العقوبات الأمريكية.. مفتاح الحل السياسي في سوريا

  • 2019/09/15
  • 11:54 ص
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (AFP)

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (AFP)

أسامة آغي

تزداد وتيرة التصريحات الروسية حيال ضرورة انطلاق عمل اللجنة الخاصّة بصياغة الدستور السوري، فبعد اتصالات هاتفية، أجراها لافروف، وزير الخارجية الروسي، مع عواصم عديدة حول ضرورة انعقاد جلسات جنيف الخاصة بملف المفاوضات، وتحديدًا اللجنة الدستورية، أتى تصريح نائب وزير الخارجية الروسي بوغدانوف، الذي قال إن بلاده “تنطلق من أن تشكيل اللجنة الدستورية، يجب أن يُنجز هذا الشهر (أيلول الحالي)، وسيكون ممكنًا تحديد موعد إطلاق عملها، وأن موسكو أجرت اتصالات هاتفية على مستوى وزراء الخارجية مع عدد من البلدان، بينها تركيا، لدفع مسار تشكيل (الدستورية)”.

التصريحات الروسية تحمل دلالات متعددة، أولى هذه الدلالات، أن ملف “اللجنة الدستورية” قد وُضِعَ على نار حامية في موسكو، وأنّ اتصالات لافروف وتسريب بعض ما جرى فيها، يشير إلى أن الروس باتوا على يقين من أن الحل السياسي للصراع السوري لن يكون ممكنًا إلا وفق القرار الدولي 2254، وذلك بعد وصول الصراع في سوريا إلى درجة توازن عسكري وسياسي لا تستطيع موسكو تغييره، وأن هذا التوازن لن يكون في مصلحة روسيا مع مرور الوقت، نتيجة لشروط أخرى، تقف خلفها الولايات المتحدة الأمريكية. فالأمريكيون موجودون بقوتهم العسكرية في سوريا والمنطقة، وهم من يمارس حربًا ناعمة تدعى العقوبات الاقتصادية بحق النظام السوري، وبحق حليفته إيران، وكذلك بحق الروس.

الحرب الأمريكية الناعمة تعمل على إضعاف قدرات النظام السوري وحليفيه اقتصاديًا، فالروس تشكلت لديهم قناعة، أن جهودهم في إعادة إنتاج نظام حكم بشار الأسد صارت على كف عفريت، وأن الحليف الإيراني صار حليفًا غير آمنٍ روسيًا.

الإيرانيون، كما يرى الروس، لهم أجندة خاصة بهم، ترتكز على أمرين مهمين، هما: محاولة الإيرانيين الهيمنة على قطاعات اقتصادية سورية مهمة، لتعويض ما دفعوه للنظام من أموال ومساعدات مختلفة، وكذلك لمحاولة تثبيت خط التجارة الجديد، المسمّى “الهلال الشيعي”، المنطلق من طهران عبر بغداد ودمشق إلى شاطئي سوريا ولبنان على البحر الأبيض المتوسط.

أما الأمر الثاني فهو يتعلق بنشر المذهب الشيعي بين السكان السوريين، بغية خلق حاضنة لهم تساعد على المحافظة على نفوذهم في هذا البلد.

الروس صارت لديهم قناعة عميقة بأن الرمال السورية المتحركة سياسيًا، لن تكون في مصلحة “الإنجاز” الروسي بعد تدخلهم عسكريًا عام 2015، ولهذا أعادوا إنتاج رؤيتهم الجديدة على قاعدة تقول: “الحفاظ على المصالح الروسية في سوريا، تقتضي تقديم تنازلات للغرب وتركيا، وتقتضي تنفيذ القرار الدولي 2254”.

الروس مقتنعون أن الغرب لن يقدموا على عملية “إعادة الإعمار” في سوريا، إلا وفق عملية سياسية شاملة، تحل كل ما ترتب من نتائج سلبية سببها الصراع السوري، وهذا سبب مهم يدفع الروس لتغيير مواقفهم، لقطف ثمار تدخلهم في هذا البلد، وهذا لن يتم من دون رفع العقوبات عن سوريا، ودفع عجلة إعادة الإعمار.

الحرب الصامتة داخل أجهزة النظام السوري بين الروس والإيرانيين، هي من يقف خلف تدهور قيمة الليرة السورية، إضافة إلى العقوبات الأمريكية ضد حكومة النظام. وتبريد جبهة إدلب روسيًّا، تقف خلفه قناعة موسكو بأنّ الصراع العسكري في هذه المحافظة، سيقلب التوازنات لغير مصلحتهم، فالأتراك لن يقبلوا باجتياح النظام لإدلب، لأن نتائج هذا الاجتياح تهدد سلامة الأمن القومي التركي، ولأن حجة “جبهة النصرة” يمكن حلها بغير الطريقة التي تؤدي إلى فوضى كبرى وتشريد ملايين السوريين.

ولهذا رضي الروس بمنح تركيا فرصة جديدة لمعالجة وضع جبهة النصرة، التي تعتبر دوليًا منظمة إرهابية. ويمكن القول إن انتقال اجتماع قادة الدول الضامنة لمسار أستانة من العاصمة الكازاخية (نور سلطان) إلى أنقرة، يشير إلى إمكانية حدوث تقارب موقفي روسيا وإيران بنسب مختلفة من الموقف التركي.

إن الانعطافة الروسية الأخيرة حيال ملف الصراع في سوريا، يمكن اعتبارها محاولة روسية جادة للالتقاء مع التوجهات الأمريكية والتركية في حل الصراع السوري، وهذا يعني أن يمارس الروس ضغطًا أكبر على النظام السوري، لإجباره على الانخراط في المفاوضات، وفق القرار الدولي 2254.

الانعطافة الروسية الجديدة تستوجب إضعاف الدور الإيراني داخل أجهزة النظام العسكرية والأمنية، وهذا ما يفعله الروس، إذ أبعدوا كثيرًا من ضبّاط النظام الموالين لإيران عن مراكز القرار. هذا الجهد الروسي يتلاقى عمليًا مع الجهد الإسرائيلي، الذي حاز على ضوء أخضر أمريكي بضرب قواعد وأماكن تمركز القوات الإيرانية والقوات الحليفة لها من الميليشيات.

إذًا، العقوبات الأمريكية صارت تشكّل هاجس قلق عميق للوجود الروسي في سوريا، ولذلك هرع الروس لملاقاة الجهد الأمريكي والتركي في تنشيط تنفيذ القرار 2254.

الروس يدركون الآن أن العقوبات الأمريكية على النظامين السوري والإيراني ستُلحق بهما الهزيمة، ولهذا فهم متعجلون في إطلاق المفاوضات، خشية انتقال أثر العقوبات إلى بلادهم، مما يهدد نظام بوتين السياسي، لا سيما وأنه خسر كل مقاعده في موسكو في الانتخابات التي جرت منذ أيام.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي