كيف ينعكس تقليص قوائم الاستيراد على المواطن السوري

  • 2019/09/22
  • 12:51 ص

جولة تفقدية لمندوبي من غرفة تجارة دمشق في سوق الميدان الدمشقي- 25 من أيار 2019 (سانا)

عنب بلدي – محمد حمص

امتد تأثير تراجع قيمة الليرة السورية على لوائح الاستيراد التي تمثل أولوية لسوريا ويقر تمويلها المصرف المركزي بالقطع الأجنبي، بتقليصها إلى ما يقارب الربع، الأمر الذي قد ينعكس سلبًا على حياة المواطن لا سيما مع ضعف الإنتاج المحلي وتضرر المنشآت الصناعية.

تقليص لائحة الاستيراد جاء ضمن حزمة إجراءات “احترازية”، اتخذتها حكومة النظام السوري لوقف تراجع العملة السورية أمام العملات الأجنبية، وإيقاف الطلب على القطع الأجنبي في السوق وحصره بمؤسسات الدولة، الأمر الذي قد يمتد تأثيره إلى التجار المحليين المحكومين بأحكام الاقتصاد السوري، بالإضافة إلى تأثيره السلبي على السوق، وبالتالي على المواطن بشكل مباشر.

إجراءات “احترازية” لضبط السوق

بعد تراجع قيمة العملة السورية وتأرجح سعر صرفها، أقرت الحكومة مجموعة من الإجراءات، وعقد مجلس الوزراء جلسة، في 16 من أيلول، لبحث وتأمين السلع والمتطلبات الأساسية للمواطنين، كما أعلن رئيس الحكومة عن تقليص قوائم المستوردات ذات الأولوية في السوق.

وتضمنت الإجراءات التشديد بضبط الأسواق ومكافحة الاحتكار والتهريب وفتح المستودعات المخالفة، ومصادرة البضائع المهربة والمحتكرة وعرضها في صالات المؤسسة السورية للتجارة، وفق ما نقلت صحيفة “تشرين” الحكومية.

وأعلن رئيس الحكومة، عماد خميس، في 17 من أيلول، وقف تمويل معظم المواد ذات الأولوية بالاستيراد، وأبقى على سبع مواد تتعلق بمستلزمات المواد الأساسية لذوي الدخل المحدود.

ومن ضمن إجراءات مجلس الوزراء، كُلّفت وزارة الاقتصاد ومؤسسة التجارة الخارجية بالاستيراد المباشر للسلع والمواد الأساسية غير المنتجة محليًا، وتوفير متطلبات المؤسسة السورية للتجارة، وإلغاء الحلقات الوسيطة والتوجه بشكل مباشر نحو المنتجين.

وكلف المجلس وزارة الشؤون الاجتماعية بتفعيل دور صندوق المعونة الاجتماعية لتقديم الخدمات للمواطنين، ضمن حزمة الإجراءات السابقة.

تقليص قوائم الاستيراد “غير مجدٍ”

ويرى الأكاديمي السوري والأستاذ في جامعة “ماردين” التركية، عبد الناصر الجاسم، أن إجراء تقليص المستوردات يُتخذ عندما يكون هناك نظام نقدي واقتصادي سليم وحكومة متوازنة، ويمكن أن يساعد حينها لأن تمويل عمليات الاستيراد يتم بالقطع الأجنبي.

واستنادًا إلى تصريحات لرئيس الحكومة، عماد خميس، يقر فيها أن الموارد من القطع الأجنبي أقل مما هو مطلوب لاستيراد المواد الأساسية، أضاف الجاسم أن التجار لجؤوا بسبب ذلك إلى السوق السوداء، الأمر الذي خلق طلبًا على القطع الأجنبي لتمويل عقودهم الحالية أو السابقة مع الموردين، وكان ارتفاع سعر الصرف نتيجة لذلك.

وكانت صحيفة “الوطن” المحلية نقلت تصريحات خميس التي أدلى بها في مجلس الشعب، في 15 من أيلول، وقال فيها إن “الموارد من القطع الأجنبي أقل مما هو مطلوب لتوفير ما يحتاجه الجيش ومتطلبات القمح والدواء، وبالتالي ما يأتينا من قطع هو أقل بكثير مما هو مطلوب، وخاصة أنه يُدفع شهريًا نحو 200 مليون دولار لتأمين النفط”.

وفي تقرير صادر عن البنك الدولي، في نيسان 2016، ذكر البنك أن “المركزي السوري” بدد الاحتياطي ليصل إلى 700 مليون دولار، بعدما كان في خزينته 17 مليار ليرة سورية عام 2011، وهو ما نفاه البنك المركزي السوري، معتبرًا أنه توجد قطيعة مع البنك الدولي وبالتالي فلا يتم تزويده بالمعلومات.

واعتبر الأكاديمي عبد الناصر الجاسم أن إجراء تقليص قوائم الاستيراد “لن يؤثر بشكل كبير” على سعر الصرف، ويمتد تأثيره على المدى القصير فقط وله آثار سلبية بعيدة، لأن عوامل تراجع قيمة الليرة كثيرة، ولا تقف عند السلع المستوردة، فالأسباب الاقتصادية قديمة وموجودة منذ نهاية عام 2012، عندما بدأ التراجع المتدرج لقيمة العملة، وهو نتيجة طبيعية لخروج الاقتصاد عن حالته الفاعلة، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي وتآكله بنسبة تصل إلى 70%.

وقال الجاسم إن سياسة الحكومة “الفاشلة” تدفع إلى تمويل العمليات العسكرية بالقطع الأجنبي بعيدًا عن اهتمامها بالمواطن وما يحتاجه.

هبوط قيمة الليرة

بدأت الليرة السورية بالتراجع، في نهاية شهر آب الماضي ومطلع أيلول الحالي، ووصل سعر الصرف إلى 600 ليرة مقابل الدولار الواحد، قبل أن تصل، في 8 من أيلول، إلى أدنى سعر صرف مسجل سابقًا بـ 645، في أيار من عام 2016.

ووصلت الليرة إلى قيمتها الأدنى، في 9 من أيلول، حينما بلغ سعر صرف الدولار 685 للمبيع 690 للشراء، بحسب موقع “الليرة اليوم”، المختص بقيمة العملة السورية مقابل العملات الأجنبية.

وشهدت الليرة تحسنًا طفيفًا بعدما عقدت اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء اجتماعًا استثنائيًا، لاتخاذ إجراءات توفير السلع والحاجيات الأساسية بأسعار مخفضة.

وعاد سعر الصرف إلى ما دون الـ 600 ليرة، في 12 من أيلول الحالي، قبل أن يعاود الارتفاع ويستقر عند مستوى 630 للشراء و635 للمبيع مقابل الدولار، بحسب “الليرة اليوم”.

السلع التي كان يدعمها المصرف المركزي

وخفضت الحكومة، في 17 من أيلول، قائمة المستوردات التي يسمح بصرف القطع الأجنبي لاستيرادها إلى سبع سلع من أصل 41 سلعة أقرها مصرف سوريا المركزي، في 29 من نيسان الماضي.

ولكن الحكومة لم تحدد نوع السلع السبع، التي بدورها تشكل أولوية للمواطن السوري.

كما حصرت عملية الاستيراد بمؤسسة التجارة الخارجية، وفعّلت دور المؤسسة السورية للتجارة في البيع، ما يحد دور التجار في السوق المحلية.

وكانت قائمة المستوردات تتضمن 41 سلعة أساسية ضمت سلعًا غذائية وطبية وزراعية وأخرى داخلة في قطاع الصناعة، وعلى رأسها الأخشاب والقمح والأرز والمتة والخميرة والمتممات العلفية وحليب الأطفال والمستلزمات والتجهيزات الطبية.

كما تضم مادة السكر الخام والسكر الأبيض المكرر ونشاء الذرة وبيض الفقس والشاي والسمسم ومستلزمات لصناعة الحقائب والأحذية باستثناء الجلود.

وتضم القائمة، ضمن تعميم مصرف سوريا المركزي، ذرة صفراء علفية وشعيرًا علفيًا، بالإضافة إلى محضرات تغذية للأطفال ومذيبات ومخففات عضوية مركبة وحبيبات بلاستيكية.

وفي توضيح حول القائمة أصدر المصرف، في 4 من أيار، بيانًا أكد فيه أن الهدف من إصدار هذه القائمة هو التركيز على تمويل السلع الأساسية، وفق حاجة الاقتصاد المحلي، والتي تتضمن نسبة من السلع المستوردة بحسب حجم الطلب المحلي.

وأضاف أنه من الممكن أن تتغير تلك القائمة تبعًا لتطور الاحتياجات والتغيرات التي تطرأ على المشهد الاقتصادي.

ويهدف التعميم، بحسب المصرف، لضبط عملية تسعير السلع المستوردة من خلال اتباع آلية التمويل للسلع، دون النظر إلى الجهة المستوردة، ما يحد التلاعب بالأسعار، بحسب تعبيره.

المواطن هو المتضرر من تقليص قوائم الاستيراد

استبعد الأكاديمي السوري عبد الناصر الجاسم أن تقيّد حكومة النظام بإجراءاتها حركة التجار، وأضاف أن هذه الإجراءات هي عباراة عن قرارات متخبطة تحاول الحكومة من خلالها وقف تدهور سعر الصرف.

وأشار إلى أن التجار، غير المقربين من السلطة، “لا حول لهم ولا قوة، وليست لديهم خططهم البديلة، ولكن عمليًا فإن تجار الحلقة الأولى المرتبطين بالسلطة هم المستفيدون من التعميمات والقرارات الصادرة عن الحكومة”.

وحول تأثير تقليص قوائم الاستيراد، قال الجاسم إنه سيترك تأثيرًا على السوق والمواطن بشكل مباشر، الذي سيدفع الثمن، سواء بغياب السلع أو ارتفاع أسعارها، بالإضافة إلى أن المواطن ليست لديه قدرة شرائية لتعويض ذلك النقص بطريقة أخرى.

وأوضح الجاسم أن جزءًا كبيرًا من الصناعة المحلية تعطل، وسيكون انعكاس تقليص المستوردات سلبيًا على السوق، مستبعدًا فرضية الصدام بين التجار والحكومة، لأن في ظل آلية الحكم الحالية، ليس للتجار المحليين دور، ولن يُترك لهم دور اقتصادي ليعبروا فيه عن رأيهم.

وتوقع أن يكون الأثر هو هروب عدد من التجار، أو من بقي منهم، وهذا ما سينعكس بشكل سلبي على المواطن في حال خرجت المزيد من الاستثمارات، القليلة بالأصل.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية