حين عينه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في آذار 2018، لم ينحصر دور جون بولتون بكونه مستشارًا للأمن القومي فقط، بل لعب دور وزير الخارجية أيضًا، ومهندس السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، فعدوانيته وصراحته كانت تعكس ما كانت تعمل عليه واشنطن في ذلك الوقت، وهو أمر تغير بشكل تدريجي، وخاصة حاليًا، مع بدء الحملة الانتخابية لترامب.
وصول بولتون إلى منصبه في 2018 فتح عدة أبواب أوضحت علامات السياسة الخارجية الأمريكية، فبعد أسبوع من تسلمه مهامه أمر ترامب بقصف ثلاثة مواقع في محيط العاصمة دمشق، ردًا على الهجوم الكيماوي الذي نفذه النظام السوري على مدينة دوما في الغوطة الشرقية.
وعقب شهرين من تسلم بولتون، أعلن الرئيس الأمريكي انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني، وذلك في كلمة له من البيت الأبيض، قال فيها، “من الواضح أننا لن نستطيع منع إيران من تصنيع قنبلة نووية بهذا الاتفاق ذي البنية الضعيفة”.
عرف جون بولتون، الملقب بـ “الصقر”، بمواقفه المتشددة حيال روسيا، وإيران، وكوريا الشمالية التي سعى ترامب خلال الفترة الماضية إلى تهدئة النزاع معها.
وطالب بولتون مرارًا بشن ضربة “وقائية” ضد كوريا الشمالية بسبب برنامجها النووي، في الوقت الذي توصل فيه ترامب إلى اتفاق مع زعيمها وعقدا أكثر من قمة.
كما يعتبر بولتون أن قصف إيران “مبرر” وأن الحل العسكري هو الوحيد لحل مشكلة توسع إيران في برنامجها النووي، بحسب مقال له في صحيفة “نيويورك تايمز” عام 2015.
لماذا أُقيل؟
ما عمل عليه بولتون منذ تسلمه منصبه لم يدم طويلًا، فالسياسة الخارجية التي كان يحلم بها والتي ترتكز على “الحروب” لم تتحقق، والعدوانية والصراحة التي كان يبديها لم ترق لترامب، الذي أقام علاقات ودية مع بوتين وتواصل مع زعيم كوريا الشمالية، واتجه للتفاوض مع حركة “طالبان”، وأبدى استعداده للقاء الرئيس الإيراني، حسن روحاني، وجميع ما سبق يندرج في إطار حملته الانتخابية.
وكان بولتون، ثالث مستشاري ترامب للأمن القومي، ينادي بالعمل على وقف صادرات النفط الإيرانية بالكامل، كما عارض رغبة ترامب بلقاء الرئيس الإيراني، حسن روحاني.
الخدمة التي قدمها بولتون على مدار 17 شهرًا انتهت بتغريدة عبر موقع التواصل “تويتر” نشرها دونالد ترامب، وقال فيها إن خدمات جون بولتون لم تعد مطلوبة في البيت الأبيض، لوجود خلاف في بعض وجهات النظر والمقترحات التي قدمها بولتون مؤخرًا.
وأضاف، “طلبت من جون الاستقالة، أشكره على الخدمات التي قدمها”، مشيرًا إلى أنه سيعين مستشارًا جديدًا للأمن القومي، الأسبوع المقبل.
قبل أربعة أيام من إقالة بولتون كانت شبكة “CNN” الأمريكية قد نشرت تقريرًا، قالت فيه إن علاقة بولتون مع وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، وصلت إلى مستوى جديد مع تصاعد اختبارات السياسة الخارجية.
وأشارت الشبكة، بحسب ما ترجمت عنب بلدي، إلى توترات مستمرة منذ فترة طويلة بين شخصيات بارزة في فريق الأمن القومي للرئيس ترامب، وتحولت مؤخرًا إلى “عداء شامل”، ما أوجد انفصالًا عميقًا بين العاملين في مجلس الأمن القومي بقيادة جون بولتون، وبقية الإدارة.
وأضافت الشبكة أن العلاقة بين بولتون وبومبيو ازدادت سوءًا في الأيام الماضية، ونقلت عن ثلاثة مصادر قولها إن بولتون وبومبيو نادرًا ما يتحدثان خارج الاجتماعات الرسمية، وقد ترك هذا الأمر جهود التنسيق الرئيسية بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية إلى الأتباع.
هناك أيضًا خلاف بين بولتون ورئيس الأركان القائم بأعمال ترامب، ميك مولفاني، بحسب الشبكة.
وقال توم رايت من معهد “بروكينجز” إن “فريق الأمن القومي التابع للإدارة هو الأضعف منذ عقود، وهو الآن على وشك الانهيار التام (…) في الوقت نفسه، فإن الرئيس ترامب يسير في الطريق، حيث يتخذ قرارات حيوية في أثناء الطيران، من دون تفكير أو عملية”.
وبالنظر إلى مشاكل السياسة الخارجية التي تواجهها أمريكا، بما في ذلك إيران وكوريا الشمالية والصين وفنزويلا، عبر العديد من مسؤولي البيت الأبيض لـ”CNN” عن خيبة أملهم من أن تتفكك العلاقة بين وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي إلى هذا الحد.
ونقلت عن مسؤولين قولهم إن بومبيو، الذي انضم إلى إدارة ترامب كمدير لوكالة الاستخبارات المركزية قبل تعيينه ككبير الدبلوماسيين، بنى علاقات أوثق مع ترامب أكثر من أي عضو آخر في مجلس الوزراء.
وقال المسؤولون إن مهارته (بومبيو) كانت المناورة حول ترامب، بطرق لم يكن بولتون بارعًا فيها.
وأضاف المسؤولون أن بومبيو يميل إلى إقامة توازن بين ما يريده الرئيس دونالد ترامب وما يشعر به مجتمع الأمن القومي وهو أمر مهم، بينما بولتون أكثر عدوانية وصراحة في آرائه، وهو الأسلوب الذي أغضب الرئيس في الأشهر الأخيرة.
مسيرة استمرت من رونالد إلى دونالد
يُعتبر بولتون أحد أبرز رجال الإدارة الأمريكية، رغم تبدل الرؤساء المتعاقبين عليها، إذ بدأ مسيرته السياسية عام 1981 حين عمل كمستشار عام لرئيس الجمهورية رونالد ريغان، كما شغل منصب مساعد وزير الخارجية الأمريكية في إدارة الرئيس جورج بوش الأب في الفترة بين 1989 و1993.
وفي عام 2001 تولى بولتون منصب وكيل وزارة الخارجية لمراقبة الأسلحة والأمن الدولي، وعُيّن بمنصب المندوب الأمريكي لدى الأمم المتحدة، وذلك بعهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، واكتسب حينها لقب “الصقر” بسبب مواقفه المتشددة حيال روسيا وإيران وكوريا الشمالية وكوبا، كما أنه أيد حينها حرب الولايات المتحدة على العراق.
وحين استلم ترامب إدارة البيت الأبيض، عيّن جون بولتون بمنصب مستشاره للأمن القومي، وذلك في آذار 2018.
وكان بولتون أو “الدكتور نو (لا)”، كما وصفه كليف كابتشان المسؤول السابق بوزارة الخارجية، قد عارض المحادثات بين الولايات المتحدة وحركة “طالبان”، التي أعلن ترامب أول من أمس انتهاءها دون التوصل إلى نتيجة.
جون بولتون من مواليد عام 1948 في مدينة بالتيمور التابعة لولاية ميريلاند الأمريكية، وحاصل على إجازة في الحقوق، وهو متزوج ولديه ابنة واحدة.
–