“قصيدة تربوية” رواية تحكي تجربة تربوية واقعية، أنقذت أطفالًا شردتهم الحرب من الضياع وانحلال الذات، وقدمت لهم هدفًا ومسارًا قويمًا ليبنوا أحلامهم ومستقبلهم انطلاقًا من احترام أنفسهم ومجتمعهم.
قدم الكاتب والمربي الروسي أنطون مكارنكو، الذي كان من أكثر المفكرين التربويين تأثيرًا في الاتحاد السوفيتي، في روايته التي حملت عنوان “قصيدة تربوية”، حكاية تجربته المميزة في إدارة “إصلاحية غوركي”، التي استقبلت أطفالًا يتّمتهم الحرب ودفعت بهم نحو الجنوح والضياع.
صدحت صرخة الجياع في الثورة الروسية، التي قامت عام 1917، مطيحة بالحكم القيصري ومقيمة على أنقاضه الاتحاد السوفيتي، الذي أصبح قطبًا قلب الموازين العالمية، ولكن بعد أن نهض على أشلاء 13 مليون ضحية من ضحايا الحرب الأهلية التي كانت آخر فصول الثورة.
اتجه مكارنكو بداية العشرينيات، في روايته، لإنشاء إصلاحية للفتية الجانحين مستلمًا عصبتهم الأولى التي لاقته بالصدود والاستهزاء، مبرهنة صعوبة المهمة وعظم الجهد المطلوب.
لم يتوانَ المعلم العنيد عن بذل ما يستطيع ولم يتراجع أمام التحديات، بل تابع في أسلوبه الذي اعتمد على الاحترام والاهتمام إلى أن تمكن من الوصول إليهم رويدًا رويدًا، زارعًا في ذاتهم بذرة تقدير الذات التي نمت لتشفي جراحهم وتحول ندبهم إلى مرتكز للتكاتف والتعاضد.
عرضت الرواية، في أسلوب أدبي سلس وممتع، حكاية الإصلاحية، التي سميت على اسم الأديب السوفيتي مكسيم غوركي، الذي نشأ يتيمًا ثم أصبح من أشهر الأدباء الروس، بعد أن عُرف بتأسيس نهج الكتابة الواقعية الاشتراكية وتلقى خمسة ترشيحات لجائزة نوبل للآداب، وركزت على قصص عدد من الأطفال الذين انتقلوا من حال إلى حال وجعلوا من إصلاحيتهم بيتًا يضج بالحيوية والنشاط.
ضمت الحكاية في ثناياها عرضًا لأفكار مكارنكو التربوية، التي عدها بعض المفكرين والتربويين السوفييت جدلية لما فيها من أسس متخالف عليها، كان من أبرزها فكرة عمالة الأطفال التي تمحورت حولها جهود الإصلاحية.
اعتمد مكارنكو مبدأ “طلب أقصى ما يمكن من الطفل مع تقديم أكبر قدر ممكن من الاحترام له”، إذ اعتبر العمل أمرًا أساسيًا للنمو الفكري والأخلاقي للأطفال، فعهد إليهم بمسؤوليات ومهام متعددة أتاحت لهم تقدير دورهم ومهاراتهم ضمن المجتمع.
نشرت الرواية في ثلاثة مجلدات ما بين عامي 1933 و1935، ونال مكارنكو إثرها وسام الراية الحمراء من حزب العمال عام 1938، الذي يُمنح لمن يقدمون خدمات جليلة للدولة السوفيتية في مجالات الإنتاج والعلم والثقافة والأدب وغيرها من الأنشطة.
وتحولت الرواية عام 1955 إلى عمل سينمائي سوفيتي تلقى ترشيحًا لجائزة “كان” لعام 1956.