عنب بلدي – الرقة
بعد أعوام من الحرمان يعود أطفال مدينة الرقة إلى المدارس مع بداية العام الدراسي 2019-2020، لتدب الحياة من جديد بقطاع انقطع فيه شريان الحياة كما العديد من القطاعات الأخرى.
كانت مدينة الرقة فقدت ملامحها منذ سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” عليها، فارضًا أفكاره ومعتقداته بالقوة، ومحولًا معظم المدارس والمجمعات التربوية إلى سجون ومقرات تابعة له، فضلًا عما لحق ببعضها الآخر من خراب وتدمير جزئي أو كلي نتيجة الغارات والقصف.
ورغم الصعوبات المحيطة وضعف الإمكانيات المتاحة، تؤكد “لجنة التربية والتعليم” التابعة لـ “مجلس الرقة المدني” المعني بإدارة شؤون مدينة الرقة بالتنسيق مع الـ “الإدارة الذاتية” (الكردية)، والتحالف الدولي، أن التسجيل في المدارس يشهد إقبالًا كبيرًا وحماسًا من قبل الطلاب والأهالي.
دورات لمحو الأمية وتأهيل المعلمين
مع إعلان “لجنة التربية والتعليم” بداية العام الدراسي الجديد، بلغ عدد الطلاب في مدينة الرقة وريفها نحو 150 ألف طالب وطالبة، موزعين على 326 مدرسة، وفق ما أفاد نائب الرئاسة المشتركة للجنة التربية والتعليم في الرقة، يوسف محمد، في حديثه لعنب بلدي.
ولفت محمد إلى أن تسجيل الطلاب لا يزال مستمرًا حتى الآن، ما يعني أن هذه الأرقام ستكون قابلة للزيادة، كما سيتم افتتاح مدارس جديدة خلال الأيام القليلة المقبلة.
وبيّن محمد أن عدد المعلمين في الرقة وريفها تجاوز هذا العام 4022 معلمًا ومعلمة، وقد تم تأهيلهم خلال دورات صيفية، شملت أيضًا نحو 1250 معلّمًا مستجدًا، منهم 625 باختصاصات علمية وأدبية.
ولتعويض الطلاب عما فاتهم خلال سنوات انقطاعهم عن الدراسة، أُتيحت لهم دورات صيفية لمحو الأمية استمرت على مدار ثلاثة أشهر، بحسب محمد، الذي أشار إلى أن “لجنة التربية والتعليم” أشرفت على هذه الدورات عن طريق “مكتب المرأة” و”مكتب التوجيه لإدارة المدارس العامة”، إلى جانب عدد من المنظمات.
وأوضح أن عدد الطلاب المستفيدين من دورات محو الأمية وصل إلى نحو 2500 طفل وطفلة ممّن تتراوح أعمارهم بين 8 و14 عامًا.
تجاوز الصعوبات
وعن أبرز التحديات التي تواجه العملية التعليمية في الرقة وغيرها من المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم “الدولة”، اعتبر نائب الرئاسة المشتركة للجنة التربية والتعليم في الرقة، يوسف محمد، أنها تكمن في جانبين أساسيين، أولهما حجم الدمار الذي تعرضت له المدارس جراء العمليات القتالية التي عاشتها المنطقة.
الجانب الآخر يتمثل في الفروق العمرية بين الطلاب، نتيجة تغيّب بعضهم عن الدراسة لمدة أربع أو خمس سنوات، فمنهم من بلغوا العشر سنوات ولا يجيدون القراءة والكتابة، وهو ما يتطلب من المدرّسين جهودًا مكثفة لإعادة الطالب إلى مستوى التعليم المناسب لعمره.
ولتجاوز هذه المسألة بُذلت جهود من قبل “مراكز الطفولة الآمنة”، إضافة إلى تبني برنامج تعليمي من قبل منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، يعتمد على الترفع الفصلي.
كما شكلت “لجنة التربية والتعليم” لجانًا ضمت متحدثين وممثلين عن إدارة المدارس والتوجيه، عملت على سبر معلومات هؤلاء الطلاب، والتركيز عليهم عبر برنامج مكثف يشمل مستوى تعليميًا يتناسب مع عمرهم الحقيقي.
ويرى محمد أن للتعليم دورًا كبيرًا وإيجابيًا في إعادة بناء شخصية الأطفال الذين نشؤوا في فترة حكم تنظيم “الدولة”، مع كل ما عايشوه من قتل ودمار وأفكار متطرفة، عبر استهداف الذهنية والأفكار التي كان ينشرها التنظيم في تلك الفترة، وهو يعد أساس بناء الحضارات في المجتمع.
ووفق محمد، أضافت اللجنة مادة تسمى “الثقافة والأخلاق” إلى المنهاج هذا العام، وهي تستهدف التصدي للأفكار التي كان يروَّج لها في أثناء وجود التنظيم في مدينة الرقة.
دمار أخّر العملية التعليمية
سيطر تنظيم “الدولة” على مدينة الرقة في الفترة ما بين كانون الأول من عام 2014 وتشرين الأول من عام 2017، وهو تاريخ إعادة السيطرة على المدينة من قبل “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) بدعم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.
وعانت الرقة من دمار كبير بعد خمسة أشهر من القصف المتواصل الذي نفذته قوات التحالف خلال حملتها لطرد التنظيم، إذ نفذت 6039 غارة جوية بين حزيران وتشرين الثاني 2017.
وتقدر الأمم المتحدة حاجة 470 ألف شخص للمساعدة في محافظة الرقة، 47% منهم بحاجة ماسة لها، وبينهم ما يزيد على 235 ألف طفل ونحو خمسة آلاف مدرّس ومدرّسة بحاجة للمساعدات التعليمية.
وعانت 44% من المدارس من الأضرار والدمار، ويتلقى فقط نصف الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و12 عامًا، و12% فقط من الأطفال في الأعمار بين 13 و17 عامًا، التعليم، بحسب تقرير لمبادرة “Reach” التابعة للأمم المتحدة، نشر في آذار الماضي.
بينما تواجه 88% من المدارس نقصًا حادًا في المعدات الدراسية، وتفتقد 61% منها للمواد التعليمية والمدرّسين.