عنب بلدي – يامن مغربي
لم تكن الشركات في العالم العربي بمنأى عن الطوفان الذي فرضته شبكة “Netflix” العالمية بإنتاجها مئات المسلسلات والأفلام التي تعرضها عبر منصتها الرقمية، إذ بدأت الشركات العربية البدء بإنتاج المسلسلات القصيرة، على غرار ما صنعته الشبكة العالمية بمسلسل “جن” الأردني، كأول تجربة لها لدخول السوق العربي.
لم يتأخر صناع المسلسلات الدرامية في سوريا ولبنان عن الالتحاق بالركب، فتم إنتاج عدة مسلسلات قصيرة، منها ما عرض على “Netflix” على غرار مسلسل “دولار”، من بطولة عادل كرم وأمل بوشوشة، ومن إخراج المخرج السوري سامر البرقاوي.
كما أعلنت الشبكة، في أيار الماضي، عن إنتاج مسلسل مصري، مقتبس من سلسلة روايات “ما وراء الطبيعة” للكاتب المصري الراحل أحمد خالد توفيق.
تحول في سوق الإنتاج العربي؟
ولّد هذا التحول عددًا من الأسئلة عند صناع الأعمال الدرامية في سوريا ولبنان، وكذلك عند مشاهدي هذه الأعمال، أبرزها وأولها كيف سيؤثر على سوق الإنتاج، فالمميزات التي تتيحها المسلسلات القصيرة، المعروضة على شبكات عالمية، بما فيها من قوة في حبكة العمل الدرامية والأداء التمثيلي والصورة البصرية المبهرة، تدفع شركات الإنتاج العربية المرتبطة بالموسم الرمضاني (التي تعتمد على المسلسلات الطويلة من 30 حلقة) إلى الخوف من هذه النتيجة، وهو ما يفتح بابًا للنقاش والتحليل بين مخرجي ومنتجي المحتوى.
المخرج السوري هشام الزعوقي يرى أن عملية ربط شهر رمضان بالمسلسلات الطويلة أصبحت نوعًا من التقاليد المرتبطة بالشهر، ولذا حتى لو أصبحت هناك دورة إنتاجية خاصة بالمسلسلات القصيرة خارج شهر رمضان، فلن تؤثر على عملية الإنتاج الأساسية.
ولكن من الممكن أن تؤثر المسلسلات القصيرة الجديدة على المسلسلات الطويلة، بطريقة مختلفة تتعلق بالمحتوى وجودة الإنتاج بحد ذاته، فالمسلسلات القصيرة دخلت بقوة من خلال النص المحبوك والأداء التمثيلي الجيد بعيدًا عن الحشو والإطالة والترهل بالإيقاع والضعف بالحبكة والهدر بالمشاهد، بحسب ما قال المخرج هشام الزعوقي لعنب بلدي.
من جهة أخرى يتهم عدد من صناع الدراما والأفلام العرب المنتجين بعدم قدرتهم على الإبداع، وخضوعهم لمتطلبات السوق، وهذا ما يجعلهم بعيدين عن العملية الإنتاجية الإبداعية، بحسب ما ينقله المخرج السوري دلير يوسف، الذي ضرب مثالًا بانتشار الدراما التركية ثم تقليدها من المنتجين العرب، وهكذا مع دخول المسلسلات القصيرة على خط الإنتاج.
ومن هذا المبدأ لا يعتقد دلير أن هذا التحول في الإنتاج عالميًا من شأنه تغيير أي شكل للمواسم الرمضانية الدرامية، فيما يتعلق بسياسات الإنتاج بحد ذاته.
إلى أي مدى تتحسن المسلسلات الطويلة
فين حين يتحدث صناع دراما عن مخاوفهم، يرى فريق آخر أن انتشار المسلسلات العربية القصيرة من شأنه أن يكون حافزًا مهمًا لتحسين نظيرتها الطويلة، ودفعها لتلافي نقاط الضعف التي يشتكي منها مشاهدو هذه المسلسلات، وتحسين ظروف إنتاجها.
المخرج هشام الزعوقي يرى أنه تم تحرير المسلسل القصير من الارتباط بعدد حلقات معين، كما تعطي المسلسلات المعروضة عبر المنصات الرقمية حرية أكبر للمشاهد، من ناحية كم المسلسلات الكبير التي يستطيع الاختيار منها، وخلوها من الإعلانات، ومراعاتها لسلوك المشاهدين في مدتها الزمنية.
ستدفع المسلسلات القصيرة صناع المسلسلات الطويلة إلى تلافي هذه الأخطاء وتحسين الإنتاج، وبحسب الزعوقي، بدأنا نلمس هذا التحسن منذ الموسم الماضي ولو بشكل طفيف، فبغض النظر عن المواضيع التي تتناولها هذه المسلسلات، تحسن الإيقاع نوعًا ما، وأصبح الحشو أقل وارتفع أداء الممثلين.
بينما لا يتفاءل دلير يوسف كثيرًا بتحسن محتوى المسلسلات الطويلة، رغم تأكيده أنه بالشكل العام عندما يكون المنتج النهائي أقصر على صعيد المدة الزمنية، يعني تركيزًا أكبر، وفرصة أفضل لصناع المسلسلات ليأخذوا وقتهم الكامل لإنتاج أعمالهم دون الدخول في سباق مع الزمن للحاق بالموسم الرمضاني.
تجارب محدودة.. لكن ناجحة
الإنتاج العربي المحدود حتى الآن للمسلسلات القصيرة يشير إلى نجاح هذه التجارب، خاصة أن من يتولى عملية الإخراج في معظم الأعمال، التي أنتجت أو تم الإعلان عن عرضها قريبًا، مخرجون مخضرمون ولهم باع في إخراج المسلسلات الدرامية وحققوا نجاحات لافتة (رامي حنا وسامر البرقاوي من سوريا، عمرو سلامة من مصر)، ما يجعل متابعين للأعمال الدرامية متفائلين بنتائج جيدة ستأتي مستقبلًا.
هذا التفاؤل يتركه المخرج دلير يوسف للعامل الزمني، من مبدأ “لننتظر ونشاهد ونحكم”، بينما يؤكد المخرج هشام الزعوقي أن النجاح سيكون حليف هذه المسلسلات، وقد بدأت بالفعل عجلة إنتاجها بالدوران واستطاعت فرض نفسها في العالم العربي، وسيضطر العالم العربي للتناغم معها، معتبرًا أن شبكة “Netflix” وجدت لتبقى، ولديها القوة لفرض نمطها حتى في العالم العربي، خاصة أن المسلسل القصير متناغم مع نمط الحياة الذي يعيشها الإنسان اليوم.
المسلسلات السورية القصيرة ليست وليدة اليوم
لم تكن المسلسلات العربية، والسورية خاصة، في فترة الثمانينيات من القرن العشرين مسلسلات طويلة، بل كانت تقتصر على 15 حلقة تلفزيونية كحد أقصى، ولكن مع دخول فورة الإنتاج السورية، وارتباط عرض المسلسلات بشهر رمضان، بات لزامًا على شركات الإنتاج تقديم مسلسلات من 30 حلقة كاملة، وهو ما تسبب لاحقًا بضعف كبير على صعيد الحبكة والإنتاج، بحسب ما قاله المخرج هشام الزعوقي.
إنتاج المسلسلات القصيرة نمط عاد من جديد، وهناك سببان للعودة الى هذا النمط، الأول إنتاجي، يُعزى إلى تخفيض التكاليف أولًا، والثاني فني يتعلق بالمتعة، ويفترض أن يكون المسلسل القصير أكثر جودة.