مصير معلّق لأبناء مقاتلي تنظيم “الدولة” الأجانب في سوريا

  • 2019/09/22
  • 1:38 ص

تنظيم مايسمى "أشبال الخلافة" في أحد إصدارات تنظيم الدولة (أعماق)

عنب بلدي – نينار خليفة

واقع شائك ومستقبل مجهول يكتنف أطفال مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” الأجانب في سوريا، فبعد هزيمة التنظيم يعيش الآلاف منهم في مخيمات تفتقد مقومات الرعاية الصحية والاجتماعية، التي هم بأمس الحاجة إليها، كما أنهم في معظم الأحيان لا يملكون أوراقًا ثبوتية أو بطاقات شخصية أو جنسيات بسبب رفض دول آبائهم الاعتراف بهم أو استعادتهم، ولعدم قدرة إدارة المخيمات على منحهم أي وثائق.

رفض وتردد تقابله مبادرات خجولة من قبل بعض حكومات الدول الأجنبية لاستعادة رعاياها من مقاتلي تنظيم “الدولة”، الذين يحملون جنسياتها، وأسرهم، أو الاقتصار على تسلم أطفالهم، وجدل واسع يفتحه ملف استعادة هؤلاء الأطفال بين العديد من الحكومات التي تتعلل بمخاوفها الأمنية للرفض.

في ظل هذا التخلي يموت المئات من الأطفال في المخيمات التي تحتجزهم، ووفقًا لتقرير أصدرته الأمم المتحدة، في 11 من أيلول الحالي، حول أوضاع مخيم “الهول” الواقع بريف الحسكة شمال شرقي سوريا، فإن ما لا يقل عن 390 طفلًا توفوا في المخيم، بسبب سوء التغذية أو لعدم الحصول على الرعاية الصحية اللازمة.

ويُقدر عدد سكان مخيم “الهول” بنحو 70 ألفًا، معظمهم من النازحين وعائلات المقاتلين في تنظيم “الدولة”، بينهم نحو 3500 طفل لا يملكون وثائق ولادة، وتشكل النساء والأطفال 92% من مجموع ساكني المخيم.

وحتى الآن لم تستعد سوى بضع دول بعض مواطنيها من مقاتلي التنظيم وأطفالهم، ومنها أوزبكستان وكازاخستان والولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، وبلجيكا، وفرنسا، وهولندا.

فأي مستقبل ينتظر هؤلاء الأطفال؟ وما إجراءات خروجهم من المخيم وتسليمهم إلى بلدانهم الأصلية؟ وما تداعيات فصلهم عن أمهاتهم؟

أطفال يتامى وحالات إنسانية

المتحدث الرسمي باسم مكتب العلاقات الخارجية في “الإدارة الذاتية” (الكردية) التي تتولى إدارة مخيم “الهول”، كمال عاكف، أشار إلى أن معظم الأطفال الذين سُلّموا إلى دولهم هم ممن تقل أعمارهم عن عشر سنوات ولديهم حالات إنسانية خاصة، وجميعهم تقريبًا هم من اليتامى.

وفي إجابات عن أسئلة عنب بلدي التي وُجهت له عبر الإنترنت، أوضح عاكف أنه يوجد حاليًا في مخيم “الهول” نحو 12 ألف امرأة وطفل من الأجانب ينتمون لأكثر من 50 دولة في العالم، يتوزعون بين ثمانية آلاف طفل وأربعة آلاف امرأة.

وأوضح أن عدد الأطفال والنساء الذين سُلّموا حتى الآن إلى دولهم لا يتجاوز 500، أي إنهم لا يشكلون سوى نسبة 2% من العدد الكلي للموجودين لدى “الإدارة الذاتية”.

على الحكومات التواصل مع “الإدارة” وتعبئة نماذج رسمية

وحول الإجراءات المتبعة لتسليم الأطفال من المخيم، أكد عاكف حرص “الإدارة الذاتية” على أن يتم التواصل عن طريق حكومات البلدان التي تريد استلام الأطفال بشكل رسمي، مبينًا أن عملية التسليم لا تتم إلا عبر توقيع الطرفين على “وثيقة أجانب” رسمية.

وأضاف أنه بناء على اتصال هذه الحكومات مع دائرة العلاقات الخارجية في “الإدارة الذاتية”، يتم التنسيق بخصوص تسليم حالات معينة لها أوضاع إنسانية، تشمل النساء اللواتي لم ينخرطن بالأعمال القتالية ولا يوجد بحقهنّ أي إجراء أو أدلة تثبت إدانتهن، والأطفال اليتامى ممن تقل أعمارهم عن عشر سنوات.

وأوضح عاكف أن “الإدارة الذاتية” تعتبر أن من واجبها العمل على تسليم أصحاب هذه الحالات الإنسانية إلى حكوماتهم، من أجل إعادة تأهيلهم وتخليصهم من الذهنية المتطرفة التي تربوا عليها في مناطق تنظيم “الدولة”، إلى جانب رغبة الإدارة بأن يتم دمج هؤلاء مع مجتمعاتهم، وتحويلهم إلى أشخاص فاعلين.

وأكد عاكف أن دولًا عدة تُجري حاليًا اتصالاتها مع “الإدارة الذاتية” بغرض مساعدة واستعادة بعض الأطفال من المخيم، رافضًا الكشف عن أسماء هذه الدول.

الدول تتصرف بطريقة “مضرة” و”غير قانونية”

وحول الطريقة التي تتعاطى فيها الدول مع هذا الملف وتبعاتها على الأطفال، ومدى قانونيتها، اعتبر مدير منظمة “العدالة من أجل الحياة”، الحقوقي جلال الحمد، أن مختلف الدول تحاول التهرب من التعامل بواقعية مع مشكلة الأطفال أبناء عناصر تنظيم “الدولة” الذين يحملون جنسياتها، ولذلك فإن هذه الدول تخطو خطوات غير قانونية ومضرة بشكل مباشر على هؤلاء الأطفال.

وأضاف، في حديث إلى عنب بلدي، أن من بين هذه الخطوات تجريد مقاتلي التنظيم من جنسياتهم، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على أطفالهم، إلى جانب رفض بعض الدول استقبال أبناء عناصر التنظيم أو عوائلهم بشكل عام، وهو ما يعني أن هؤلاء الأطفال سيبقون داخل مخيم “الهول” أو غيره من المخيمات التي يوجدون فيها سواء في سوريا أو العراق، والتي تعتبر مناطق غير آمنة ستُعرّضهم للخطر بشكل أو بآخر، مع ما يسمعونه داخلها من كلمات عنف، وما يتغذون عليه من فكر متطرف نشؤوا عليه بالأساس.

الحاجة لمقاربة واقعية

مدير منظمة “العدالة من أجل الحياة”، الحقوقي جلال الحمد، أوضح أن إبقاء هؤلاء الأطفال داخل المخيمات، وتهرب الدول من مسؤولياتها باستقبال مواطنيها ومحاسبتهم على أساس قوانينها، أو نزع الجنسية عنهم، سيؤثر بشكل كبير على هؤلاء الأطفال وسيجعل منهم مصدر خطر حقيقي في المستقبل.

ولفت الحمد إلى أنه لا بد من مقاربة واقعية للتعاطي مع هذا الملف المعقد تحترم القانون الدولي من جهة وخصوصية الأطفال وحقوقهم من جهة أخرى.

فمن حيث المبدأ، لا يجوز فصل الطفل عن أبويه وبالأخص والدته في الأشهر أو السنوات الأولى، التي يكون فيها بحاجة ماسة للرعاية والعناية والانتباه والمتابعة، وبالتالي فإن هذا الفصل إن تم في حال استعادة الدول للأطفال دون أمهاتهم سيؤثر بشكل كبير عليهم.

لكن ومع أهمية الحفاظ على حقوق الأطفال ومراعاة التعامل الإنساني معهم يكون من الضروري جدًا في هذه الحالات إبعادهم عن المكان الذي نشؤوا فيه على العنف والتطرف، ووضعهم في مساحات آمنة تتيح لهم أن ينشؤوا نشأة طبيعية.

وأوضح الحمد أنه في كثير من الحالات نجد أن أمهات هؤلاء الأطفال اللاتي انتمين للتنظيم متهمات بارتكاب جرائم، أو بالتحريض عليها والمشاركة فيها، وبالتالي يجب أن يعاقبن وفق قوانين دولهنّ الأصلية، وهو ما يشكل حالات جديدة قد يتعرض فيها الأطفال نتيجة تطبيق القانون على المجرم للظلم، لافتًا إلى أن ذلك يؤكد الحاجة إلى مقاربة واقعية إنسانية تحفظ حقوق هؤلاء الأطفال، وفي الوقت ذاته لا يتم خلالها إفلات المجرم من العقاب.

وأكد مدير منظمة “العدالة من أجل الحياة” ضرورة تأمين الدعم النفسي والحوار لهؤلاء الأطفال وأمهاتهم، في محاولة لاحتواء الكم الكبير من العنف الذي نشؤوا عليه في مناطق الحرب، وهو ما يستدعي بالدرجة الأولى إخراجهم من المخيمات التي يوجدون فيها والتي تُغذي لديهم أفكار التطرف والعنف التي سيكبرون عليها في حال بقائهم في المكان، وعقب ذلك يجب أن يتم البحث عن مقاربات إنسانية تجاههم.

وصمة عار ورفض مضاعف

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) صنفت أطفال المقاتلين الأجانب في سوريا بأنهم من بين الأطفال الأشد ضعفًا في العالم.

وقالت المديرة التنفيذية للمنظمة، هنرييتا فور، في بيان “إنهم يعيشون في ظروف فظيعة وسط تهديدات مستمرة إزاء صحتهم وأمنهم ورفاههم، ولا يتوفر لهم إلا دعم أسري ضئيل، فالعديد منهم وحيدون تمامًا برغم أن معظمهم قد تقطعت السبل بهم برفقة أمهاتهم أو مقدمي رعاية آخرين”.

وحذرت المنظمة من الرفض المضاعف والتحديات الكبيرة التي تواجه هؤلاء الأطفال، إذ إنهم “غالبًا ما يكونون موصومين من قبل مجتمعاتهم المحلية، كما تتخلى عنهم حكومات بلدانهم الأصلية، وهم يواجهون تحديات قانونية ولوجستية وسياسية هائلة في الحصول على الخدمات الأساسية أو العودة إلى بلدانهم الأصلية”.

ودعت المنظمة إلى “التعامل مع هؤلاء الأطفال بوصفهم ضحايا بشكل أساسي، وليس كمرتكبي انتهاكات، ويجب أخذ مصلحة كل طفل بعين الاعتبار عند اتخاذ أي قرار بشأنهم، بما في ذلك إعادتهم إلى أوطانهم، وأن يمتثل القرار للمعايير القانونية الدولية”.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع