تعتبر مسألة الأكراد من أكثر مسائل سوريا تعقيدًا، وهي مشكلة قائمة منذ تشكيل سوريا الحديثة، ولم تكن المسألة الكردية حاضرة في صلب السياسة السورية على مدى عقود طويلة، وقد اختلطت فيها الحقيقة بالخيال والحقائق التاريخية والأسطورة، وهو ما أخضع القضية لتجاذبات السياسة السورية والإقليمية.
من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب لفك بعض الاشتباك الحاصل في القضية، حيث يبدأ بعرض تاريخي لتشكل المجتمعات الكردية في تاريخ سوريا الحديث، ويبين أن المسألة الكردية السورية هي في شكل من أشكالها انعكاس للمسألة الكردية في تركيا، وتقسيم غير متوازن للمنطقة وفق اتفاقية سايكس بيكو.
يوضح الكتاب أن أكراد سوريا كانوا دائمًا تحت تأثير غيرهم، وكثيرًا ما كانت الانقسامات الحاصلة في الساحة الكردية السورية صدى لانقسامات مماثلة حاصلة عند أكراد العراق، أو أكراد تركيا وهو ما جعل أكراد سوريا يتبنون خيارات خطابات سياسية (مثل مصطلح كردستان الغربية والمطالبة بالانفصال أو الفيدرالية) لا تتوافق مع الحالة الكردية السورية (عدا عن كونها لا تتوافق مع وقائع التاريخ والجغرافيا أيضًا) بقدر ما هي محاولة غير واقعية لاستنساخ تجارب الآخرين.
يظهر الكتاب ارتفاعًا في نبرة الخطاب القومي بعد الثورة السورية، ومحاولة من الأحزاب الكردية السورية تمييز نفسها عن المعارضة والنظام في نفس الوقت، والتعامل بمنطق الابتزاز والسياسة مع مطالب الثورة الشعبية الأمر الذي زاد من مخاوف الأكثرية العربية من حقيقة المطالب الكردية.
ينتهي الكتاب بالدعوة لحل ديمقراطي شامل، حيث يرى أن حل المسألة الكردية لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الديمقراطية القائمة على مبدأ المواطنة المتساوية لكل المواطنين بغض النظر عن دينهم أو عرقهم، وهذا لا يعني طبعًا التخلي عن عروبة سوريا حيث يشكل العرب 90% من السكان.
أخيرا من المهم القول بأن الكتاب جانب الصواب بعدد من القضايا، فقد افترض الكتاب أن ممارسات النظام ضد الأكراد لم يكن فيها أي عنصرية، وإنما هو استبداد نظام لم يفرق في استبداده بين عربي وكردي، وصحيح أن النظام السوري مارس الاستبداد على الجميع، ولكنه من خلال سياسته القائمة على تكريس الهويات الفرعية في سوريا مارس العنصرية ضد الأكراد بالتأكيد، فمنعهم من التحدث والتدريس بلغتهم وغيرها من الممارسات التي ساهمت في دفعهم أكثر فأكثر نحو التقوقع على الذات.