تقى شربجي – برنامج “مارِس” التدريبي
كان لخبر إخراج تنظيم “الدولة الإسلامية” من مدينة الباب بريف حلب، وقعه الخاص على عبد الله، اللاجئ السوري في ألمانيا منذ بداية عام 2017، إذ ترك هناك مزرعة مليئة بأشجار مثمرة كالزيتون، وحديقة حيوانات تضم أنواعًا مختلفة من الخيول وأصنافًا نادرة من الطيور، إضافة إلى الطواويس والغزلان، وكانت ذاكرته عن الأيام التي قضاها هناك كفيلة بدفعه لاتخاذ قرار العودة.
قراره المبدئي كان العودة الدائمة إلى سوريا، لكنه لم يستغنِ عن أوراق إقامته في ألمانيا، ولم يخبر السلطات بقراره، بل التف على طرق العودة التقليدية، وفضل طريقًا طويلًا، ضمن عبره إمكانية العودة إلى ألمانيا مجددًا.
“مزرعته كانت كل حياته”، يقول ابن عبد الله (نتحفظ على ذكر اسمه الأصلي لعدم تعريضه للخطر) لعنب بلدي عن الدافع وراء الرحلة من ألمانيا إلى سوريا، مؤكدًا أنه بقي لأشهر بعد تحرير منطقة الباب يفكر بالعودة، إلى أن اتخذ القرار، وعبر من أجله اليونان إلى تركيا ثم إلى سوريا.
لم تعلم السلطات الألمانية بوصوله إلى سوريا، فكل ما تفيد به السجلات الرسمية، أنه غادر إلى اليونان لفترة مؤقتة، وهو أمر متاح بالنسبة للحاصلين على حق اللجوء في ألمانيا.
لكن تقارير إعلامية وحقوقية عن تزايد حالات زيارة اللاجئين السوريين في ألمانيا لبلدهم، أثارت غضب الحكومة، التي تصنف سوريا كبلد غير آمن، وتمنح الحماية للاجئين على هذا الأساس.
وتجلى ذلك الغضب في حديث وزير الداخلية الألماني، هورست زيهوفر، لصحيفة “بيلد آم زونتاغ”، في آب الماضي، حين دعا إلى وضع حد لزيارة اللاجئين السوريين لبلادهم.
لبنان وتركيا والعراق.. منافذ إلى الوطن
بعد وصوله إلى اليونان، اضطر عبد الله (60 عامًا) لمغادرتها بطريقة غير شرعية إلى تركيا، التي يحتفظ بوثيقة “حماية مؤقتة” فيها، كان قد حصل عليها سابقًا خلال فترة إقامته في اسطنبول بين أيلول 2016 وشباط 2017، ثم استخدمها لقضاء إجازة عيد الفطر، التي تتيح من خلالها المعابر الحدودية التركية، للسوريين زيارة بلدهم لفترة مؤقتة في عيدي الفطر والأضحى.
لم يكمل شهرًا في مزرعته، قبل أن يتخذ قراره بالعودة إلى ألمانيا مجددًا، “وجد أن الأوضاع هناك غير مناسبة للحياة”، يقول ابن عبد الله.
دخل عبد الله مجددًا إلى تركيا وكان حينها لم ينهِ مهلة بقائه في سوريا وفق نظام إجازات العيد، فاضطر إلى دفع 500 يورو لأحد المهربين، ليدخل بطريقة غير شرعية إلى الأراضي التركية، ليطير بعدها من مدينة اسطنبول إلى هولندا، قبل أن يعبر بواسطة القطار إلى ألمانيا مجددًا.
الطريق الذي سلكه عبد الله كان أطول مما يلجأ إليه مسافرون آخرون، إذ يفضل قسم كبير من اللاجئين السوريين في ألمانيا، السفر إلى لبنان، ثم إلى الأراضي السورية باستخدام الهوية الشخصية دون إبراز الوثائق الألمانية عند الحدود البرية اللبنانية- السورية.
وسام، من مدينة دمشق، وهي سورية مقيمة في ألمانيا، سلكت طريق لبنان للوصول إلى عائلتها في سوريا. وعن دوافعها لتلك الزيارة تقول، “اشتقت أن أسمع صوت الأذان، واشتقت لأجواء دمشق ولقاء الأهل، لم يرَ والداي حفيدتهما التي بلغت ثلاث سنوات من العمر”.
لكن كونها تحمل إقامة ثانوية، لدخولها ألمانيا بطريقة نظامية (لم شمل)، لا تشكل زيارتها إلى سوريا خطرًا على وضعها القانوني في ألمانيا، ولا تضعها أمام المساءلة في سوريا، في حال عُرف أنها كانت في ألمانيا.
ويواجه اللاجئون الذين كانوا قد غادروا سوريا بشكل غير شرعي، مشكلة في دخول الوطن بعد رحلتهم من ألمانيا إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، حيث يحتاجون إلى إجراء تسوية لوضعهم الأمني.
بينما يعود بعض اللاجئين عبر طريق ثالث، يقتضي منهم السفر جوًا إلى مدينة أربيل في العراق، ثم عبور الحدود إلى مدينة القامشلي، ومنها إلى باقي المحافظة السورية.
الوضع القانوني يحكم
وفي الحديث عن الوضع القانوني لزيارة السوريين في ألمانيا لوطنهم، التقت عنب بلدي، المترجم والمتطوع السوري في بلدية شتوتغارت الألمانية، بهاء زيادة، الذي أكد أن “ظاهرة زيارة السوريين لوطنهم تنتشر بنسبة كبيرة، خاصة بالنسبة للنساء اللواتي جئن إلى ألمانيا بدعوة لم شمل، إذ إن القانون لا يمنعهم من ذلك”.
وبحسب بهاء، فإن أصحاب إقامة لم الشمل، يُسمح لهم بزيارة سوريا من الناحية القانونية، “أما الحاصلون على حق اللجوء الكامل، فيمنعون من زيارة وطنهم وحتى من زيارة سفارة بلادهم أو استخراج جوازات سفر سورية، وعلى الرغم من ذلك يزور بعضهم سوريا لكن بنسبة قليلة”.
ابن عبد الله أكد أن والده استعان بوالدته التي بقيت في ألمانيا خلال عودته إلى سوريا لإخفاء غيابه، فكانت تتابع البريد الذي يصله، وتحاول التستر على فكرة سفره، خوفًا من رد الفعل الحكومي.
وكان وزير الداخلية الألماني، هورست زيهوفر، شدد في حديثه لصحيفة “بيلد آم زونتاغ”، أنه في حال علم المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين بسفر طالب اللجوء إلى بلده الأصلي، ستدرس السلطات على الفور إلغاء وضعه كلاجئ، وإطلاق إجراءات سحب اللجوء منه.
كما تراقب الشرطة الاتحادية في المطارات الألمانية مثل هذه الحالات، وتبلغ المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين بأسماء اللاجئين المشتبه في زيارتهم أوطانهم التي هربوا منها.
وتشغل قضية الوضع القانوني لسفر اللاجئين إلى بلدهم السوريين في ألمانيا، ويتجلى ذلك عبر المشاركات في مجموعات على موقع “فيس بوك” خاصة بأمور اللاجئين في ألمانيا، حيث تدور بعض الأسئلة حول مشاكل اللاجئين القانونية وهل يسمح لهم بزيارة الوطن أم لا.
ورصدت عنب بلدي مناقشات عدة في هذا الإطار، خاصة فيما يتعلق باختلاف أنواع الإقامة لدى الأزواج، وإمكانية اصطحاب الأهل أطفالهم في زيارات إلى سوريا، بينما تبقى الرحلة إلى سوريا عمومًا في إطار المغامرة.
كلفت تلك المغامرة عبد الله مبالغ كبيرة، وعرضت حياته للخطر خلال مروره بطرق التهريب بين تركيا واليونان، وبين سوريا وتركيا، ورغم أن السلطات الألمانية تغاضت عن “حنينه العرَضي” خلال المرة الأولى، لكن تكرار الأمر قد يكلفه “إقامة قسرية” في بلده الأصلي.