السلام الإيراني

  • 2019/09/29
  • 12:00 ص

إبراهيم العلوش

أعلن الرئيس الإيراني عن إطلاق مبادرة من على منبر الجمعية العامة في الأمم المتحدة في 25 من أيلول الحالي، تدعو إلى إخراج القوات الأجنبية من منطقة الخليج، والسيطرة على مضيق هرمز من قبل دول المنطقة، بما فيها إيران، فلماذا لا يتقبل العرب هذه المبادرة السلمية من دولة الملالي؟

في اليوم التالي لمبادرة الرئيس روحاني أصدر مكتب الخامنئي صورة ثلاثية تضم الخامنئي نفسه بالإضافة إلى قاسم سليماني وحسن نصر الله، أذرعه التي يستعملها طوال العقد الماضي في زعزعة استقرار المنطقة، وقال موقع “عنب بلدي” الذي أورد الصورة والخبر عن موقع “الخامنئي بالعربي”، إن لقاء الثلاثة يبدو حديثًا، بعد تفاقم الحصار الاقتصادي الأمريكي على إيران.

الصلة الواضحة بين الخبرين السابقين هي أن مبادرة الرئيس الإيراني السلمية، كما بدت، ستمر تحت إشراف القادة الثلاثة الذين ظهروا في الصورة، وهم رموز التخريب في المنطقة الذين فرغوا لتوهم من تدمير سوريا وتهجير شعبها، وأن “النموذج” نفسه ينتظر الدول التي ستستجيب لسلام دولة الملالي!

الرئيس الإيراني قال في خطابه أيضًا إن إيران دولة سلام، وقد ساعدت الشعب السوري على الاستقرار والانتصار على الإرهاب، وصحيح أن تدمير سوريا صار واقعًا يفقأ العين، وأن القاصي والداني يعرف دور فيلق القدس وحزب الله في هذا التدمير الطائفي الممنهج، إلا أن الرئيس الإيراني يسأل دول العالم أن تعتبر إيران دولة سلام بسبب دورها الذي قامت به في سوريا وهي تثبت أركان نظام الأسد، بالإضافة إلى دورها في الخليج وفي اليمن. وكدليل على سلمية توجهات دولة الملالي، علّق خطيب الجمعة (20 من أيلول) في مدينة مشهد الإيرانية على تحليل الخبراء لمصدر الصواريخ التي ضربت آرامكو السعودية قائلًا: يقولون إن الصواريخ أتت من الشمال وليس من الجنوب.. وما الفرق فإن إيران في جنوبكم وفي شمالكم!

استطاع حافظ الأسد أن يخفي العلاقة العميقة بين دولة المخابرات ودولة الملالي الإيرانية، واستطاع الاحتفاظ بهامش واسع للمناورة رغم انفتاحه على الدولة الإيرانية ودعمه لها منذ بداية الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، ولكنه هو من وضع الأسس العميقة لهذا الاجتياح الذي تتمزق سوريا تحت وطأته اليوم. ولم يكن ذلك خافيًا على العالم، فالرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي حضر مراسم دفن حافظ الأسد وتنصيب بشار الأسد عام 2000، نصح الرئيس الجديد بعدم الاندفاع خلف إيران وإنما العمل على جعل سوريا مركزًا للتوازن بين العرب والإيرانيين وساحة للتبادل بينهما، ولكن الطاغية المغرور، كما قال شيراك في مذكراته، لم يسمع الكلام.

يذكر بأن شيراك رحل قبل أيام (26 من أيلول 2019) مكرّمًا من شعبه الذي كان يعتبره نابليون آخر في الذكاء واستيعاب الآخرين، بينما الطاغية المغرور عالق اليوم بين فكّي الإيرانيين والروس وبلا أي أمل بعد أن نبذه الشعب السوري.

من الواضح أن أدوات السلام التي يطرحها الخامنئي لتنفيذ مبادرة الرئيس روحاني هما قاسم سليماني وحسن نصر الله، ومن ورائهما ضمنًا، الميليشيات الطائفية التي تجوب أنحاء سوريا والعراق ولبنان واليمن، ورغم انقطاع الإمدادات عن هذه القوات الضاربة، فإنها لا تزال تدور بقوة العطالة معتمدة على التشليح والابتزاز وزراعة الحشيش والتهريب. ومع ذلك لا بد من التعليق على صورة الخامنئي مع قائديه النجيبين التي تداولتها وكالات الأنباء، والتي توحي للمشاهد بأنها صورة من القرن الثامن عشر أو من قرون سابقة، أو ربما هي صورة لمشهد تمثيلي تم تنفيذه في بيروت على طريقة الرحابنة وعلى شاكلة شخصية مختار المخاتير وغيرها من الشخصيات اللبنانية الكوميدية.

القوات الأمريكية حتمًا لن تجلب السلام إلى منطقة الخليج، ولكن الصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية باشرت فعلًا بتقويض السلام في الخليج تحت ذريعة تدمير المنطقة لوقف الحصار الأمريكي.

وبالمقابل الروس متلهفون لإعلان الحماية الدولية لمنطقة الخليج ومضيق هرمز، ومصلحتهم تقتضي مساندة مشروع مشابه للمشروع الأمريكي لوضع يد في أغنى منطقة بترولية وللتحكم بإمدادات النفط العالمية.

أما الأمريكيون فقد شرعوا فعلًا بتشكيل قوة دولية لوضع اليد على الممرات المائية في الخليج وتأمين تدفق البترول، وهذا ما سيحرم إيران من القدرة على السيطرة في منطقة الخليج ويسلب منها هامش المناورة والقرصنة للسفن البحرية التي احتجزت عددًا منها خلال الأشهر الماضية.

الدول الخليجية بكل الأحوال هي الخاسرة في هذا الصراع، لكن لم يعد لديها من خيارات أمام تدمير مصافي النفط والهجوم على منابعه كالذي حدث في 14 من أيلول في خريص وبقيق، فلم يبق أمامها إلا اختيار الجهة التي ستستسلم لها هل ستستسلم للإيرانيين، أم للروس، أم للأمريكيين، ومن الواضح أن خيار الاستسلام حُسم لمصلحة الأمريكيين مقابل الاحتفاظ بأنظمة الحكم الهشة، وإبقاء الناس في دول الخليج غارقين في نشوة الاستهلاك والرفاهية التي لن تدوم طويلًا بوجود صورة مختار المخاتير الإيراني مع قاسم سليماني وتابعه حسن نصر الله، الذين يشعلون المنطقة بنار الخراب.

أما في سوريا فالسلام الإيراني بدأ مبكرًا في مدينة القصير، بعد تهجير أهلها من قبل ذراع إيران حزب الله وقائده الموجود في الصورة، وذلك بزراعة الحشيش في أراضيها.

السلام الإيراني بدأ فعلًا بعد قتل وحرق جثث المعتقلين وتسليم بيانات وفاتهم عبر دوائر الأحوال الشخصية.. إنه سلام إيراني ما بعده سلام!

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي