سيرين عبد النور – دير الزور
بثقوب كثيرة ولون صدئ باهت ينتصب هيكل مسجد «قبة الصخرة» وفوقه كتاب مفتوح يجاوره دواة وريشة مكسورة؛ هذا كل ما أبقته الحرب من دوار التربية في مدينة دير الزور، الذي تغير كثيرًا منذ عدة سنوات بعد أن وضع تنظيم «الدولة الإسلامية» يده عليه محولًا إياه إلى مصنع للعبوات الناسفة وقذائف الهاون.
«سجّيل» هو الاسم الذي استقر عليه المكان بعد أن تحول إلى معمل متكامل لتصنيع المتفجرات، مقاربة يرى فيها بعض العاملين فيه اقتباسًا مشروعًا من النار وضرامها.
المبنى الذي يتألف من ثلاثة أدوار وقبو أفرغت محتوياته وأُحرقت سجلات العاملين في القطاع التربوي، وصادر التنظيم أجهزة الحاسوب والأثاث. وأصبح المكان اليوم عرضة لاستهداف الطيران الحربي، معرضًا الأهالي في المنطقة للخطر، كما يصف أبو أمين، أحد الأهالي الذين كانوا يسكنون في المنطقة، «لقد تركنا المكان خوفًا من القصف المتكرر، فنحن هناك نتعرض لخطر مزدوج فمن جهة أولى قصف الطيران الحربي المستمر للمنطقة ومن جهة ثانية الانفجارات التي يمكن أن تنتج عن سوء التصنيع والتخزين”.
وينقل الرجل بمرارة لعنب بلدي طريقة استيلاء التنظيم على بيته بعد أن اضطر إلى تركه خوفًا على حياة أسرته، وسكنه مهاجرون آسيويون دون أن يتمكن من الاعتراض أو فعل أي شيء».
موت «عبثي»
«عبثًا بالموت ولا مبالاة بحياة الأهالي» بهذه الكلمات يصف أحد الناشطين، ما حدث في منطقة مسبق الصنع إحدى أحياء مدينة الميادين، حيث شهدت المدينة دوي انفجار هائل أوقع عشرات الضحايا من المدنيين وعناصر التنظيم، وتبيّن لاحقًا أن الانفجار ناجمٌ عن إحدى العبوات التي يقوم تنظيم الدولة بصناعتها محليًا وتجهيزها.
وتزايدت شكاوى الأهالي والناشطين في مدينة ديرالزور وريفها «عن قيام التنظيم بإنشاء عدة مصانع بين الأحياء السكنية بهدف صناعة العبوات الناسفة وتجهيز السيارات المفخخة».
مبرر شرعي
وكانت مصادر خاصة سربت لعنب بلدي «اعتراض بعض عناصر التنظيم على هذه السياسة»، إلّا أن أغلبية العناصر والأمراء كانوا مقتنعين أن وجود مثل هذه المصانع داخل الأحياء السكنية «حماية لها من القصف وتمويه ناجح»، مستشهدين بحوادث تاريخية تبيح «التمترس بالمنافقين والمشركين وضرورة حماية المنشآت العسكرية».
فيما أكد عدد من الناشطين والمحللين الذين توفر لهم اطلاع ميداني على مثل هذه المصانع أنها «بدائية وغير آمنة، إذ لا تتوفر فيها أدنى شروط السلامة، وهي شديدة الخطورة بسب قابليتها للانفجار واستخدام ذات المكان للتصنيع والتخزين».
كلامٌ أكدته روايات شهود عاينوا بعض الانفجارات ومواقعها، التي كانت مخازن سابقة، ومنها ماحدث في تشرين الثاني 2014، حين انفجرت مدرسة المتفوقين قرب قرنة جعفر، ما تسبب بتدمير المدرسة بشكل كلي وتضرر عدد من الأبنية والمحلات والبيوت المجاورة لمكان الانفجار.
وكان انفجار آخر وقع قبل عدة أسابيع في مدينة الشدادي أودى بحياة عدد من المواطنين وتسبب بأضرار بالغة لثلاث حارات مجاورة للمخزن.
فيما يبقى عدد الضحايا مجهولًا في مثل هذه الانفجارات، وفق ناشطي المدينة الذين يعزون ذلك «لتكتم التنظيم على أعداد من يقتل من عناصره إضافة إلى خوف الأهالي من الإفصاح عن قتلاهم وخسائرهم خشية من بطش التنظيم وانتقامه».
يقول معتز، أحد أهالي حي العمال لعنب بلدي «لا يبقى أمام أهل الضحية سوى احتسابه شهيدًا والسكوت حسب أوامر التنظيم، مضيفًا «إنما نشكو بثنا وحزننا إلى الله لعلّه ينظر في أمرنا ويجد لنا مخرجًا من الظلام الذي يحيط بنا».