الشخصية الحدية.. اندفاع وتقلب مزاج وعدم استقرار في السلوك والعلاقات

  • 2019/09/08
  • 11:19 ص
الشخصية الحدية

د. أكرم خولاني

كلنا يمكن أن يتغير مزاجنا من فترة لأخرى، بحسب الأحداث التي نمر بها والظروف التي نواجهها، ولكن في بعض الحالات نصادف أشخاصًا لديهم تقلبات مزاجية شديدة وسلوكيات مندفعة وردود فعل متطرفة، وهؤلاء غالبًا يعانون من اضطراب في الشخصية يسمى “الشخصية الحدية”، وهو أحد اضطرابات الشخصية الأكثر شيوعًا بين الناس.

ما المقصود باضطراب الشخصية الحدية

اضطراب الشخصية الحدّية (BPD) اختصار من Borderline personality disorder، أو الشخصية الاندفاعية المزاجية، أو الشخصية غير المستقرة عاطفيًا، يعرف بخلل في توازن العواطف والانفعالات، فيتميز المصاب بالاندفاعية وتقلب المزاج وعدم الاستقرار في السلوك والعلاقات الاجتماعية وفي الشخصية وصورة الذات، ويشير مصطلح “الحدية” إلى حقيقة أن الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة يميلون إلى “الحدود” في حياتهم، سواء في علاقتهم بالآخرين أو في التفكير والعمليات العقلية التي تجرى بداخلهم.

يكون هذا الاضطراب موجودًا في مراحل المراهقة، ويمكن أن يظهر بشكل عرضي حسب الموقف، ويتميز بتقلبات مزاجية عنيفة تستمر عدة ساعات أو عدة أيام، تتمثل بسعادة غامرة أو ضيق وقلق، كما تحدث نوبات شديدة من الغضب والتهيج وفقدان الأعصاب وما ينتج عنه من تصرفات غير لائقة، الأمر الذي يكون من الصعب فهمه بالنسبة للآخرين، إذ إن الشخصية الحدية من أكثر الشخصيات الحساسة التي تتأثر سريعًا، ومشاعر المصاب تتطور سريعًا، فهو يغضب بسرعة، ويعبر عن هذا الغضب، لكنه لا يؤذي أحدًا، ما عدا نفسه.

ويعطي المصاب رأيه بالأشخاص المحيطين بحالة إقصائية، إما بجعلهم مثاليين أو أنهم غير متحلين بالقيم، وذلك بشكل متفاوت بين التقدير العالي الإيجابي أو خيبة الأمل السلبية، وهو ما يسمى بأسلوب التفكير أبيض- أسود.

ويشيع السلوك الاندفاعي عند مرضى اضطراب الشخصية الحدية، بما في ذلك تعاطي مواد الإدمان أو شرب الكحول أو اضطرابات الأكل أو التهور في القيادة أو تبذير النقود أو الاستقالة من وظيفة جيدة أو إنهاء علاقات ناجحة.

كذلك فإن الشخص المصاب باضطراب الشخصية الحدية قد يسعى إلى التقارب، لكن استجاباته العاطفية المكثفة وغير المستقرة تميل إلى عزل الآخرين، ما يسبب مشاعر العزلة والهجر على المدى الطويل، وهذا يؤدي إلى الضجر والفراغ والملل الدائم.

ويعاني المصاب باضطراب الشخصية الحدية من مشاكل في تكوين صورة واضحة عن شخصيته وهويته، فهو يميل إلى مواجهة مشاكل مع نفسه لمعرفة ما الشيء الذي يقيمه أو الذي يؤمن به أو يفضله أو يستمتع به، كما يكون غير واثق من أهدافه بعيدة الأمد، وذلك فيما يتعلق بالعلاقات والعمل، وكل ذلك يؤدي إلى شعور الشخص بالضياع.

ونتيجة للمشاعر السلبية المتراكمة فإن المصاب بالشخصية الحدية قد يقدم على إيذاء نفسه ومحاولة الانتحار بجرح نفسه أو محاولة حرق جسده.

ما أسباب اضطراب الشخصية الحدية؟

كما هو الحال مع بقية اضطرابات الشخصية، فإن أسباب اضطراب الشخصية الحدية غير مفهومة تمامًا، ولكن تشير الدلائل إلى وجود اشتراك بين اضطراب الشخصية الحدية واضطراب الكرب التالي للصدمة، فوجود صدمة نفسية في تاريخ طفولة المصاب يمكن أن يكون عاملًا مسهمًا بحدوث الإصابة، كما يمكن أن تكون هناك عوامل أخرى متداخلة:

الوراثة:

تشير بعض الدراسات إلى أن اضطرابات الشخصية قد تكون موروثة أو مرتبطة بقوة باضطرابات الصحة العقلية الأخرى بين أفراد الأسرة.

الاضطرابات الدماغية:

أظهرت الدراسات وجود انحسارات في مناطق بالدماغ مسؤولة عن الضبط والتحكم بردود الفعل تجاه الكرب والعواطف، والتي تكون في منطقة الحصين والقشرة الدماغية الجبهية الحجاجية واللوزة الدماغية بالإضافة إلى مناطق أخرى، كذلك قد لا تعمل بعض العوامل العصبية الحيوية في المخ، التي تساعد على تنظيم الحالة المزاجية، مثل السيروتونين، بشكل صحيح.

البيئة المحيطة:

يسهم اضطراب العلاقات الأسرية بحدوث الشخصية الحدية، فالبيئة العائلية غير المستقرة تهيئ لتطور هذا الاضطراب، في حين أن البيئة العائلية المستقرة تكون فيها مخاطر حدوث ذلك الأمر أقل، فوجود تاريخ سيئ في أثناء الطفولة من حيث الانتهاك والإهمال، أو فقد أحد الوالدين، أو الإبعاد عنه، أو معاناة أحد الوالدين من مشاكل عقلية أو إدمان المخدرات، كل ذلك يسهم بتطور الشخصية الحدية، كذلك فإن هناك ارتباطًا وثيقًا بين حدوث تجارب سيئة في مرحلة الطفولة، وخاصة التحرش الجنسي، مع تطور أعراض اضطراب الشخصية الحدية.

كيف يُشخص اضطراب الشخصية الحدية؟

عادة ما يتم تشخيص اضطراب الشخصية الحدية لدى البالغين والمراهقين وليس الأطفال، وذلك لأن علامات وأعراض اضطراب الشخصية الحدية التي تظهر على الشخص قد تختفي بينما يكبر الأطفال ويصبحون أكثر نضجًا، ويعتمد التشخيص على فحص نفسي من قبل اختصاصي مؤهل، وعلى وجود أعراض الشخصية الحدية المتمثلة بـ:

  • تغير مزاجي مفاجئ يمكن أن يستمر لعدة أيام أو لبضع ساعات فقط.
  • العلاقات غير المستقرة التي يمكن أن تتغير بشكل كبير من الحب الشديد والمثالية إلى الكراهية الشديدة.
  • تكون صورة ذاتية غير مستقرة أو مختلة أو شعور ذاتي مشوه.
  • الخوف المستمر من الهجر والرفض.
  • مشاعر قوية من القلق والاكتئاب.
  • سلوكيات متهورة محفوفة بالمخاطر ومدمرة، بما في ذلك القيادة المتهورة وإساءة استخدام المخدرات أو الكحول وممارسة الجنس غير الآمن.
  • العنف والعدوانية تجاه الآخرين.
  • تزايد مشاعر العزلة والضجر والفراغ.
  • تهديدات أو أفعال متكرّرة بإيذاء النفس.

كيف يمكن علاج الاضطراب؟

إن العلاج النفسي هو العلاج الرئيس، وليست هناك أدوية خاصة لعلاج اضطراب الشخصية الحدية، وعلى العكس من المفهوم الشائع بين الناس، فإن الشفاء ليس ممكنًا فقط، بل شائع الحدوث، حتى في الحالات ذات الأعراض المستعصية.

يهدف العلاج النفسي إلى ما يلي:

  • التركيز على القدرة على أداء الوظائف.
  • تعلم السيطرة على المشاعر المزعجة.
  • تقليل الاندفاع من خلال الحفاظ على المشاعر أكثر من إحداث رد فعل بشأنها.
  • العمل على تحسين العلاقات من خلال إدراك مشاعر الشخص ومشاعر الآخرين .
  • المعرفة بشأن اضطراب الشخصية الحدية.

أما الأدوية فهي تُساعد في علاج الأعراض أو المشاكل المتزامنة مثل الاكتئاب أو الاندفاع أو العدوانية، و تشمل الأدوية مضادات للاكتئاب، أو مضادات للذهان، أو عقاقير تعمل على استقرار الحالة المزاجية.

وقد يتم إدخال المصاب إلى المشفى في بعض الحالات لحمايته من إيذاء نفسه ولمعالجته من الأفكار الانتحارية.

مقالات متعلقة

أسرة وتربية

المزيد من أسرة وتربية