النَّكْس في العاصي.. مغامرة مستمرة رغم الحرب
بتول محمد – برنامج “مارِس” التدريبي
ثمة مساحة للفرح لا يزال شباب مدينة حماة يتمسكون بها رغم سنوات الحرب الطويلة، ففي مدينة قسمها نهر العاصي ورسم ملامحها الاستثنائية، تستمر مغامرات النكس من النواعير إلى النهر ضمن أجواء لا يمكن أن تُرى إلا في تلك البقعة الجغرافية من سوريا.
تغري نواعير حماة الشباب بمتعة تسلق أدراجها الحجرية، والقفز من فوقها للغوص في النهر، كلما ازدادت درجات حرارة فصل الصيف، ويُجمع من جربوا النكس، أو بالعامية “الشكة”، أنها حركة تتطلب شجاعة كبيرة، وتمنح صاحبها شعور الطائر، إذ تأخذ الأيدي حركة الأجنحة، ويبلغ الأدرنالين ذروته.
نور الدين، البالغ من العمر 22 عامًا، والذي طلب عدم نشر كنيته لأسباب أمنية، تحدث لعنب بلدي عن تجربته في تسلق الناعورة عن طريق بروزات فيها تصل إلى عشرة سنتيمترات، تسمى الصناديق وتساعد الشباب بالتسلق.
وعند الوصول إلى الأعلى تُثبّت القدمان إلى الأمام وتوضع اليدان في الخلف حفاظًا على توازن الجسم، وعند النكس يكون الجسم وسطح الماء في حالة توازٍ، والخطأ ممنوع في هذه المغامرة، بحسب نور الدين، فالمغامر عليه أن يتسلق ويحافظ على توازنه، ومن ثم يقفز إلى المياه والناعورة تدور.
طقس يُدرّس
يقول نور الدين في حديثه لعنب بلدي إن أعلى نكسة مارسها كانت من علو 18 مترًا من حجرية ناعورة “المحمدية” الأشهر في حماة، إذ كلما زاد ارتفاع القفزة، تمكن صاحبها من مجاراة الناعورة في دورانها، وصولًا إلى ذروة مسارها، ليقفز بزاوية حادة.
ورغم أنها مغامرة خطرة، ومن المحتمل أن تؤدي إلى نتائج مأساوية، إلا أنها لا تردع أهالي حماة عن اختبار أحد أكثر الأمور متعة بالنسبة لهم، وتعليمها لأطفالهم.
منهل رحمون، البالغ من العمر 23 عامًا، تحدث أيضًا لعنب بلدي عن تجربته الأولى في ممارسة مغامرة النكس في العاصي، “كنت أبلغ من العمر عشر سنوات حينما مارست النكس في العاصي لأول مرة، وكان ذلك بعد عدة تمارين وتدريبات علمني إياها والدي”.
ويضيف منهل، الذي يقيم في تركيا اليوم، أن النكس لأول مرة يعد مغامرة صعبة جدًا، ونظرًا لصغر عمره كان الخوف يتملكه آنذاك، إلا أنه كان مترافقًا مع شعور بالسعادة والاندفاع ما ساعده على كسر حاجز الخوف.
وتقوم الناعورة خلال دورانها برفع الشخص، بعد تعلقه بصناديقها، لكي يتمكن من القفز منها بعد وصوله إلى أعلى نقطة فيها إلى مياه النهر ثانية.
لا مكان للخوف
تلك الحركة التي تتحدى الخوف تصنع من أهالي حماة طيارين شجعانًا، وفق الجملة المتداولة في المدينة “دول العالم لديها طائرات من دون طيار، أما نحن فلدينا طيارون من دون طائرات”.
إذ لا يكترث الشباب الراغبون بالنكس للوحات التحذيرية، التي ينشرها مجلس مدينة حماة على ضفاف العاصي، متجاهلين أيضًا أخبار حوادث الغرق المخيفة، والشباب الذين فقدوا أرواحهم جراء هذه المغامرة.
وينوه نور الدين إلى أن العديد من الشباب يتعرضون لإصابات بسبب أخطاء يرتكبونها في أثناء التسلق أو القفز بطريقة غير صحيحة ولا تتناسب مع مجرى الناعورة.
ويضرب نور الدين مثالًا، أن أحد أصدقائه الشباب، تعرض منذ ما يزيد على أربع سنوات لإصابة إثر سقوطه خلال تسلق الناعورة، وتعرض لالتواء في معصمه، ولا يزال أثر هذا الحادث يرافقه حتى اليوم.
ولا تتوفر إحصائيات رسمية عن الإصابات والحوادث نتيجة القفز من الناعورة، لكن أهالي مدينة حماة شهدوا حالات عدة، لأشخاص فقدوا حياتهم إثر تلك المغامرة.
صورة تذكارية
تشكل النواعير والطقوس المرافقة لها المعلم السياحي الأبرز لمدينة حماة، التي تتوسط البلاد، على جانب طريق حلب- دمشق الدولي، ولعلّ صورها وصور الشبان والفتيان الذين يقفزن منها، أشهر ما يتم تداوله عن حماة في الأدلة السياحية.
ووجدت أقدم صورة لناعورة في لوحة من الفسيفساء يعود تاريخها للقرن الرابع قبل الميلاد، وقد عُثر عليها في مدينة أفاميا الأثرية بالقرب من حماة، وهي موجودة اليوم في حديقة المتحف الوطني في حماة، بحسب المديرية العامة للآثار والمتاحف.
عادة النكس من الناعورة أيضًا حافظت على استمراريتها، إذ يؤكد نور الدين أن المغامرة، رغم قلة عدد الشباب الذين يمارسونها، لم تختفِ خلال الحرب ولا تزال تجذب شباب مدينة حماة، والجيل الصاعد يتعلمها ويقبل عليها بروح قوية، فالصغار يمارسون النكس في العاصي على علو منخفض نسبيًا، في مساحات النهر الآمنة، والأقل عمقًا.
وقبل الحرب كان أهالي حماة يمارسون طقسهم أمام عدسات السياح الذين يقصدون المدينة ليوثقوا نشاط أبنائها المستمر، أما اليوم لم يعد في حماة سياح يوجهون عدسات كاميراتهم للأعلى.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :