عنب بلدي – خاص
صار تسيير الدوريات في المناطق السورية الخاضعة لاتفاقيات بين أطراف النزاع عرفًا يحكم تلك المناطق، وتضع الاتفاقيات وجود الدوريات شرطًا أساسيًا لتنفيذها، كما حدث في مناطق منبج وتل رفعت ومحافظة إدلب ومناطق شرق الفرات في سوريا.
بدأ الحديث عن تسيير الدوريات من مدينة منبج السورية في ريف حلب شمالي سوريا، لتبديد مخاوف أنقرة من العناصر التي تعتبرها “إرهابية” في المنطقة، ثم تطور الأمر لتكون الدوريات عنصرًا أساسيًا في المناطق المتنازع عليها.
منبج.. الأتراك والأمريكيون
في حزيران من عام 2018، دخلت تركيا مع الولايات المتحدة باتفاق بشأن مدينة منبج، وصادق الطرفان على “خارطة طريق” تشمل إرساء الأمن والاستقرار في المدينة التي تضع تركيا عينًا عليها.
قضية منبج طرحت على طاولة المفاوضات، في نهاية أيار 2018، واتفق الطرفان على وجود قوات أمريكية- تركية في المدينة بوجود إدارة محلية.
إصرار الجانب التركي جاء بسبب مخاوفه الأمنية من انتشار “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي تشكل عمادها “وحدات حماية الشعب” (الكردية).
وللتخلص من مخاوف أنقرة وافقت واشنطن على تسيير الدوريات، وسيّرت تركيا مع الولايات المتحدة بشكل فعلي عدة دوريات بموجب “خارطة الطريق”، التي شهدت مماطلة أمريكية ولم تنفذ بنودها كاملة.
دخل النظام السوري، بعد المماطلة الأمريكية في تنفيذ الاتفاق مع تركيا، على الخط في منبج وأعلن، مطلع كانون الثاني الماضي، دخول قواته إلى منبج بعد دعوة وجهتها “الوحدات” للوقوف في وجه ما وصفتها بـ”التهديدات التركية”.
واقتصر دخول قوات الأسد على منطقة العريمة فقط الواقعة إلى الغرب من منبج المدينة، على عكس ما أعلنت عنه وزارة دفاع النظام السوري في بيانها.
تل رفعت.. الأتراك والروس
كما هو الحال في منبج، خضعت مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي لنظام الدوريات، بعد اتفاق بين الجانبين الروسي والتركي.
جاء الاتفاق بعد سيطرة “قسد” على المدينة، مطلع عام 2016، التي سلمتها بدورها للنظام السوري، في آذار 2018، وفي حزيران الذي تلاه اجتمع وجهاء من مدينة تل رفعت مع مسؤولين أتراك لتحديد مصير المدينة، بعد مفاوضات تركية- روسية.
وقرر المجتمعون خروج قوات النظام من المدينة، على أن تحل محلها دوريات تركية- روسية، وعودة أهالي المدينة (المدنيين فقط)، ومنع وجود السلاح، وتشكيل مجلس محلي من شرطة محلية من أهل المدينة.
وأعلن الجانبان الروسي والتركي، في 26 من آذار الماضي، عن تسيير أول دورية مشتركة “مستقلة ومنسقة” في مدينة تل رفعت الخاضعة لاتفاق “خفض التصعيد”، ويعود تسيير آخر دورية إلى منتصف آب الماضي.
كما سيّرت تركيا أولى دورياتها بشكل مشترك، مع الشرطة العسكرية الروسية، منتصف شباط الماضي، في محيط المدينة على الخط الفاصل بين “قسد” وفصائل “الجيش الوطني” على محاور عين دقنة ومرعناز ومنغ بريف حلب الشمالي.
المنطقة المنزوعة السلاح في إدلب.. الأتراك والروس
حاولت روسيا العمل على نظام الدوريات داخل الأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة في محافظة إدلب وأرياف حماة، بموجب اتفاقية “سوتشي” الموقعة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في أيلول 2018.
حكمت هذه الاتفاقية مصير محافظة إدلب وحدودها الجغرافية رغم “الصعوبة” التي وقفت في وجه تنفيذ بنودها كاملة.
ومن ضمن بنود الاتفاقية، التي تضم عشرة بنود، إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15-20 كيلومترًا داخل منطقة “خفض التصعيد”، إضافة إلى قيام القوات التركية والشرطة العسكرية الخاصة بـ “دوريات منسقة وجهود مراقبة باستخدام طائرات من دون طيار على امتداد حدود المنطقة المنزوعة السلاح”.
ولكن الفصائل المقاتلة المنتشرة في محافظة إدلب رفضت دخول الدوريات الروسية إلى مناطق سيطرتها، ما دفع روسيا وقوات النظام السوري إلى شن عملية عسكرية على حدود المنطقة المنزوعة السلاح، رغم تسيير الجانب التركي دوريات عسكرية في المنطقة.
وقال وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، في 27 من آب 2019، إن تنفيذ “الاتفاقية الروسية- التركية حول منطقة إدلب يتم بصعوبة وتوتر”، مشيرًا إلى أن “تركيا تسيّر دوريات داخل منطقة خفض التصعيد، بينما يستمر تسيير دوريات روسية خارجها”.
شرق الفرات.. الأتراك وأمريكا
توصل الجانبان التركي والأمريكي، مطلع شهر آب الماضي، إلى اتفاق يقضي بإنشاء “منطقة آمنة” شمال شرقي سوريا على طول الحدود مع تركيا، واتفق الجانبان على تسيير دوريات مشتركة في المنطقة.
وعلى الرغم من عدم وضوح تفاصيل المنطقة وتضارب أبعادها بين الجانبين التركي والأمريكي، فإن تركيا أعلنت أن الدوريات المشتركة ستبدأ يوم الأحد، 8 من أيلول الحالي، وفق ما صرح وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار.
وأضاف آكار، في تصريحات نقلتها وكالة “الأناضول”، “نعتبر عمليات التحليق المروحية المشتركة مع الأمريكيين (شمالي سوريا) فرصة لرؤية كل ما يُدّعى القيام به في الميدان بما في ذلك تدمير التحصينات الإرهابية”، بحسب تعبيره.
وأعلن الطرفان، في 7 من آب الماضي، عن إنشاء مركز عمليات مشترك في تركيا، لتنسيق شؤون وإدارة المنطقة الآمنة، وتنفيذ التدابير الأولى بشكل عاجل لإزالة مخاوف تركيا الأمنية على حدودها الجنوبية مع سوريا.
وجاء في بيان الاتفاق أن المنطقة الآمنة “ستكون ممر سلام وسيتم بذل جميع الجهود الممكنة من أجل عودة السوريين إلى بلدهم”.