غودو اللجنة الدستورية وعبث الآخرين

  • 2019/09/08
  • 2:53 م
مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون (رويترز)

مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون (رويترز)

أسامة آغي

يترقب كثيرون انطلاق عمل اللجنة الدستورية، التي سيدير جلساتها الوسيط الدولي الخاص بملف الصراع السوري السيد غير بيدرسون.

هذه اللجنة التي لم يُعلن عن ولادتها رسميًا، لا تزال محطّ شد وجذب بين أطراف الصراع، فالنظام يريد أن تكون لديه أكثرية فيها من أجل تمرير مواد دستورية، تسمح بإعادة إنتاجه بصورة جديدة. ولهذا ووفق تقسيم الأمم المتحدة لتكوين هذه اللجنة على مبدأ: ثلث للنظام وثلث للمعارضة وثلث تختاره الأمم المتحدة من ممثلي المجتمع المدني ومن المستقلين، فإن النظام السوري وبالتعاون مع الروس رفض مرارًا اختيار الأمم المتحدة لثلثها، بحجة أن هذا الاختيار منحاز ضده.

الروس وببساطة اخترعوا ما سمي “مسار أستانا” و”مسار سوتشي”، من أجل سحب البساط من تحت قدمي مفاوضات جنيف، لجعل هذين المسارين أساسًا للحل السياسي في سوريا، وهذا يعني ببساطة الالتفاف على قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بالصراع السوري، وتحديدًا بيان جنيف1، والقرار 2118، والقرار 2254.

لكنّ الروس وجدوا رفضًا من المعارضة السورية، ومعارضة دولية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، ترفض هذين المسارين بدلًا من مسار جنيف، ما اضطرهم إلى العودة والقبول بإحياء مسار مفاوضات جنيف، لا سيّما وأنهم اصطدموا برفض المجتمع الدولي بالقيام بأي خطوة حيال الحلّ السياسي خارج القرار 2254، ورفض الإسهام بإعادة إعمار سوريا، قبل إنجاز هذا الحل على قاعدة الانتقال السياسي من نظام الاستبداد إلى نظام ديمقراطي.

الروس ومعهم النظام السوري أرادوا جعل عملية الصراع وحله تنحصر بمشكلة قانونية هي تشكيل اللجنة الدستورية، متجاهلين عن قصد السلال الثلاث الأخرى التي تشكّل جوهر الحل السياسي في سوريا، وهذه السلال هي تشكيل هيئة حكم انتقالي، ولجنة دستورية، وعملية الانتخابات برعاية وإشراف تام من الأمم المتحدة، إضافة إلى سلة مكافحة الإرهاب.

تجاهل الروس والنظام السلال الباقية، وتحديدًا سلة الانتقال السياسي عبر تشكيل هيئة حاكمة انتقالية، هو محاولة لإفراغ القرار 2254 من جوهره، وهذا الإصرار الروسي تجلى بمحاولتهم سلب فصائل المعارضة السورية المسلحة منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب، بغية الوصول إلى طاولة مفاوضات لا تملك المعارضة فيها أوراق تفاوض تتمثل بقوتها على الأرض، وسيطرتها على مساحات من الجغرافيا السورية.

الروس عمليًا هم من يمارس ببشاعة محاولة إركاع الشعب السوري عبر تدمير البنى التحتية باستخدامهم سياسة الأرض المحروقة، لجعل السوريين يقبلون نتيجة هذا الدمار والإحباط بحلولهم السياسية، لكنهم يتغافلون عن قصد عن مصالح أطراف أخرى في هذا الصراع، لن تقبل بتمرير أجندتهم باستخدام الورقة السورية كمعادل ابتزاز دولي في قضايا صراع أخرى.

ووفق ما تقدّم لا ينبغي للمعارضة السورية، أو لدور الأمم المتحدة عبر مفاوضات جنيف، أن تسمحا بتغيير جوهر روح القرار الدولي 2254. فالشعب السوري وقواه المختلفة التي قدّمت تضحيات جليلة على مذبح الخلاص من الاستبداد يريدان أن يصل “غودو” إليهم حاملًا بشارة التغيير.

السوريون الذين دفعوا فاتورة باهظة من حياتهم ودمهم ودمار ممتلكاتهم، لا يمكن أن يرضوا بإعادة إنتاج نظام استبدادي، تتهمه المنظمات الدولية وعبر وثائق حقيقية بارتكابه جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية.  وهذا الأمر يرتب مسؤوليات أخلاقية ووطنية على وفد المعارضة، ومسؤوليات قانونية على وساطة الأمم المتحدة في هذه المفاوضات، بأن تسير المفاوضات بشكل متواز في السلال الأربع.

إن تحويل الصراع السوري إلى صراع حول مواد دستورية هو احتقار صريح للشعب السوري، الذي سقت دماؤه ربوع بلاده من أجل نيل الحرية والكرامة الإنسانية، ولذلك لا يمكن منح تفويض لهيئة المفاوضات الممثلة للشعب السوري وقواه الثورية ومعارضته خارج التزامها بالعمل من أجل تحويل قرار 2254 إلى واقع ملموس.

وإن إصرار هيئة المفاوضات المنبثقة عن المعارضة على السير بالتفاوض على السلال الأربع سيمنحها قوة تستمدها من أمل الشعب السوري باستعادة حقوقه في دولة مواطنة، تحترم حقوقه الإنسانية وتحفظ له كرامته، وكذلك ستجد هيئة المفاوضات سندًا من المجتمع الدولي، الذي رفض تمرير الحلّ الروسي القائم على خدعة أستانا الشهيرة.

الشعب السوري الذي يحيا أقسى لحظات إحباطه، نتيجة تجاهل العالم بكلّ ألوانه السياسية، يريد أن تكون هيئة المفاوضات المنبثقة عن المعارضة “غودو” الذي يحمل بشارة الخلاص من اللجوء المرير، ومن الذلّ والقهر والجوع والموت، الذي تسبّب به نظامٌ قهر شعبه للحفاظ على امتيازات هيمنته الجائرة على مناحي حياة السوريين. فهل تنهض هيئة المفاوضات المنبثقة عن المعارضة السورية بدور غودو؟ أم أن قدر السوريين هو الانتظار؟

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي