شكك قانونيون سوريون معارضون باستقلالية “اللجنة الدستورية” وفائدتها، معتبرين أنها مناورة للالتفاف على “تضحيات السوريين”، وذلك بعد ساعات من إعلان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الانتهاء من تشكيل لجنة إعداد الدستور في سوريا.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة قال في مؤتمر صحفي في الأمم المتحدة أمس، الاثنين 23 من أيلول، إن “لجنة المفاوضات السورية وحكومة الجمهورية العربية السورية وافقتا على إنشاء لجنة دستورية، ذات مصداقية ومتوازنة وشاملة ستيسرها الأمم المتحدة في جنيف”.
وبدا لافتًا خلال موجة الانتقادات التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي ما كتبه مجموعة من القضاة السوريين حول رأيهم باللجنة، مشيرين إلى أنها لا ترتبط بمخرجات “جنيف 1” والقرارات الدولية، ومنها القراران 2254 و2118، التي تؤكد أن الأولوية في الحل السياسي في سوريا يبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالي وليس لجنة دستورية.
وفي اتصال أجرته عنب بلدي مع رئيس المكتب التنفيذي في “الهيئة الوطنية للقانونيين السوريين”، القاضي حسين حمادة، الثلاثاء 24 من أيلول، اعتبر أن اللجنة التي يسعى إلى إنتاجها المجتمع الدولي تفتقر إلى المرجعية الدستورية والقانونية والسياسية والواقعية.
وأوضح أن أي حديث عن لجنة دستورية يعني الحديث عن لجنة تأسيسية يتم إنتاجها وفق أطر دستورية ومناخ موضوعي، لتقدم هذه اللجنة مسودة لرؤية شكل الدولة بأركانها الثلاثة (إقليم، شعب، سلطة)، وفق قوله.
الناحية الدستورية
القاضي حمادة، نوه إلى أن آليات إنتاج الدستور هي أهم من الدستور نفسه، وشدد على أن عدم مراعاة تلك الآليات يجعل من الناتج “غير دستوري”.
وقال إن هذه الآليات تتمثل في طرق إنتاج اللجنة الدستورية، إذ يجب أن تكون “إما بانتخاب كامل أعضاء اللجنة من الشعب مباشرة، أو بانتخاب جزء منها وتعيين الجزء الآخر بالتوافق مع السلطات الشرعية (رئاسة الجمهورية، مجلس النواب،الحكومة)، وذلك لمراعاة تمثيل الكفاءات السياسية والقانونية والاقتصادية”.
وأضاف القاضي أن مرجعية “اللجنة الدستورية” في إعداد مسودة الدستور تكون “وفق مفهوم الدولة الوطنية ومفهوم الدولة القومية ومفهوم الدولة الدينية”، مشيرًا إلى أن هذه المفاهيم إن طُبقت “ستمنع خضوع اللجنة، على الغالب، لتوزيع الحصص بين الموالاة والمعارضة وجهات دولية، أو إلى توزيع المقاعد بين مكونات الشعب السوري العرقية والدينية لأن الأخيرة يمكن مراعاتها في مواضع أخرى”، وفق قوله.
وأوضح حمادة لعنب بلدي، أن آليات إنتاج الدستور تتطلب، بالتوازي مع الدستور، إنتاج هيئة رقابة دستورية (محكمة دستورية) تكون مهمتها مراقبة المخالفات الدستورية المرتكبة بحق الدستور وإلغاءها و”إلا نكون أمام ناتج غير مكتمل”، وفق تعبيره.
واعتبر أن دستور 2012 هو من الدساتير المرنة ويخضع في تعديله إلى نص المادة 150 منه، التي تنص على أن اللجنة الدستورية بمجلس الشعب السوري هي التي تقدم مقترح تعديل الدستور، ويكون مقترحًا نافذًا بعد موافقة ثلثي أصوات أعضاء المجلس وموافقة رئيس الجمهورية.
وأردف، “لذلك فإن اللجنة ستصطدم بهذه المادة، والقول بغير ذلك يعرض رئيس الجمهورية إلى مخالفة دستورية”.
ولفت حمادة، إلى أنه في مرحلة الثورات يجب تجميد الدساتير لا كتابتها، ولا يمكن طرح دستور جديد للبلاد وهي في هذه الظروف، معتبرًا أن أي عملية انتخابية لا بد أن تسبقها عملية إحصائية تحدد المواطن من الأجنبي، الذي حاز على الجنسية بطريقة مزورة أو احتيالية.
تعديل قوانين وتشريعات
القاضي حمادة قال إن طرح مسودة دستور جديد للبلاد للاستفتاء عليه يتطلب من الناحية القانونية إعادة تصويب مجموعة من القوانين الخاصة “التي تعرقل الانتقال السياسي وتكرس الاستبداد”.
واعتبر أن طرح دستور جديد أو تعديلات دستورية قبل إصلاح البنية القانونية هو “كمن يضع العربة أمام الحصان”.
وعدّد من تلك القوانين، قانون مجلس النواب (النظام الداخلي رقم 304)، وقانون السلطة القضائية رقم 98 وتعديلاته، وقانون الجيش والقوات المسلحة (خدمة العلم) رقم 30 وتعديلاته، وقوانين قوى الأمن الداخلي والمؤسسات الأمنية ومنها المرسوم التشريعي رقم 14 المتضمن تأسيس الإدارة العامة للمخابرات والمرسوم التشريعي رقم 549 المتضمن النظام الداخلي للإدارة العامة للمخابرات، وقانون السفراء والدبلوماسيين الصادر وفق المرسوم التشريعي رقم 4 لعام 2010، وقانون الإدارة المحلية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 107 لعام 2011، وقانون الجنسية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 276 لعام 1969 وتعديلاته، وقانون الأحزاب السياسية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 100 والمرسوم رقم 146 لعام 2011 والتعليمات التنفيذية رقم /12793/ الصادرة عن رئيس مجلس الوزراء عام 2011، وقانون الانتخابات العامة رقم 5 لعام 2014 وتعليماته التنفيذية، وقانون الإعلام والمطبوعات رقم 108، والمرسوم التشريعي رقم 40 المؤرخ لعام 1966 الذي منح حصانة لبعض الموظفين الحكوميين، والمرسوم التشريعي رقم 109 لعام 1968 المتضمن تشكيل المحاكم العسكرية، والقانون رقم 49 لعام 1980 المتعلق بالإخوان المسلمين، والمرسوم التشريعي رقم 69 لعام 2008 المتضمن حصانة للشرطة والجمارك والأمن السياسي من الملاحقة وتعديلاته وخاصة المرسوم رقم 55 المؤرخ لعام 2011، والقانون رقم 19 لعام 2012 المتضمن مكافحة الإرهاب، والقانون رقم 22 لعام 2012 المتضمن تشكيل محاكم الإرهاب.
وختم حمادة حديثه بدعوة “الهيئة الوطنية للقانونيين السوريين” للتمسك بمخرجات “جنيف 1” وتنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بالشأن السوري وفق الأولويات الواردة فيها، والتي نصت على أن “الحل السياسي يبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالي تعمل على تأمين المناخ الموضوعي وتسهر على توفير آليات إنتاج اللجنة الدستورية وبيئة آمنه تسمح للشعب السوري في قول كلمته بحرية ونزاهة”.
وتضم “الهيئة الوطنية للقانونيين السوريين” في عضويتها أكثر من ألف قانوني سوري، وهي تعمل على وضع خطة عمل لشرح “الأبعاد الكارثية” لـ “اللجنة الدستورية”، وفق توصيفها.
–