في بلاد تعيش على أزمات الماضي ويسود حاضرها الانقسام والشروخ المجتمعية، يأتي فيلم “القضية 23” للمخرج اللبناني زياد الدويري، ليحفر عميقًا في مشاكل وأزمات المجتمع اللبناني، المؤلف من خليط من الطوائف والمذاهب والفرقاء السياسيين.
من الخلاف بين طوني حنا، اللبناني الذي يملك دكانًا لتصليح السيارات، والمهندس الفلسطيني ياسر، تنضج قضية رأي عام، مع تمسك كل من طرفي الخلاف بخلفيته السياسية والأيديولوجية والوطنية، لتكثّف تلك الحالة واقعًا معاشًا في لبنان.
يمضي الفيلم ليشرح خطورة المشكلة المسكوت عنها، التي تشكل جمرًا تحت الرماد، وتهدد بانفجار أزمات متصلة ومنفصلة يعاني منها لبنان، دون حلول جذرية.
في أحد مشاهد الفيلم، وهو المشهد المحوري الذي يلخص الحكاية كاملة، يستدعي رئيس الجمهورية كلًا من ياسر وطوني لمحاولة رأب الخلاف بينهما، الذي تحول إلى أزمة في الشارع تهدد بعودة الحرب الأهلية.
يرفض طوني بحزم، مستخدمًا عبارة “لسنا جميعًا إخوة فخامة الرئيس”، ويخرج كلاهما من الاجتماع لتتعطل سيارة ياسر داخل القصر الجمهوري، ويساعده طوني ويمضي، ويكملان خلافهما في المحكمة.
من خلال هذا المشهد يعكس الفيلم التناقضات في لبنان خصوصًا، وفي منطقة الشرق الأوسط عمومًا، حيث الصراع بين الصور النمطية ورفض الآخر والأيديولوجيات المختلفة من جهة، والمبادئ الإنسانية والأخوة من جهة أخرى.
الفيلم يتحدث عن المستور والمخبّأ في القلوب، وعن أصوات الرصاص التي خفتت قبل أكثر من 25 عامًا، لكن أزيزها ما زال يحفر في المجتمع.
فنيًا، يعد الفيلم نقلة نوعية في الإنتاج السينمائي اللبناني، على صعيد أداء الممثلين العالي، وزوايا الكاميرا، وحجم اللقطات وتوليفها في مونتاج متقن، ما جعله يصل إلى الترشيحات النهائية لأوسكار كأفضل فيلم أجنبي، كما حاز على تقييم 7.7 على موقع “IMDB” المختص بالسينما.
يقدم الفيلم الممثل عادل كرم بشكل جديد ومختلف، ويبرز قدرات عالية لديه خارج إطار الكوميديا والبرامج التلفزيونية الخفيفة التي اعتاد تقديمها على مدى سنوات.
كما ينجح المخرج في خلق بيئة فنية متكاملة، تسهم في صناعة المفاجأة في تفاصيل الفيلم غير المتوقعة، وفي حبكة تجذب المشاهد حتى النهاية.
وكان زياد الدويري أخرج سابقًا أحد أفضل الأفلام السينمائية اللبنانية، التي شرحت المجتمع اللبناني وهو فيلم “بيروت الغربية”.