غياث مطر، غيث داريا.. ومطر الحرية القادمة
كان من آخر أقواله وهو يشجع شباب داريا على الثبات والاستمرار، أنه وأصدقاءه يجهزون لزلزال سيهز أركان داريا…
فكان نبأ استشهاده ذاك الزلزال الذي عصف بنا، وأفاق حتى من في القبور لهول ما جرى…
إذ لم تغمض جفون أحرار وحرائر داريا مذ جاءهم نبأ اعتقال يحيى شربجي وصديقه غياث مطر بكمين نصبته لهم قوات المخابرات الجوية في 6 أيلول 2011م، ثم لتسلم عائلة الشهيد غياث مطر جثمانه بعد مرور ثلاثة أيام من الاعتقال، إذ قضى نحبه تحت التعذيب.
حتى اسم غياث بعد استشهاده أخاف قوات الأمن السورية، إذ وصلت تعزيزات من رجال الأمن والشرطة قبيل تشييعه بساعات، لتقطع كافة الطرقات، وتمزق أوصال المدينة في محاولة منها لمنع تشييعه، كما وأوقفت كافة وسائل الاتصال (الهاتف- الجوال- الانترنت)، ومنعت الأهالي من القيام بتشييع فقيد داريا الغالي.
من كافة الأصقاع أناس يأتون لتعزية عائلة الشهيد… سفراء بعض الدول الغربية أتوا ليحضروا مجلس العزاء، مما أفقد الأمن صوابه، فداهم مكان العزاء بعد خروج السفراء، واعتقل من كان في المجلس، ثم بدأ بكتابة عبارات على الجدران: يسقط آل مطر لاستقبالهم السفراء…
غياث مطر ابن السادسة والعشرين ربيعاً لم يكن له أي نشاط سياسي قبل الثورة، ولكن ما إن بدأت ثورة الكرامة حتى أصبح اسم غياث مقروناً بكل إنجاز تحصده الثورة، إذ لطالما وهب نفسه لها، بعد أن ترك أهله وعروسه ليلتحق بالصفوف الأولى للثورة، وليتوارى عن الأنظار بعد أن أصبح اسمه في قائمة المطلوبين والملاحقين…
ثم ليلمع ذكره بعد استشهاده في أوراق الصحف والمجلات، وعلى شاشات التلفزة، وليصبح اسمه ولقبه الملهمين لكثير من الشعراء والأدباء ليحيكوا بأحرف اسمه أجمل القصائد…
إذ كان اسمه غيثاً ولقبه مطراً يرويان ثورة كرامتنا… ليزهر ياسمين النصر والحرية… فقد اختاره المولى لجواره.. ليتوجه على عرش الشهداء في عليين.. ولكنه سيبقى ذاك الحبل السري الذي يصل الأرض بالسماء… ويمدها بالطاقة ولحن الحياة…
ثم لتضع زوجه مولودهما غياث الصغير… غياث رمز الاستمرار…ليبقى هذه الاسم غيثاً يسقي داريا، فيرويها من ظمئها… غياث الابن لأب لم يره ولكنه سيستلهم حكمته من سيرة أبيه… وسيكون بإذن الباري خير خلف لخير سلف… فتقبل اللهم غياث الأب في فردوسك… واحفظ غياث الابن من كل أذى…
اعذرني غياث… فقلمي ومداد حبري عجزا عن الكتابة عنك… وكثيراً ما آثرت الصمت تواضعاً أمام ابتسامتك… وخجلاً من دمك الطاهر الذي نزف ليرتوي وطنك الحر… لم أستطع أن أزغرد في تشييعك… فقد تملكني خوف بألا يصل صوتي حيث سمت روحك..
أكتب هذه الكلمات وحبيبات المطر ترتطم أرضاً.. بل وحتى الثلوج تتساقط… لتعبر وبمشهد معجز آخر عن فيض حلاوة روحك يا غياث… حتى أثناء الكتابة عنك.. امتزج اسمك بحبر دواتي وخط هذه الكلمات…
غياث مطر… ومطر في داريا… وثلج يغطي سماءها… وحبر لن ينفد قبل أن ننهي ما بجعبتنا عنكم شهداءنا.. وقلم يؤثر الصمت أحياناً لخجله أمام عظيم صنعكم… ثم يكتب أحياناً أخرى معلناً بأننا:
لن نحيد عن درب غياث وأسامة وطالب وأحمد ووووو.. ماضون كما أردتمونا أن نكون… طالبي حرية وكرامة…
فالثورة مستمرة… وطالعين اليوم وبكرا… لأجلك يا حرية… لأجل ابتسامتك غياث وروحك الطاهرة ورفاقك.. لأجل شهداء ثورة كرامتنا… لأجل معتقلينا الأحرار خلف القضبان…
لأجل عيونك يا وطني….
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :