إبراهيم العلوش
مع بداية أيلول تفتح المدارس أبوابها للأطفال والفتيان في احتفالات ومواكب متنوعة، وتحتفي المؤسسات والمنظمات بعودة الأطفال إلى المدارس كرمز للسلام وللأمل بالمستقبل.
أما في سوريا فقد مهدت الطائرات الروسية وبراميل النظام للعام الدراسي الجديد في إدلب واستهدفت المدارس، بالإضافة إلى المشافي وكل متطلبات الحياة في ريف إدلب الجنوبي وشمال حماة، فهل روسيا والنظام يبحثان عن السلام والأمان للسوريين كما يدّعون كل يوم؟
كانت داعش صريحة في عدائها للتعليم، وكانت مع مشتقاتها من تنظيمات الإرهاب الديني المتطرف تعتبر التعليم رجسًا من عمل الغرب، فعلى العامة اجتنابه والاكتفاء بتعلم طرق القتل والتفخيخ وغسيل الدماغ ومديح البغدادي أو ما يماثله من خلفاء وشرعيين وقادة يرتقون بادعاءاتهم الكاذبة إلى درجات النبوة!
أما روسيا فعلى العكس من ذلك، لا تحارب التعليم وإنما تدمر المدارس قبل افتتاحها، وتجرّب بها صواريخها ونظم الاستهداف المتطورة التي تمتلكها، خاصة وأن الأمم المتحدة أعطتها إحداثيات المدارس والمستشفيات، ولكنها استهدفتها بشكل علني واعتبرت المدارس أوكارًا إرهابية، ومراكز للمؤامرة الغربية على نظام الأسد!
كيف يستقبل أطفال إدلب عامهم الدراسي الجديد وهم تحت شجر الزيتون وفي البراري، ويعانون من تقلبات الجو والتسمم ولدغ الحشرات، وكيف من الممكن إعادتهم إلى مدنهم وقراهم ومدارسهم التي دُمرت بالصواريخ الحديثة التي يشرف عليها الخبراء الروس، بالإضافة إلى البراميل المتخلفة التي يتم إسقاطها على الناس بطريقة القرعة، حيث تدفعها الرياح والظروف الجوية إلى صاحب النصيب المنكود، مثل دواليب الحظ التي يستخدمها يانصيب معرض دمشق الدولي، فالبرميل الذي يرتمي باتجاه موقع ما يدفعه الهواء إلى بيت أو إلى حديقة أو شارع أو سوق.
يقترح الروس إعادة الأطفال إلى المدارس المخربة بشرط أن يعود آباؤهم إلى فروع التحقيق الأمنية وتوقيع صكوك الاستسلام والطاعة لنظام الأسد، من أجل أن تضمن روسيا العظمى حصتها من الفوسفات ومن الغاز، ولكي تضمن سلامة قاعدتها الاستعمارية في حميميم وميناء طرطوس إلى الأبد!
روسيا ليست أبدًا مثل داعش ضد التعليم، بل هي ضد وجود المدارس، وروسيا ليست ضد السلام والإعمار بل ضد السوريين الذين يرفضون الخضوع لنظام الأسد وللاتفاقيات العلنية التي تطوبها كدولة استعمارية لنصف قرن على الأقل!
وروسيا ليست ضد افتتاح المدارس ولكنها تفتح أسقف المدارس للسماء بالصواريخ بدلًا من فتح أبوابها للأطفال!
أطفال العالم يشترون الحقائب والثياب الجديدة من أجل الذهاب إلى المدرسة، بينما أطفال إدلب يبحثون عن ماء للشرب، وعن دواء مضاد للإسهال، وعن ظل يجلسون تحته بعيدًا عن الطائرات الحديثة التي تتدرب فوقهم!
يعود المعلمون في العالم إلى طلابهم ويحتفون بالعام الدراسي الجديد، بينما يتشرد معلمو ومعلمات إدلب مع طلابهم في البراري وهم يبحثون عن ظل يستظلون به.
يعود أطفال مناطق النظام إلى المدارس مسربلين بصور آل الأسد، ويعود أبناء المهجرين إلى المدارس في لبنان والأردن حاملين شعارات البلدين، ويعود أطفال المهجرين في تركيا وأوروبا إلى المدارس هاجرين اللغة العربية إلى لغات الدول التي استضافتهم وهم يبنون سدًا بينهم وبين أهاليهم الذين لن يتمكنوا من تلك اللغات، ولن يتفاهموا مع أطفالهم في المستقبل بسهولة.
عام دراسي جديد لأطفال العالم، وقنابل روسية حديثة لأطفال إدلب، خوف ومرض وحرمان من المدارس لأطفال إدلب، ونصر استراتيجي لروسيا ولبراميل النظام.
كان أطفال إدلب يلجؤون إلى التعلم في المغارات، فطائرات النظام لم تكن ببراعة الطائرات الروسية التي تبحث عن الأطفال في الملاجئ وفي المغاور وتنتزع أرواحهم ببراعة وبمهنية منقطعة النظير في الوحشية.
تبني الأمم مستقبلها في المدارس، وترى بعض الحكومات تتفرغ كليًّا لليوم الأول في العام الدراسي وتبث وسائل الإعلام الترتيبات والاحتفالات التي يبدأ بها العام الدراسي، وطلاب الصف الأول يحظون في فرنسا مثلًا باحتفالات خاصة في أول يوم لهم، ويلبسون أزياءً احتفالية، ويذهب أهاليهم إلى المدرسة معهم، فاليوم الأول يوم تاريخي في حياة الطفل وبداية تكوّن شخصيته ومستقبله، بينما حكومات الاحتلال في بلادنا تهتم بتدمير المدارس وبتشريد الطلاب مع أهاليهم ومعلميهم، فحتى الأمريكيون في شرق الفرات يتفاخرون بعدد المدارس والمباني المدمرة، ويرفضون الاعتراف بمسؤوليتهم عن هذا الدمار الذي خلفوه مع داعش، فهم معنيون بالتدمير وليسوا معنيين بالبناء ولا بالمستقبل، والأطفال يتم اختطافهم في مناطق حكم التحالف الغربي لبيع أعضائهم كما يحدث في الرقة وفي غيرها.
لكننا لن نستسلم لكل هذا الخراب ولا لكل هذا التشرد، فهذه الاحتلالات عابرة، وتلك الميليشيات والتنظيمات الإرهابية ستتلاشى كالزبد، بينما إرادة السوريين هي الباقية، وسيعاود طلاب سوريا دراستهم وتفوقهم، وهم من سيبنون سوريا الجديدة وسيفتحون أبواب المدارس الجديدة والحديثة للأجيال القادمة، وسيضمدون الجراح التي يخلفها هذا القصف الروسي العظيم!
عام دراسي جديد، وأمل جديد، وتحية لكل من يتعلم ولو كلمة جديدة.. وهذا الليل زائل.