في مكتب صغير، بمنطقة جبلية، تقضي فاطمة عارف أغلب وقت عملها كمسعفة، قبل أن تعود إلى حياتها العائلية مرة أخرى، أمًا وزوجة، وراعية لأسرة من خمسة أشخاص.
تعمل فاطمة (36 عامًا) في مركز نسائي للدفاع المدني بريف اللاذقية، إلى جانب سبعة متطوعات أخريات، يشكلن فريق الإسعاف الأولي المسؤول عن حملات التوعية في المنطقة، وفي مخيمات النازحين المجاورة.
“كنت حين أشاهد تسجيلات الفيديو الخاصة بمتطوعي الدفاع المدني، أبادل عملهم وشجاعتهم بإعجاب شديد، فرغم المصاعب والخطورة، هم موجودون دائمًا لمساعدة الناس”، تقول فاطمة لعنب بلدي، في محاولة لشرح أحد دوافع انضمامها إلى الدفاع المدني.
من السعودية إلى مدينة حلب ثم إلى ريف اللاذقية، رحلة فاطمة التي تخللتها الكثير من التجارب والمواقف الصعبة، وأضيف إليها مزيد من الأشخاص الذين يحتاجون رعايتها، سواء ضمن عائلتها، أو خارجها.
في عام 2010 عادت فاطمة إلى سوريا، بعد أن كانت تقيم هناك، لتستقر مع عائلتها في مدينتها، حلب.
“كانت حياتنا بسيطة، فيها أمان وأمل، وكنت أقضي وقتي بين أهلي وجيراني وأصدقائي، لكن مع بداية القصف تغير كل شيء”، تتحدث فاطمة عن آخر أوقات الراحة في حياتها، قبل أن تبدأ مرحلة التحديات الصعبة.
فمع تعرض منزلها للقصف مع بداية استهداف الطيران الحربي لأحياء حلب التي خضعت لسيطرة فصائل المعارضة عام 2012، اضطرت فاطمة للنزوح مع عائلتها إلى ريف اللاذقية، حيث تقطن عائلة زوجها.
“الفترة الأصعب كانت حين تعرض زوجي لاعتقال دام عامًا ونصف، خرج منها مصابًا بمرض السل”، تتابع فاطمة، واصفة مرحلة مفصلية في حياتها، تبدلت معها طريقة تفكيرها، ودفعتها باتجاه إتمام دراستها، في المعهد الطبي، لتساعد زوجها في التغلب على مرضه.
التكامل بين دراستها وخبرتها التي اكتسبتها خلال فترة رعاية زوجها صحيًا، خلقت لديها رغبة مضافة في مساعدة مزيد من الناس، وخاصة المرضى والمصابين خلال الحرب، فكان الدفاع المدني، بوابتها الأوسع لتحقيق رغبتها.
“تقدمت بعد فترة للدفاع المدني، حين علمت أنهم بحاجة إلى متطوعات من النساء”، وقوبل طلبها بالقبول في صيف عام 2017، لتبدأ رحلتها مع “الخوذ البيضاء”.
يخلق اقتصار العمل في المركز الذي تعمل فيه فاطمة على النساء جوًا مميزًا، ويفرض وجود المتطوعات سويًا أغلب أوقات الدوام حالة من الود والألفة، خاصة كونهن بدأن العمل معًا قبل عامين وشهرين، أي منذ افتتاح المركز، وحتى الآن.
فبالإضافة إلى مديرة المركز، يصل عدد المتطوعات إلى سبعة، يقضين أوقاتًا “جميلة” برفقة بعضهن، تقول فاطمة، “حين نشعر أن إحدى زميلاتنا تمر بفترات صعبة، نحاول أن نخفف عنها، وأن نخلق جوًا إيجابيًا ينسياها ما تمر به”.
في الجزء الآخر من يومها، تصبح فاطمة متفرغة للعناية بالعائلة، إذ يأخذ زوجها وأولادها ومنزلها اهتمامها الكامل، ولا تخلو لنفسها، وفق حديثها لعنب بلدي، حتى ساعة متأخرة من الليل.
“أستمر في العمل خلال عودتي إلى المنزل، أحضر الغداء، وأقوم بالتنظيف، وأهتم بالأولاد”، وتعتمد فاطمة لإتمام مهامها المنزلية على براعتها في “تنظيم الوقت وترتيب الأولويات”، كما تمنح الصحة النفسية لعائلتها حيزًا من اهتمامها.
كما تواجه سيطرة الروتين اليومي على حياتها، وضغوط العمل، ببعض الترفيه الذي تتيحه الظروف والبيئة المحيطة.
“حين يشعر أطفالي بالملل أطلب إجازة من العمل، ونذهب معًا في نزهة، ذهبنا مؤخرًا إلى المسبح، وفي بعض الأحيان، نتناول الغداء في أحد المقاصف”.
يفضل أطفال فاطمة، فوزي وأمل وطارق، تلك النزهات التي يزورون خلالها حديقة من النهر، حيث يتاح لهم اللعب بالألعاب البلاستيكية المتوفرة.