النازحين داخليًا للعديد من المدارس المتبقية كملاجئ.
وبحسب إحصائيات صادرة عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) في 20 من أيلول الحالي، فإن 60 مدرسة تعرضت للضرر أو الدمار في شمال غربي سوريا، بسبب الغارات الجوية والقصف منذ أواخر نيسان الماضي، كما استُخدمت 94 مدرسة كمراكز لإيواء النازحين.
كما وقفت حالات النزوح المتكرر والتهجير من منطقة إلى أخرى عائقًا أمام إمكانية المعلم القيام بواجبه على أكمل وجه، حسب تعبير عمر ليلى، وعانى المدرّسون من غياب المورد المالي الثابت، وعدم اعتماد المنظمات العاملة بالتعليم لمعايير موحدة للتعيين.
وأضاف نقيب المعلمين، أن المدرسين يعملون في أغلب المناطق بشكل تطوعي، ولم يتلقوا إلا منحًا مؤقتة لفترات قصيرة عن طريق بعض المنظمات، وبقي متوسط راتب المعلم عند 80 دولارًا، في حال حصوله عليه، مع انقطاعه خلال العطلة الصيفية، في حين تصل تكلفة المعيشة إلى 500 دولار، حسب تقديره.
وقال مدير ثانوية “المعرفة” في ريف إدلب الجنوبي، قتيبة الهاروش، في حديث سابق لعنب بلدي، إن الدخل المتدني للمعلمين “دفع كثيرًا من الكفاءات للعمل خارج سلك التعليم (…) بعضهم لجأ للأعمال الحرة، وقسم آخر توجه إلى المنظمات للعمل بها، ما انعكس سلبًا على المستوى التعليمي والسوية التعليمية”.
وأثّر قطع المساعدات الأخير على 4400 معلم في 550 مدرسة تضم ما يزيد على 160 ألف طالب في الحلقة الثانية والتعليم الثانوي، حسبما قال معاون مدير التربية في محافظة إدلب، محمد الحسين، لعنب بلدي، رغم تعهد المانحين سابقًا بدوام التمويل حتى نهاية العام الدراسي الحالي.
وأشار الحسين إلى أن المديرية لا تملك خططًا للطوارئ تستطيع كفاية هذا العجز الموجود، مع اعتمادها منذ انطلاقتها على سد الحاجات من خلال العمل التطوعي، ولكن التطوع “ليس حلًا لمشكلة التعليم”، بحسب الحسين، إذ سيضطر المعلم للبحث عن مصادر أخرى للعيش.
إجراءات وحلول لإنقاذ التعليم
عملت وزيرة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة، الدكتورة هدى العبسي، منذ توليها منصبها في 31 من آب الماضي، على البحث عن حلول لمشاكل التعليم في ريف حلب وإدلب، ولكنها عانت من ضعف صلاحيات حكومتها، التي ترفضها “حكومة الإنقاذ” في إدلب، وتغيبها السلطة التركية في ريف حلب الشمالي.
وقالت العبسي في حديثها لعنب بلدي، إن الوضع التعليمي في المنطقة “لا يخفى على أحد”، مشيرة إلى إحصائية حصلت عليها من وحدة تنسيق الدعم (ACU)، تفيد أن أعداد المهددين بالتسرب من المدارس نتيجة انقطاع الدعم والوضع الأمني والنزوح، تزيد على مليون و120 ألفًا.
وعقدت الوزارة اجتماعات مكثفة مع الجهات المانحة، من دول ومنظمات مهتمة بدعم التعليم لسد العجز الحاصل، وفي حين تقدم بعضها وعودًا بالمساعدة، ترفض أخرى التعامل مع الحكومة كهيئة سياسية، وتتجه لدعم مديريات التعليم.
وقالت العبسي إن الوزارة تعمل على إقامة منصة للتعليم، تضم جميع المنظمات المهتمة بتقديم الدعم ليتم التنسيق والتعاون بينها، وأضافت، “للأسف نحن نحارَب بالتعليم وبكل وسائل الحياة”، مشيرة إلى حجم الصعوبات التي يواجهها القطاع في الجيب الأخير الذي تسيطر عليه المعارضة السورية.
بدورها، اختصرت مديرية التربية والتعليم في حلب منذ وصول خبر توقف الدعم الوظائف الإدارية في المدارس إلى النصف، مع الحفاظ على الحد الأدنى المطلوب لتسيير الأمور في المدارس، حسبما قال مديرها، محمد مصطفى، لعنب بلدي.
وطبقت المديرية معايير الخريطة المدرسية التي تعيّن الحد الأدنى والأعلى للصفوف في المدرسة، ما أدى لاختصار الكثير من الشُّعب، التي لم يكن فيها عدد كاف من الطلاب، وهذا أدى بدوره لتخفيض عدد الكوادر البشرية العاملة.
وأضاف مصطفى أن المديرية “متفائلة” من أن هذه الإجراءات ستمكنها من دعم معظم المدارس أو جميعها هذا العام، مشيرًا إلى أن توقف الدعم من قبل المنظمات ليس بالأمر الجديد، ومع إنهاء دعم مشاريع تعليمية يبدأ دعم لمشاريع أخرى، وإن كانت نسبة العجز هذا العام أكبر من السابق.