هل تحولت القضية السورية لقضية لاجئين؟

  • 2015/05/03
  • 3:20 م

محمد رشدي شربجي

إن المأساة السورية الهائلة وصعود نجم تنظيم الدولة، غطيا على القضية السورية الرئيسية، ويكاد لا يجد المتتبع لمراكز الأبحاث العالمية وما تكتبه عن سوريا بحثًا أو مقالًا خارج هاتين القضيتين: تنظيم الدولة، وقضية اللاجئين السوريين.

يشير «ويل كيمليكا» في كتابه المرجعي «الأوديسا الثقافية» أن هناك قناعة أوروبية متزايدة أن الحروب الأهلية العرقية حول العالم ستنعكس على أوروبا بشكل مباشر، فقد ثبت أن هذه الصراعات تزيد من أعداد الراغبين في اللجوء إلى أوروبا، كما أن مواطن الصراعات ستتحول إلى بؤر لتجارة المخدرات والتطرف.

نستطيع القول إن الاهتمام بقضية اللاجئين السوريين تنبع بالأساس من مخاوف الاضطراب الإقليمي الذي تسببه هذه القضية وما يستتبعه ذلك من زيادة في أعداد اللاجئين إلى أوروبا، ومن ثم الخوف من استغلال تنظيم الدولة لظروف اللاجئين السيئة لنشر التطرف وتجنيد المتطوعين الجدد.

وفقًا للأمم المتحدة فإن الحرب السورية أحدثت أكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية، فهناك الآن 12.2 مليون سوري يحتاجون لمساعدات إنسانية، و3.9 مليون قد غادروا البلاد، في حين هناك 7.6 مليون مشردين داخليًا.

إن مراكز الأبحاث «Think Tanks» ذات أهمية كبيرة في الغرب، وتساهم عبر ما تقدمه من نصائح سياسية وما تقوم به من أبحاث في صوغ سياسات الغرب تجاه مخلتف القضايا، كما أن السياسيين في الغرب عندما يصبحون خارج الخدمة غالبًا ما يتطوعون في هذه المراكز.

وفقًا لتصنيف 2014 من جامعة بنسلفانيا، الذي صنف أكثر من 6600 مركز بحثي، فإن المعهد الملكي للشؤون الدولية «شاتام هاوس» يعتبر المركز البحثي الأول في أوروبا والثاني على مستوى العالم. يقدم «شاتام هاوس» نصائحه للحكومة البريطانية المقبلة، فيقترح نايل كويليام بتاريخ 10 نيسان أن تعمل الحكومة المقبلة على توطين عشرة آلاف لاجئ سوري، كما يجب على الحكومة البريطانية (بحسب كويليام) أن تدعم الجهود داخل الاتحاد الأوروبي لتوطين 180 ألف سوري آخرين في عموم أوروبا.

يعتقد كويليام أن توطين اللاجئين له فوائد كثيرة لبريطانيا، فهي بداية تنشر صورة حسنة عن بريطانيا بين السوريين، وتنقذ هؤلاء المواطنين من استغلال تنظيم الدولة، كما أن هؤلاء السوريين، الذين سيصبحون بريطانيين بعد سنوات، سيكون لهم دور كبير في إعادة إعمار سوريا مع ما يعنيه ذلك من زيادة التبادل التجاري والثقافي ثم السياسي على المدى البعيد.

أما الأخضر الإبراهيمي، المبعوث السابق الفاشل في تحقيق أي إنجاز على أي صعيد،  فقد نشر في 17 نيسان الجاري في موقع «بروجيكت سانديكت» مقالًا بعنوان «أقل ما يمكننا فعله في سوريا»، بين فيه أن علينا أن نضغط على الحكومات الأوروبية لتعيد تمويل برنامج إنقاذ اللاجئين القادمين عبر البحر، فـ «الشعب السوري يجب أن لا يُنسى» بحسب تعبيره.

كما ناقش معهد دراسات الأمن الوطني (وهو معهد إسرائيلي وضعه تصنيف بنلسفانيا في المرتبة الخامسة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا) هذه القضية من خلال تقرير نشره في 4 كانون الثاني عن «أزمة اللاجئين السوريين: التداعيات الإقليمية والأمنية الإنسانية» وضح فيه أن قضية اللاجئين يجب أن تكون في رأس أولويات المجتمع الدولي، لأنها تهدد الاستقرار في المنطقة كلها كما من الممكن أن تدفع إلى مزيد من «التطرف» و «الأصولية».

ونختم بالإشارة لتقرير مطول من خمسين صفحة أصدره في 15 نيسان مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية (SETA)، وهو مركز تركي مقرب من حزب العدالة والتنمية الحاكم، بعنوان «اللاجئين السوريين في تركيا: نحو الإدماج» خلص فيه إلى ضرورة إصدار الحكومة التركية لقوانين تساعد السوريين على العمل لأن التحليلات في مجملها تشير إلى أن الغالبية العظمى من اللاجئين لن يعودوا إلى سوريا حتى لو سقط النظام غدا بحسب التقرير.

هكذا إذن نجد أن القضية السورية قد استحالت إلى «أزمة» لاجئين يجب التعامل معها والحد من تأثيراتها «المدمرة» على دول الجوار وأوروبا، وإذا استثنينا التعامل التركي مع القضية الذي ما زال حتى الآن يقارب القضية إنسانيًا، فإن غالبية دول العالم، لاسيما أوروبا، اعتمدت المقاربة «الأمنية» ونظرت إلى القضية باعتبارها خطرًا محتملًا ومناخًا ملائمًا لتغلغل تنظيم الدولة.

وبين المقاربة «الإنسانية» والمقاربة «الأمنية» نجد أن القضية الأساسية أصبحت طي الكتمان، قضية ثورة شعب ضد الظلم بحثًا عن الحرية والديمقراطية

مقالات متعلقة

رأي

المزيد من رأي