فتح إعلان تشكيل اللجنة الدستورية السورية من قبل الأمم المتحدة الباب أمام عدة تحليلات وشروحات من قبل معارضين سوريين، تحدثوا فيها عن الآلية والخطوات الإجرائية التي سيتم العمل فيها، إضافة إلى الآلية القانونية التي ستنقل عمل اللجنة من حيز السكون إلى حيز الفعالية.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد أعلن، أمس الاثنين، الانتهاء من تشكيل لجنة إعداد الدستور في سوريا بشكل رسمي بعد موافقة المعارضة والنظام السوري.
وقال غوتيريش في مؤتمر صحفي في الأمم المتحدة إن “لجنة المفاوضات السورية وحكومة الجمهورية العربية السورية وافقتا على إنشاء لجنة دستورية، ذات مصداقية ومتوازنة وشاملة ستيسرها الأمم المتحدة في جنيف”.
المعارض السوري وعضو “هيئة التفاوض السورية” سابقًا، محمد صبرا عرض عشرة بنود عبر “فيس بوك” تحدث فيها عما أسماها بـ”قضية الخديعة”، التي سيتم تمريرها في آلية عمل اللجنة.
ومنذ طرحها في مؤتمر “سوتشي”، كانون الثاني 2018، ثارت نقاشات كثيرة حول اللجنة الدستورية، وكان أغلب النقاش يتمحور حول الأسماء المشارِكة فيها واعتراض النظام السوري على بعضها.
واعتبر صبرا أن النقاش الذي شهدته الأشهر الماضية كان مجرد إلهاء عن حقيقة أساسية، وهي أن “اللجنة ستكون مجرد أداة لوأد كل نضالات الثورة السورية وتضحياتها”.
وقال إن المشكلة ليست بالأسماء ولا الحصص ولا رئاسة اللجنة، بل في الإطار الإجرائي الذي ستعمل فيه في مرحلة النقاش، والأخطر من ذلك في الآلية القانونية التي ستنقل عمل اللجنة من حيز السكون إلى حيز الفعالية، أي في تحويل مخرجات اللجنة إلى مؤسسة قانونية ملزمة للأطراف.
آلية الاستفتاء
طُرحت مسألة اللجنة الدستورية لأول مرة في مؤتمر “سوتشي” بروسيا، في 20 من كانون الأول 2018، لتبدأ عقبها محادثات بين الأطراف لكن دون جدوى، بسبب مماطلة من النظام السوري واعتراضه المتكرر على الأسماء المشاركة.
لكن خلال الأشهر الماضية، وبعد ضغوط وتصريحات من قبل واشنطن ودول في الاتحاد الأوروبي بإمكانية البحث عن مسار آخر غير اللجنة، كثفت الدول الضامنة لمحادثات أستانة (روسيا وتركيا وإيران) تحركها من أجل التوصل إلى تشكيل اللجنة، لعدم إظهار الفشل أمام المجتمع الدولي وخسارة ورقة سياسية.
ومن المقرر أن تكون مخرجات اللجنة الدستورية التي يجب أن يتم التوافق عليها بنسبة 75% أي بموافقة 113 عضوًا، وستخضع بعد ذلك للاستفتاء العام.
وأشار صبرا إلى أن المشكلة ليست في الاستفتاء بل في آلية الاستفتاء، واستند بذلك إلى أن اللجنة الدستورية بحد ذاتها هي مخالفة جوهرية للقرار 2254 الذي يعتبر أساس العملية السياسية.
وينص القرار 2254 على أن هدف العملية السياسية هو تطبيق بيان جنيف لعام 2012، وبحسب المعارض السوري وُضعت لذلك خطة عمل تقوم على مفاوضات لمدة ستة أشهر يكون هدفها الوحيد هو تشكيل حكم انتقالي شامل وغير طائفي يتولى كل السلطات التنفيذية في الدولة، وبعد تشكيل هيئة الحكم الانتقالي تكون مهمتها الوحيدة هي وضع دستور جديد للبلاد وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية بموجب الدستور الجديد خلال 18 شهرًا.
من زاوية أخرى أوضح صبرا أن موضوع اللجنة الدستورية هو قرار روسي تم تمريره عبر تكاتف ثلاث قوى هي: جزء من المعارضة التي ذهبت في الخيار الروسي التركي المشترك عبر أستانة، والقوة الثانية كانت دعمًا منقطع النظير من المبعوث الأممي السابق، ستيفان ديمستورا، لهذا الخيار.
أما القوة الثالثة فهي مقولة “لن نكون ملكيين أكثر من الملك”، التي تبنتها بعض الدول الغربية والعربية تحت ذريعة أن جزءًا كبيرًا من المعارضة موافق على هذا الطرح وأن من ذهب إلى خيار أستانة هم من السوريين.
ومن المتوقع أن يقدم بيدرسون إحاطة شاملة عن عمل اللجنة الدستورية والقواعد الإجرائية الناظمة لعملها، في جلسة مجلس الأمن في 30 من أيلول الحالي.
ماذا يعني الذهاب إلى اللجنة؟
واعتبر صبرا أن الذهاب إلى خيار اللجنة الدستورية يعني التخلي عن بيان جنيف وعن المرحلة الانتقالية التي تديرها هيئة الحكم الانتقالي.
كما يعني الموافقة على أن بشار الأسد هو من سيضع قطار الحل السياسي على السكة عبر الآلية القانونية لإقرار عمل اللجنة الدستورية، وهذا يعني الاعتراف بشرعية بشار الأسد وربما لاحقًا بحقه في الدخول في الانتخابات المقبلة.
وأشار المعارض السوري إلى أن ذهاب مخرجات اللجنة للاستفتاء يعني أنها ستقدم مجرد مشروع دستور أو توصيات بتعديلات دستورية، ولن تكون هناك كتابة لدستور ناجز وملزم، وهذا المشروع لن يكون مصادقًا عليه من الأمم المتحدة بقرار من مجلس الأمن يجعله ساريًا بمجرد صدور قرار مجلس الأمن.
وقال إن اللجنة الدستورية لا تستطيع أن تدعو هي للاستفتاء على الدستور، بل لا بد من العودة إلى دستور بشار الأسد الحالي لتنظيم عملية الاستفتاء، باعتبار أن مخرجات اللجنة مجرد مشروع يحتاج لإقراره من قبل الشعب.
وجاء في المادة 116 من دستور 2012 “يحق لرئيس الجمهورية أن يستفتي الشعب في القضايا المهمة التي تتصل بمصالح البلاد العليا، وتكون نتيجة الاستفتاء ملزمة ونافذة من تاريخ إعلانها، وينشرها رئيس الجمهورية”.
وبحسب صبرا لا يوجد في كل دستور بشار الأسد آلية أخرى لإجراء الاستفتاء.
وأوضح أنه وبمجرد صدور مرسوم من قبل بشار الأسد بإجراء الاستفتاء يعني تشريعًا لكل مرحلة الأسد، وكل الإجراءات التي قام بها خلال السنوات الماضية.
ولا تزال آلية عمل اللجنة الدستورية غير واضحة المعالم حتى الآن، وهو ما يجعل الحديث عن تغيير دستوري قريب غير ممكن في الوقت الحالي، إذ لا يزال المشهد ضبابيًا، ووضوح الصورة مرهون بخطوات جادة تجمع لجنتي المعارضة والنظام على طاولة واحدة.
–