يجتمع حشد من المواطنين السوريين في العاصمة دمشق، في عام 1963، حول عربة مصفحة تحمل العلم الإسرائيلي وعليها جثث متفحمة لجنود إسرائيليين قتلوا في مناوشات حدودية مع الجيش السوري، ويهتف المحتشدون بهتاف واحد طوال المشهد، “تحيا سوريا!”.
ربما يعكس هذا المشهد حقيقة الأوضاع السورية في مسلسل “The Spy” الذي يروي عبر ست حلقات سيرة كامل أمين ثابت، أو إيلي كوهين، الجاسوس الإسرائيلي الذي أقام في دمشق لسنتين ونصف تقريبًا، وحيكت الأساطير حول بطولاته، تمامًا كما حاكت أجهزة الأمن المصرية الأساطير والبطولات حول رأفت الهجان.
مدفوعًا برواية المخابرات، حاله حال الأعمال العربية التي تروج لبطولات أجهزة مخابراتها وجيوشها في مواجهة إسرائيل، يفتقد العمل للرؤية الفنية، وهو مليء بالمغالطات التاريخية، بالإضافة إلى وقوعه في أخطاء تتعلق بالجغرافيا والملابس، وطبيعة المجتمع السوري.
صور العمل المجتمع العسكري والسياسي السوري، وطبقة رجال الأعمال السوريين في تلك الفترة على أنه مجتمع مختل، خال من الأخلاق نهائيًا، عبارة عن سذج وصلوا إلى حكم سوريا، لأنهم استيقظوا قبل غيرهم بنصف ساعة لا أكثر، واقتحموا الإذاعة السورية وأعلنوا الانقلاب العسكري.
منذ الدقائق الأولى في الحلقة الأولى من العمل يعلن صنّاعه عن تعاطف كبير مع بطلهم القومي، عبر تصوير فراشة تقترب من الضوء لتحترق، وهو ما جعل المسلسل كله، يدور حول هذه الفكرة.
ومن أحد العناصر التي استخدمها المخرج لإثارة التعاطف مع الجاسوس الإسرائيلي، استخدامه للألوان في المشاهد الخاصة بالداخل الإسرائيلي، من خلال استخدام ألوان باهتة، تدلل على الحزن وتؤثر في الصورة العامة المراد رسمها حول المظلومية الإسرائيلية.
يسهل المخرج المهمة لبطله، عبر صورة نمطية تدور حول “السوريين السذج”، وإن أظهر قلة قليلة منهم بمظهر العدو اللدود الذكي، من خلال مشروع مفترض يدعى “الشلال” الذي يهدف إلى تحويل مجرى الأنهار التي تغذي بحيرة طبرية لضرب الأمن المائي الإسرائيلي، ومن خلال شخصية أحمد سويداني، الذي لاحق كوهين وشك فيه من اللحظة الأولى.
تم تصوير العمل في المغرب، ليظهر اللباس المغربي والأفغاني بقوة، كما يحتوي على معالم أثرية يفترض أنها في العاصمة السورية دمشق دون التحقق من شكل المدينة في تلك الفترة، وهو ما لا يمكن تجاوزه في مسلسل من إنتاج شبكة “Netflix”.
يضاف إلى ما سبق أداء أبطال العمل، فساشا كوهين، الذي أدى دور إيلي كوهين، لم يكن مقنعًا خارج إطار الكوميديا الفجة التي اعتاد ممارستها في السينما، وإذا كان الهدف من العمل إثارة التعاطف مع البطل، كان من المفترض ضخ جرعات عاطفية كبيرة في حبكة المسلسل، يجعل المتلقي العربي يراجع أفكاره على الأقل، وهو ما لم ينجح فيه صناع العمل، الذين لم يصلوا إلى التوليفة المرجوة التي تجمع ما بين العاطفة الشديدة وقوة وأسطورية جهاز المخابرات الإسرائيلي وعملائه.
تبقى النقطة الأخيرة المتعلقة بشخصية كوهين نفسه، فهي شخصية جدلية أثيرت حولها الأساطير، ولم ينجح الإعلام العربي في تصوير الرواية العربية عن هذه الأساطير وتصديرها للعالم الغربي، لكنه نجح في صناعة عمل مخابراتي صادر عن المخابرات، كان أقوى وأكثر تأثيرًا، اسمه رأفت الهجان.