تشبث رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، بموقفه الرافض لتمديد مهلة الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، رغم إخفاقاته المتكررة في جذب أصوات النواب في البرلمان، والقلق المتصاعد للناخبين الذي أحدثه نشر الوثائق المبينة للمصاعب التي ستواجهها بريطانيا في حال خروجها دون خطة.
إصرار جونسون على الالتزام بموعد “بريكست” المحدد في 31 تشرين الأول المقبل، و”تفضيله الموت” على تأجيله، لم يقد إلا لدعوته بـ”الطاغية”، إثر طرده لـ 21 من نواب الحزب المحافظ الذي يترأسه لمخالفتهم إرادته، وفرضه تعليق أعمال البرلمان مدة خمسة أسابيع للمفاوضة على شروط المغادرة وحده.
أزمة “بريكست” في تنامٍ مستمر
تولى جونسون منصبه بعد أن قطع وعدًا بإنهاء أزمة مغادرة الاتحاد، التي بدأت بعد الموافقة عليها في استفتاء عام 2016.
عارض جونسون جهود رئيسة الوزراء السابقة، تيريزا ماي، والخطط التي قدمتها، معتبرًا أنها قدمت أكثر مما يلزم لبروكسل، في مفاوضاتها لضمان خروج بريطانيا بأقل الخسائر الاقتصادية الممكنة.
إلا أنه لم يعد يملك خيارات قانونية كافية لتنفيذ وعوده، ولا لتغيير المسار الذي قاده البرلمان، الذي رفض خطط ماي ورفض الخروج دون خطة أيضًا.
قضية “بريكست”، التي تمثل أول حالة لمغادرة الاتحاد الأوروبي، الذي يجمع 28 دولة باتفاقات اقتصادية وسياسية تتضمن حرية التجارة والتنقل، عانت من تذبذب وجدل كبير، بعد أن رست نتائج التصويت الشعبي، بموافقة 52% على الخروج ورفض 48%.
تأجل الموعد النهائي لـ “بريكست” مرتين، بعد أن كان محددًا في 29 آذار الماضي، ورفض البرلمان البريطاني الخطة التي توصلت لها الحكومة البريطانية إثر مفاوضات دامت أكثر من عام مع بروكسل في تشرين الثاني من العام الماضي، ثلاث مرات.
يتضمن الاتفاق شقًا اقتصاديًا وآخر سياسيًا، وتمثل القضية الإيرلندية أعقد بنوده، نظرًا للتاريخ العنيف الذي عانت منه الجزيرة، التي يتبع سدسها الشمالي للمملكة المتحدة، وتتابع دولتها المستقلة علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي.
ألزم البرلمان البريطاني، قبل تعليق أعماله في 10 من أيلول الحالي، الحكومة بنشر تقييمها للوضع في حال غادرت الاتحاد الأوروبي دون خطة، وهو ما عُرف بعملية “المطرقة الصفراء“، والتي كشفت عن طيف واسع من المشاكل المتوقعة، من ارتفاع أسعار الغذاء والوقود والدواء.
إلا أن جونسون قلل من أهمية الوثيقة، التي أعدتها الحكومة في شهر آب الماضي، وقال “من المهم جدًا فهم هدف هذه الوثيقة. إنها تقييم لأسوأ الاحتمالات، التي يتوجب على الموظفين الاستعداد لها”، وعبر عن تفاؤله بالتوصل لخطة قبل انتهاء شهر تشرين الأول المقبل.
أخفق رئيس الوزراء البريطاني الجديد، في محاولاته لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، بعد أن رفض أعضاء البرلمان مساندته في تصويتهم مرتين منذ استلامه في شهر تموز الماضي.
وأعلن معاندته للقانون الذي قدمه البرلمان وصادقت عليه الملكة إليزابيث الثانية، في 10 من أيلول، والذي يلزمه بطلب المهلة مباشرة بعد القمة الأوروبية المقبلة.
وبذلك، فقدت حكومة جونسون إلى الآن أغلبية المقاعد في البرلمان، واستقال منها كل من أخيه وزير الدولة، جو جونسون، ووزيرة العمل، آمبر رود، بسبب الجدل وطريقة التعامل التي انتهجتها الحكومة مع قضية مغادرة الاتحاد.
محارب حتى النهاية
فاز جونسون بمنصبه بعد ترأسه للحملة المطالبة بتنفيذ “البريكست” دون تأجيل، بعد أن كان وزيرًا للخارجية في حكومة ماي، وعمدة للندن ما بين عامي 2008 و2012.
بدأ رئيس الوزراء البريطاني الحالي عمله في الصحافة كمراسل لصحيفة “تايمز” عام 1987 ولكنه طُرد لتزويره اقتباسًا، ثم أصبح مراسلًا لصحيفة ”ديلي تلغراف” من بروكسل عام 1989، ثم أصبح محررًا مساعدًا فيها من عام 1994 حتى 1999، قبل أن ينتقل للعمل كمحرر في مجلة “سبيكتاتور” حتى عام 2005.
ولد جونسون في 19 من حزيران 1964، لعائلة متنوعة الأعراق والأديان، من جده الصحفي التركي الشيشاني المسلم، علي كمال بك، ونسب والده إلى ملك بريطانيا جورج الثاني، ووالدته ذات الأصول اليهودية الروسية، فيما كان كاثوليكيًا ثم تحول إلى الطائفة الأنجليكية التي يتبعها عموم البريطانيين، وهو في المدرسة الثانوية.
اتهمه نقاده بعدم الصدق والكسل، قورن سلوكه مرارًا بسلوك الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لكنه رغم ذلك، لا يزال مصرًا على تحدي حكومته التي “تنوي استخدام الوقت المتاح من تعليق أعمال البرلمان للضغط في المفاوضات مع بروكسل بهدف التوصل إلى اتفاق التحضير للخروج دون واحدة”، حسبما صرح مرارًا.
يقول جونسون، “مهما اخترع هذا البرلمان من أجهزة ووسائل لتقييد يدي، سأسعى للتوصل إلى اتفاق يضمن مصلحة الشعب.. هذه الحكومة لن تؤجل البريكست بعد الآن”، مؤكدًا اختباره حدود القانون ما أمكن.